الجديد برس : متابعة اخبارية
دأبت وسائل إعلامية عدّة على ضخّ الأخبار عن «تنامي الصراع الروسي الإيراني في سوريا»، وتبويب كثير من تطورات المشهد السوري ضمن هذا الإطار. لكن المعطيات على أرض الواقع تشي بأن مفردة «صراع» تنطوي على مبالغات كبيرة، وأن العلاقة بين الطرفين أقرب ما تكون إلى «سباق على جني الفوائد»، يجاريهما في ذلك لاعب بارز صامت، هو الصين
وتبدو أي قراءة واقعية للمعطيات السابقة كفيلةً بـ«تصويب البوصلة» لدى الحديث عن علاقة موسكو بطهران في المشهد السوري، وأخذه بعيداً عن خانة «الصراع». ولا ينفي ذلك وجود تنافر تام بين الطرفين في واحد من الملفات الحساسة في «الشرق الأوسط» برمّته، وهو ملف «الصراع مع إسرائيل». ولم ينشأ التنافر المذكور على هامش الحرب السورية، بل إن الطرفين كانا يعيانه تماماً منذ اللحظة الأولى لخوضهما الحرب إلى جانب دمشق. تأسيساً على ذلك، لا يمكن عدّ «أمن إسرائيل» (الذي يشكل أولوية ثابتة في موازين موسكو) عاملاً مفجّراً لـ«الصراع» مع طهران. أكثر من ذلك، تُدرك موسكو جيداً أن ورقة «الوجود الإيراني في سوريا» واحدة من أشد أوراقها فاعلية في الكِباش المستمرّ مع الغرب حول مستقبل سوريا. والأرجح أن استثمار هذه «الورقة» متى حانت ساعته، لن يكون ممكناً من دون رضى دمشق وطهران على حدّ سواء.
من هذه الزاوية، تمكن رؤية العلاقة بين روسيا وإيران (سوريّاً) بطريقة واقعية. وربما كان الأصحّ تبويب تلك العلاقة في خانة «السباق على القِطاف»، وهو سباق ذو شقّين، يبدو الاقتصاد حاملاً أساسياً لكليهما. أول الشقّين اقتصادي بحت، ويتمحور حول الاستثمارات والثروات الباطنية وإعادة الإعمار والعلاقات التجارية مع سوريا، سوقاً وممرّاً. أما الثاني، فاستراتيجي، ميدانه النفوذ السياسي، و«حِصانه» النفوذ الاقتصادي. والواقع أن «السباق» المذكور ليس محصوراً في موسكو وطهران، بل تُضاف إليهما معظم القوى المؤثرة في الصراع السوري، بما في ذلك تركيا، ودول الخليج، والاتحاد الأوروبي، وحتى الولايات المتحدة. لكن حليفتي دمشق تحظيان بميزة أساسية تخولّهما البحث عن المكاسب قبل الآخرين.
ثمة حليف ثالث لدمشق يمتلك الميزة ذاتها، ويُغفل كثير من وسائل الإعلام دوره المؤثر في مرحلة الحرب و«ما بعدها»، هو التنين الصيني. وإذا كان الفوز الروسي بميناء طرطوس من وجهة نظر البعض «ضربة روسية لطهران»، فإنه في الواقع يبدو أقرب إلى كونه نقطة روسية على حساب الصين. وسبق لبكين أن أشارت إلى أهمية «طرطوس» للتنمية الاقتصادية، وكان الميناء حاضراً في سياق توصيات صدرت عن «لجنة رسم السياسات والبرامج الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء» السوري أواخر عام 2017 حول العلاقات الاقتصادية مع الصين. كذلك إن إعادة تأهيل ميناء طرطوس على يد موسكو كفيلة بقطع الطريق على خطط صينية لاستثمار ميناء طرابلس اللبناني، وهو أمر تشير إليه بوضوح تصريحات وزير النقل السوري الأخيرة حول «مرافئ دول الجوار» من دون تسميات محددة. وتشكل سوريا وجهة حتمية لاستثمارات صينية في شتى المجالات، وتعِد خطط الربط السككي الموعود بين سوريا والعراق فإيران بإمكانية التحول إلى جزء أساسي من المشروع الصيني الطموح «الحزام والطريق».
يمكن وصف الدعم الصيني لدمشق خلال الحرب بـ«الدعم الناعم». وعلاوة على مشاركة بكين لموسكو في إحباط قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي عبر استخدام حق «الفيتو»، قدمت الصين دعماً اقتصادياً وإنسانياً ولوجستياً لدمشق. ووعدت بكين بتمويل إنشاء مناطق صناعية، ودعم مشاريع كهربائية، واستثمارات إنتاجية. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن «فكرة الانخراط العسكري المباشر كانت قد طُرحت على الصين، لتدخل الحرب بالتزامن مع دخول روسيا وبالتنسيق معها». وآثرت بكين البقاء بعيداً عن الانخراط المباشر، برغم الهاجس الكبير الذي يشكله «الحزب الإسلامي التركستاني» الطامح إلى تدشين «جهاد لتحرير تركستان الشرقية (إقليم شينغ يانغ)». وبلغ الاهتمام الصيني الاستخباري بهذا الملف أوجه في عام 2017، وتشير المصادر الدبلوماسية عينها إلى أن «فكرة الدخول العسكري قد راودت بكين بالفعل في ذلك الوقت، بغية تصفية الحزب التركستاني بالدرجة الأولى». لكن تلك الفكرة لم تترجم إلى خطوة عملية «بفعل فيتو وضعته موسكو، التي رأت أن هذه الخطوة كانت مقبولة عام 2015، لكنها مرفوضة الآن (وقت طرحها)»، وفقاً للمصادر نفسها. وتُظهر واشنطن اهتماماً استثنائياً بالنشاطات الصينية المحتملة في سوريا، وهو أمر تناولته تقارير إعلامية عدة، من أبرزها واحد نشرته شبكة «CNBC» الأميركية مطلع الشهر الحالي.
نقلا عن جريدة الأخبار اللبنانية