الجديد برس : رأي
ناصر قنديل
عندما كان ثوار وشعب فييتنام يُلحقون الهزيمة بالاحتلال الأميركي لبلدهم كانوا يفعلون ذلك بدافع وطنيتهم الخالصة، ولم يكن في حسابهم أنهم يفعلون بالنيابة عن كل شعوب الأرض وأحرارها، ما يجب لكسر شوكة هذا المعتدي المتعجرف الذي بنى على قوته العمياء تحكمه بمصائر شعوب الأرض وثرواتها. وعندما خرج العالم يحتفل بالنصر الذي حققه الفييتناميون، لم يكن يعبر عن الإعجاب بالإعجاز الذي تحقق على أيدي البسطاء والفقراء والضعفاء في مواجهة آلة الموت العمياء، التي تحميها الأموال والتقنيات وقدرة القتل بلا حدود، بل كان العالم بطريقته يتنفّس الصعداء لأن أميركا التي أرعبت الدنيا وملأتها ذعراً تخرج من هذه الحرب على غير ما دخلتها، وستكون أقل توحشاً ووقاحة بعدها، ليس لأنّها تتعلم الدروس وتتخذ العبر، بل لأنها جريحة تنزف وأعجز من أن تكرر فعلتها مرة أخرى.
– في 26 آذار 2015 قرّر حكام الرياض أن حرية اليمن تشكّل مصدراً أولَ للخطر على الحقبة السعودية التي خيّمت على العالمين العربي والإسلامي منذ هزيمة عام 1967 للجيوش العربيّة على يد جيش كيان الاحتلال الصهيوني لفلسطين، الذي قام بتجيير العائد السياسي لنصره العسكري لحساب حلفائه آل سعود الذين شاطروه العداء لجمال عبد الناصر الذي كان يشكل عنوان المواجهة مع كيان الاحتلال، وبناء عليه قرّر حكام الرياض أن حرباً سريعة وحاسمة تنهي قوى المقاومة في اليمن صارت ضرورة لإنقاذ الحقبة السعودية من التداعي الذي أصابها، في ضوء مشروع التفاهم على الملف النووي الإيراني دون الأخذ بالطلبات السعودية والإسرائيلية من قبل دول الغرب، من جهة. وفي ظل المتغيرات التي بدأت ترتسم فشلاً في الحرب التي تقودها واشنطن على سورية وتمولها السعودية وتدير جماعاتها المسلحة، من جهة مقابلة.
– في 26 آذار 2015 كان اليمن قد تحرّر عبر إنتفاضة شعبية وعسكرية تشاركت فيها اللجان الثورية والشعبية والجيش والعشائر والنخب، وتساقطت المدن والبلدات والمناطق والثكنات والمؤسسات بأيدي المنتفضين، ولم يجد رجل السعودية في اليمن منصور هادي من يحمل له صورة، أو يطلق دفاعاً عنه رصاصة، من صنعاء إلى عدن، وكان الإجماع على أن الحل السياسي اليمني اليمني يوازي الإجماع على التمسك بالاستقلال، لكن في 26 آذار 2015 أعلن آل سعود أنهم قرروا إنهاء الاستقلال اليمني وفرض نظام الوصاية والاحتلال على اليمن، وفي ظنهم أن الأمر رحلة أيام يمضيها ولي العهد الذي أراد تدشين زعامته للعالمين العربي والإسلامي بحرب خاطفة ونصر حاسم يؤدّب خصومه، ويفرض مهابته، تمهيداً للتبشير بصفقة القرن التي تم إعدادها بالتشارك مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وعنوانها، القدس عاصمة أبدية موحدة لـ«إسرائيل».
– في 26 آذار 2015 كان وزير خارجية منصور هادي، رياض ياسين يعلن من شرم الشيخ حيث انعقدت القمة العربية التي أعلنت دعم العدوان السعودي ووفّرت له التغطية، أن إيلات لن تكون بعد اليوم في مرمى الصواريخ التي تتخذ من الحديدة مراكز انطلاق لها لتهديد أمن «إسرائيل» في أي حرب مقبلة. وها هي الحرب تدخل سنتها الخامسة، وأحلام ولي العهد السعودي كما وعود منصور هادي وجماعته، وصفقة القرن، وأمن إيلات، تتبخّر جميعاً، والحديدة صامدة بأيدي المقاومين اليمنيين، والعالم الذي باع لحكام السعودية قرارات أممية تغطي العدوان وتتبنّى شروطه يبحث عن كيفية التموضع على شروط للتسوية تأخذ بالاعتبار نهاية الحقبة السعودية، كنتيجة حتمية لفشل الحرب.
– نجح حكام السعودية بارتكاب أضخم مجزرة بشرية في التاريخ، والتسبّب بأكبر مجاعة، وتشريد أكبر عدد من السكان والأطفال والنساء بلا مسكن ولا طعام ولا دواء، لكنهم فشلوا في الفوز برهان الحرب التي خاضوها منذ خمس سنوات، وفي ظنهم أنها حرب خمسة أيام أو خمسة أسابيع، ونجح أبطال اليمن وقيادتهم الشجاعة والحكيمة في تكرار ما فعله أبطال فييتنام وقيادتهم الشجاعة والحكيمة، بتخليص البشرية من نير عبودية غاشمة وغشيمة، تنتمي للجهل والظلمة والظلم، لقد خاض اليمنيون حربنا جميعاً بالوكالة، كما خاض آل سعود ومَن معهم حرب الأميركيين والإسرائيليين والإرهاب جنباً إلى جنب، فهزموا جميعاً، وانتصرنا.
– إنها بداية الزمن اليمني.
المصدر: مقال منشور للكاتب في صحيفة البناء اللبنانية