الجديد برس : رأي
رفعت سيد احمد
عجيب أمر هذه الأسرة الحاكمة في الجزيرة العربية، تشمر عن ساعديها وتطلق قذائفها، وإرهابها الإعلامي والديني تجاه كل ما يمت إلى العروبة والإسلام بصلة، إذا ما جرؤ أحد رسمي أو غير رسمي من بلادنا العربية المنكوبة، ووجه إليهم انتقاداً بسيطاً يخص سياساتهم المنافقة، والمداهنة لهذا الغرب الاستعماري/ العدواني منذ مؤسس هذه المملكة: عبد العزيز بن سعود، أما إذا ما وجهت لهم الاهانة من واشنطن أو أصدقائهم في تل أبيب، فإنهم يصمتون، ويبتلعون الإهانة، بل يكافئون مطلقيها بصفقات مالية وعسكرية، مثلما جرى في موضوع خاشقجي، ومن قبله الحرب العدوانية المجرمة التي شنها ابن سلمان على اليمن.
إن هذا الغضب الهائل الذي أصاب بني سعود وصبيانهم في الإعلام العربي لمجرد انتقادات إعلامية بسبب جرائمهم في هذا الربيع الإعلامي الزائف، وبسبب دعمهم لجماعات الإرهاب الداعشي في سوريا والعراق وسيناء المصرية، والذي يراه الشرفاء من النخبة الإعلامية والسياسية؛ يمثل ضرراً بليغاً على المصالح العربية، بل ضد الإسلام ذاته، هذا الغضب لمجرد الانتقاد، يمثل سياسة سعودية ثابتة منذ تأسيس المملكة عام 1932 وحتى لحظة مصرع خاشقجي وتذلل ابن سلمان للغرب لكي يغفر له جريمته وينساها مقابل عشرات المليارات كصفقات ورشوة، ومقابل أيضاً دور تطبيعي حثيث نحو تل أبيب، وحرب مجانية مفتوحة في مجالات الاقتصاد والسياسة ضد إيران ولصالح واشنطن.
إن هذه الحساسية السعودية لأي انتقاد عربي لسياساتهم وألاعيبهم التي أضحت مكشوفة للأمة كلها، حساسية قديمة، لعلنا نتذكر مواقفهم ــ مثلاً ــ من العقيد معمر القذافي عندما تجرأ في أحد اجتماعات القمة العربية، فانتقد سياستهم الموالية لواشنطن، ضمن انتقاد أوسع قاله القذافي عن الأوضاع العربية، فما كان من الملك عبد الله (وكان وقتها أميراً وولياً للعهد) إلَّا أن نطق في هجوم لفظي كاسح ضد القذافي، وهو مثل أخيه الحالي الملك سلمان -والعديد من الأمراء السابقين في المملكة- معروف عنهم، عدم القدرة أساساً على النطق بالعربية الفصحى ولا باللهجة البدوية السعودية، وأنهما ربما لظروف صحية أو عقلية (الله أعلم)، كان تتم كتابة خطاباتهم الرسمية على ورق بحجم كبير، لكي يستطيعا أن ينطقا بها، المهم نطق عبد الله وأطلق سيلاً من الشتائم غير المفهومة حتى لأقرب الجالسين إليه، ضد القذافي، وشاهدنا جميعاً عبر الفضائيات كيف كان الأخير “القذافي” يبتسم ساخراً وهو يتابع شتائم عبد الله الخرساء وغير المفهومة، وبعد أن عاد إلى قصره في جدة، والذي يحيط به أكثر من 250 منزلاً من عشش الصفيح من فقراء بلاد الحجاز (تابعوا التغطيات القديمة لأقرب الفضائيات إليهم؛ قناة العربية لهذه الفضيحة).. ما إن عاد حتى انطلق الإعلام السعودي والمتسعود والمأجور لنفط بني سعود، فبدأوا يومها حملة سياسية ضد كل ما قاله أو يقوله أو يفعله القذافي، بل ضد كل سياسات ليبيا، إلى الحد الذي كفروا فيه “القذافي”، وكانوا مع قطر والإمارات ودول الغرب سبباً رئيسياً في الانقلاب عليه، ثم قتله بطريقة بشعة وغير إنسانية بالمرة، يرفضها حتى كفار قريش، والأمر ذاته ينسحب على موقف بني سعود من انتقاد عرب آخرين لهم سواء في لبنان أو فلسطين أو مصر أو اليمن.
ترى، لماذا هذه الحساسية تجاه أي انتقاد من العرب، مع القبول في الوقت نفسه بالإهانات والإذلال الممنهج من قبل واشنطن؟!
بعض التفسيرات تذهب إلى تحليل نفسي يقوم على نظرية بن خلدون الشهيرة: أن المغلوب مولع بتقليد الغالب، أي أن السعودية المغلوبة على أمرها في ثرواتها وخيرات شعبها تقلد “واشنطن” الغالبة في شتم وإهانة الآخرين، في الوقت الذي تصمت، بل أحياناً تتلذذ بشكل سادي مرضي من لطشات وإهانات “الغالب” لها منذ سرقوا النفط في الثلاثينيات وحتى صفقات السلاح والأموال المهدرة في صفقات محمد بن سلمان مع ترامب ودول الغرب قبل وبعد مذبحة خاشقجي.
تفسيرات أخرى تذهب إلى أن بني سعود يعلمون أن انتقادات العرب صحيحة، بل إنها جزء صغير جداً من الحقيقة المرة، وهم يحاولون أن يطمسوها، فأطلقوا هذه القنابل الدخانية ضد أبسط الانتقادات حتى لا تُكشف أسوأها، والتي تتصل بأدوارهم وعلاقاتهم مع أعداء الأمة.
تفسيرات ثالثة تذهب إلى أن هذا الغضب غير المبرر لبني سعود وأتباعهم يأتي بطلب (أو أوامر) من “واشنطن”، لكي تمهد السعودية بذلك لضربات أمريكية قادمة ضد تلك الدول التي تهاجمها السعودية، خاصة وأن الأسرة الحاكمة ستشارك فيها سواء بالدعم المالي ــ كما هي عادتهم التاريخية ــ أو بالتواطؤ السياسي والديني (الوهابي) كما حدث عبر الحروب العربية كافة تجاه العدو الصهيوني، وكما جرى في سنوات الربيع العربي الزائف (2011-2019)، أو بالتخلي عن أصول العروبة والإسلام وخدمة الحرمين التي تزعمها تلك الأسرة…
وأياً كانت التفسيرات، فإن هذا الغضب السعودي، غير مبرر، بل غير أخلاقي، لأنه يقوم على ازدواجية غير مقبولة في التعامل مع العرب والعالم الغربي، وعلى تضخيم تافه لانتقادات هي في مجملها صحيحة وثابتة باليقين.
إن قنابل دخان بني سعود في زمن محمد بن سلمان وبعد اهتزاز شرعيته داخل وخارج المملكة بعد ذبح خاشقجي، لم تعد تقنع أحداً، بل إنها عادة تنقلب على مطلقيها، وتؤكد دعوتنا الثابتة منذ سنوات ضدهم، أنهم لم يعودوا جديرين برعاية المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة، فاليد التي تصافح القتلة في تل أبيب وواشنطن، وتقتل المسلمين في اليمن ومن قبل في سوريا والعراق وليبيا، بل حتى داخل المملكة (الشيخ النمر وخاشقجي ومئات غيرهما مثال على ذلك)، غير جديرة بأن تغسل الكعبة، وتدعي خدمتها ورعايتها، وسيظل السؤال التاريخي قائماً: متي ينزع هذا السلاح الإلهي (سلاح المقدسات) من تلك الأيدي؟ ومن يعيده لأمة المسلمين، ويعيد حقها في الولاية والإشراف الديني الكامل على تلك المقدسات، والذي أقره الإسلام ذاته، بل أقره عبدالعزيز بن سعود في بداياته لتأسيس المملكة، كما ذكرت الوثائق وكتب المؤرخين الثقاة؟ ثم عاد – ابن سعود وورثته – فانقلبوا عليه بعد أن ظهر النفط، وفرضوا الهيمنة على الجزيرة العربية والتحالف الدائم مع لندن ثم واشنطن؟ إنه سؤال برسم النخبة الإعلامية والعلمائية والسياسية في هذه الأمة. واللهم قد بلغنا، اللهم فاشهد.