الجديد برس : متابعات
في أقل من شهر، صعّد ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى في حكومة عبد ربه منصور هادي، من لهجتهم الحادة ضد الإمارات؛ القوة الثانية في التحالف العسكري الذي يشن عمليات عسكرية باليمن، بقيادة السعودية.
وبدأ التحالف عملياته العسكرية في 26 مارس/ آذار 2015، لإعادة عبدربه منصور هادي إلى الحكم في صنعاء التي سيطر عليها مسلحوا جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، في سبتمبر/ أيلول 2014.
أصوات حكومية “تنتفض” لتثير حالة الاحتقان من جديد، على خلفية التحركات الخارجية الأخيرة لـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، في محاولة لتسويق وتدويل فكرة انفصال الجنوب اليمني عن شماله.
والأربعاء الماضي، دعا وزير النقل في حكومة هادي، صالح الجبواني، إلى “تصحيح” العلاقة مع الإمارات، معتبرا أن العلاقة أصبحت “ملتبسة وآن للشرعية أن تتخذ موقفا بتصحيح علاقتها بأبوظبي أو فض التحالف معها”.
ولم تكن دعوة الجبواني هي الأولى من نوعها، إذ شدد محافظ محافظة المحويت صالح سميع، على “ضرورة إخراج ذلك الطرف (الإمارات) من التحالف العربي” -دون أن يسميه-، متهما إياها بـ”الوقوف خلف جميع المشاكل والهزائم التي تتعرض لها الشرعية”.
وأواخر فبراير/ شباط، طالب أحمد الميسري وزير الداخلية، وهو نائب لرئيس حكومة هادي، بـ”تصويب” العلاقة مع التحالف العربي، وقال إن خللا يشوبها، مشيراً إلى أن جهات تنازع سلطات وزارته التحكم بالملف الأمني في عدن.
تصريحات أوضحت بالكشف أن حالة التململ داخل الحكومة الشرعية في علاقة بموقفها من أبوظبي، خرجت من الكواليس إلى العلن، وكشفت أن هذه الدولة التي باتت المتحكم بالقرار في مدينة عدن، لم تعد ذلك الحليف الاستراتيجي لحكومة هادي، بل تحولت إلى طرف يملك الغلبة ويستأثر بجزء كبير من المحافظات المحررة المفككة.
ولم تكتف أبوظبي بـ”تهميش” سلطة حكومة هادي منذ استعادة السيطرة على عدن من الحوثيين منتصف 2015، كما يقول مراقبون، بل إن تقاريرًا أكدت منعها عودة هادي إلى عدن، ولا يزال الأخير يقيم في الرياض منذ مايو/ أيار 2015.
ويصف محللون تحركات الإمارات في اليمن بـ”الاحتلال”، فيما ينبئ سلوكها عن “أهداف خفية”، خصوصا مع إنشائها تشكيلات عسكرية تدين بالولاء المطلق لها، وسيطرتها على المرافق الحيوية، وعرقلتها لاستئناف الحياة في مناطق سيطرة الحكومة.
خلل عميق
ومنذ نصف عام، تشهد العلاقة بين أبوظبي ومؤسسة الرئاسة اليمنية فتوراً كبيراً قد يرقى إلى مستوى القطيعة، فيما قال مصدر في الرئاسة اليمنية إن حالة من التقارب بدأت في الآونة الأخيرة بين الإمارات والشرعية.
وفي تصريح للأناضول، أوضح المصدر، مفضلا عدم الكشف عن هويته كونه غير مخوّل بالحديث للإعلام، أن تلك التفاهمات جاءت عقب زيارة وفد إماراتي إلى عدن برئاسة وزيرة الدولة لشؤون التعاون الإماراتي، ريم الهاشمي.
ولفت إلى أن “الوضع على مستوى العلاقة بين الرئاسة اليمنية وسلطات أبوظبي، لم يشهد تغييراً، إذ أن الرئيس هادي يضع كل ثقته في الجانب السعودي، الذي يقود التحالف، وعلاقته مع الإمارات تتم في مناسبات قليلة جداً”.
وأشار إلى أن تصريحات المسؤولين التي طالبت بإعادة تقييم العلاقة مع الإمارات، قد تكون اجتهادات شخصية، أو أن هناك مستجدات طرأت على الواقع، مع الخلل العميق في الحكومة بتقدير الموقف، عقب الحرب التي دمرت المؤسسات.
لكن المصدر أكّد أن اعتراض “الانتقالي الجنوبي” المنادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، على انعقاد مجلس النواب في عدن خلال الفترة الماضية، يعتبر واحدة من الاستفزازات ضد الحكومة الشرعية، وذلك الاعتراض هو بضوء أخضر من الإمارات التي تتحكم بـ”الانتقالي”، وتدفعه نحو التحرك باتجاه جعل الحكومة الشرعية مشلولة.
تدويل الجنوب
لكن ما يثير حالة الاحتقان من جديد، يعود إلى التحركات الخارجية الأخيرة لـ”الانتقالي الجنوبي”، في محاولة لتسويق فكرة انفصال البلاد، وهو ما يعد انقلاباً على الحكومة الشرعية.
وزير النقل صالح الجبواني، اعتبر أنه من الضروري أن تؤخذ تلك التطورات الأخيرة على محمل الجد، حيث يتحرك “الانتقالي الجنوبي” من أبو ظبي، في ظل العلاقة “الملتبسة” بين الأخيرة والحكومة الشرعية.
ورغم الظروف التي صاحبت تلك التحركات إلا أن “الانتقالي” عقد جلسة مع عدد من أعضاء مجلس العموم البريطاني، حيث اجتمع وفد من “المجلس”، الاثنين الماضي، مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.
خطوات جعلت حكومة هادي تراقب الوضع بحذر، إذ إن القضية الجنوبية ومطالب الانفصال قد تكون في طريقها للتدويل، بإيعاز من الإمارات المتحكم الرئيس بـ”الانتقالي الجنوبي”.
ووفق موقع “تحديث نت” التابع للمجلس، فإن الأخير قدم عروضاً لموسكو من أجل التدخل في اليمن على غرار تدخلها في سوريا مع نظام بشار الأسد، مذّكراً بمعاهدات واتفاقات سابقة إبان الدولة الاشتراكية في جنوب اليمن.
وقال الموقع إن زيارة “الانتقالي لن تكون عابرة، ونتائجها قد تغيّر الموازين الدولية لصالح الجنوب، على غرار تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، وتغيير قواعد اللعبة الدولية لصالح سوريا”.
الباحث السياسي ورئيس مركز “ساس” للدراسات الاستراتيجية، عدنان هاشم، رأى أن “أبوظبي تدفع باتجاه تحركات الانتقالي ليظهر كممثل وحيد للقضية الجنوبية للحصول على مقعد له في المفاوضات، حتى لو اضطرها الأمر لاستبعاد الحكومة الشرعية وإبقاء المفاوضات بين الحوثيين وأدوات أبوظبي في الجنوب”.
وأضاف لوكالة الأناضول أن “هذه المحاولة السيئة تؤدي بشكل رئيسي إلى إبراز ضعف سلطة هادي، وإظهار سلطة الأمر الواقع بأن الانتقالي هو الذي يملك الوجود الشرعي في جنوب اليمن، في استفزاز قد يؤدي إلى حرب جديدة في عدن”.
ووصف الباحث الوضع بأنه “غرور إماراتي وإمعان في الخصومة يدفع بالمناطق المحررة إلى احتراب داخلي”.
ليست الأولى
مطلع العام الماضي، شهدت العلاقة بين حكومة هادي والإمارات منعطفاً حاسماً، مع اندلاع قتال ضار في عدن، بين قوات موالية لهادي وأخرى مدعومة من الإمارات، أسفرت عن عشرات القتلى، وانتهت بسيطرة الأخيرة على المدينة.
لكن الرياض تدخلت لتهدئة الوضع بين الطرفين، غير أن التوتر ما لبث أن اشتعل مجدداً، مع إنزال الإمارات قوات موالية لها في سقطرى اليمنية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى التهديد باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي، لتنتهي الأزمة مع انسحاب تلك القوات، وفق المصدر نفسه.