الجديد برس : رأي
أحمد الكبسي
أمس الأول تلقت زوجتي اتصالاً هاتفياً من إدارة المدرسة أخبرتها أن ابني يحيى الذي يؤدي امتحانه النهائي والأخير للصف الثاني الابتدائي، مريض، ويعاني من الطرش والإسهال، كانت أم يحيى قد لاحظت عليه تلك الأعراض حينما غادر المنزل صباحاً إلى المدرسة، لكنها لم تشك أن تلك هي أعراض الكوليرا.
أيقظتني زوجتي لتخبرني بالأمر، فذهبت مسرعاً وأنا على شك بالأمر، فالطرش والإسهال المتواصل أبرز أعراض هذا الوباء، كنت قلقاً وغير مرتبك، فقد أصيبت صغيرتي رغد ذات الثلاث سنوات بهذا الداء قبل حوالي نصف شهر، وأسعفتها وأنا في حالة من الارتباك والقلق الشديدين، وذهبت بها إلى أكثر من مركز صحي حتى وصلت إلى مستشفى السبعين، حيث تقدم الخدمات الصحية لمن يعاني من الإسهالات المائية الحادة من النساء والأطفال فقط.
تلقت طفلتي 3 مغذيات حتى استعادت ابتسامتها الجميلة، حيث لم تكن تستسيغ محلول الإرواء، إضافة إلى حالة الطرش المستمر، بقينا نعطيها المغذيات حتى ساعة متأخرة من الليل، ونحن فوق سيارتنا، فالمركز كان مليئاً بحالات الإصابة أو الاشتباه بالكوليرا، وكنت انا وغيري نعطي مرضانا جرعاتهم من السوائل اللازمة إما في حوش المستشفى أو على متن السيارات.
خرجت نتيجة الفحص الخاص بالبراز لتؤكد الإصابة بعد أن كان أحد أطباء الباطنية في مستشفى الشهيد الملصي قد أخبرني أنها غير مصابة بمجرد مشاهدته للعينة، حيث قال لي هذا ليس كوليرا، قلت له طيب اعمل الفحص، قال أنا متأكد من خلال النظر فقط يكفي فلدي الخبرة الكافية، حيث نستقبل يومياً عشرات الحالات، ورمى بالعينة إلى سلة القمامة، وأعطاني دواء لها على أنها سوف تتحسن خلال ساعات من عودتنا إلى المنزل.
كنت في طريقي إلى المنزل، وكانت حالة طفلتي تزداد سوءاً، فالطرش والإسهال لم يتوقفا، عندها عدت من باب المنزل، وقررت أن أذهب باتجاه مستشفى السبعين، وهناك أخذت العينة وظهرت النتيجة التي نسفت خبرة ذلك الطبيب، كما تم سحب عينة دم للتأكد من عمل وظائف الكلى والدم، وكانت نتيجة فحص الدم مطمئنة.
لقد كان الوضع الصحي في تلك الليلة ينذر بكارثة، فالحالات في تزايد، والمركز لايستطيع أن يستوعب كل تلك الحالات، وما كان مثيراً للاستغراب والملاحظة أن دورة مياه مسجد المستشفى غير نظيفة رغم أنها قريبة من دورة مياه مركز علاج الإسهالات المائية، حتى إن أحد مرافقي المرضى قال مازحاً: إن هذا مركز اليبس (في إشارة إلى حمامات المسجد) وذاك مركز الإسهالات (في إشارة إلى حمامات مركز علاج مرضى الكوليرا).
عدنا إلى المنزل بعد منتصف الليل وقد تحسنت رغد وتوقف الطرش وبدأت تأكل قليلا وتتقبل شرب محلول الإرواء لمدة 3 أيام مع المضادات الحيوية، وتعافت طفلتي والحمد لله، لأفاجأ أمس بإصابة يحيى، حيث أسعفته مباشرة إلى مستشفى السبعين، كنت قد توقفت لأشتري محلول الإرواء وقمت بخلطه في قارورة ماء معدني، فهو أفضل علاج لمن يعاني من الإسهالات المائية الحادة، ويقي من تفاقم الحالة جراء الإصابة بالجفاف، أجريت ليحيى الفحوصات اللازمة، وتم أخذ عينة البراز التي جاءت نتيجتها مؤكدة إصابته بالكوليرا، ليبدأ بأخذ مغذيتين ومعها محلول الإرواء. كان عدد الحالات هذه المرة أقل بكثير من المرة السابقة، وكنت أقل ارتباكاً، فأنا أعرف جيداً ما هو المطلوب ابتداءً بالعرض على الطبيب في الاستقبال حيث يتم أخذ جميع بيانات المريض، مروراً على الممرض في الخيمة الأخرى، الذي سيقوم بسحب العينة، وأعلم أين مكان المختبر الخاص بالبراز، والآخر الخاص بعينات فحص الدم، كما أني أتذكر مكان الصيدلية خلف مبنى الإسهالات حيث تصرف الأدوية، وتجرى الفحوصات كلها مجاناً على حساب منظمتي اليونيسف والصحة العالمية.
عدت بعد ظهر أمس الأول، وفلذة كبدي قد تحسنت حالته الصحية بشكل جيد، والسبب أنه تلقى كميات السوائل اللازمة في أسرع وقت، فبكتيريا الضمة الكوليرا إما أن تقضي عليك باستنزاف مخزونك المائي واستخراج جميع سوائل الجسم، أو أن تقضي عليها بكل سهولة بالتعويض والتعويض فقط بكميات كافية من محلول الإرواء الذي أنصح كل واحد منكم أن يشتريه ويضعه في المنزل احتياطاً كإسعاف أولي وعلاج إذا لم تتفاقم الحالة.
أمس، ومنذ الصباح تواصل معي أحد طواقم عمل منظمة اليونيسف، وطلب تحديد مكان منزلي، حيث قام فريق مكون من فتاتين وشابين وسائق باص مشكورين بإحضار كرتون صغير من المنظفات ودبتين 20 ليتراً فارغتين لتعبئتهما بمياه الشرب. أخبرتهم ما سر هذا الاهتمام، فأجابني أحدهم أن الوباء في تراجع، وأنه صار بإمكانهم تقديم خدمات التوعية والإرشاد للمصابين وحالات الاشتباه بشكل أفضل.
أحببت أن أخبركم ببعض التفاصيل لقصتي مع الكوليرا التي شفي منها أبنائي بفضل الله، وبسبب عدم الإهمال، فالمطلوب عدم التهوين، وأيضا عدم الخوف أو التهويل، والله خير حافظاً، والملاحظة الأهم أني لازلت أطلع وأبحث عن الأسباب لإصابة أولادي رغم حرصنا على مستوى عالٍ من النظافة، وشربهم مياهاً مأمونة، وعدم تناولهم أي مأكولات خارج المنزل، لكن هذه بكتيريا، ويمكن أن تنتقل لمجرد اللمس والمصافحة، كما أن مناعة كل شخص تختلف عن الآخر.