الجديد برس : رأي
قاسم عزالدين
التحركات الإماراتية باتجاه تخفيف تواجدها العسكري في اليمن وباتجاه التقارب مع إيران، يدل على انهيار تحالفها مع السعودية في العدوان على اليمن وفي معسكر الحرب ضد إيران. لكن مساعي التخفّف من الخسائر قد لا تحميها من الغرق، إذا لم تقفز من القارب قبل فوات الآوان.
الانسحابات التي تقوم بها الإمارات في اليمن، لا يتم تنسيقها مع محمد بن سلمان في السعودية، ولم تعلنها الإمارات تفادياً لزيادة حدّة الخلاف بين الطرفين، كما تقول صحيفة “نيويورك تايمز”، نقلاً عن مصادر موثوقة. فمقال الصحيفة بقلم “ديكلان والش وديفيد كيركباتريك” يستعرض إحباط السعودية التي تتخلى عنها الإمارات في اليمن، لكنه لا يتناول أسباب انهيار التحالف مع السعودية في محاولة الإمارات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد فشل العدوان على اليمن والمراهنة على حرب أمريكية حاسمة ضد إيران.
قائد الحرس الإماراتي “مايك هندر مارش”، وهو جنرال أسترالي متقاعد، يوضّح الهلع الإماراتي المتزايد بسبب نمو قدرات الردع اليمنية وإمكانية تهديدها المرافق الحيوية الإماراتية، ما يدلّ على أن استمرار العدوان على اليمن يهدّد الإمارات بمخاطر الأفول تحت وطأة ما يسميه الجنرال “فيتكونغ اليمن”، في إشارة إلى ثوار فيتنام الذين هزموا العدوان الأمريكي. فهذه المخاطر أخذت بتوسيع الشرخ بين حاكم أبوظبي محمد بن زايد وبين حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم وأمراء الفجيرة والشارقة المعترضين على ما يصفونه “السياسة الفاحشة” التي يطمح إليها ابن زايد، فضلاً عن تعرّض الإمارات إلى ضائقة اقتصادية على شفا أزمة خانقة نتيجة كلفة العدوان بحدود 100 مليار دولار.
الإمارات تفوق خشيتها خشية السعودية مما تسميه “إريك كنينغام” في “واشنطن بوست”، الخوف من أن تجد نفسها في الصفوف الأمامية لأية حرب بين أمريكا وإيران. فالكاتبة المقيمة في دبي تحاول الإشارة إلى قلق دبي على وجه خاص، في معرض حديثها عن “دول الخليج (الفارسي) التي لا تعرف ماذا تريد في المواجهة مع إيران”، وهو القلق الذي طالما عبّرت عنه إمارة دبي في رسائلها إلى إيران، كما كشف أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، في قوله قبل 3 أشهر: “في داخل الإمارات حكام يرسلون إلينا رسائل تعاون لتذليل سوء التفاهم بيننا”.
لكن مأزق الإمارات في اليمن وفي أمن الخليج (الفارسي)، تجاوز دبي والفجيرة والشارقة إلى أبوظبي ومحمد بن زايد نفسه الذي يأخذ احتمال تفكّك الإمارات على محمل الجدّ بسبب مخاطر تداعيات الحرب في مياه الخليج (الفارسي). فوزير الخارجية عبد الله بن زايد يحاول التقرّب من إيران في اختلافه مع السعودية بشأن أحداث الفجيرة، كما يسعى إلى توسيط روسيا أثناء زيارته إلى موسكو بتاريخ 25 يونيو الماضي، لكن طهران ترفض إنقاذ الإمارات التي “تجاوزت الخطوط الحمر” في مركب يتهدده الغرق في مياه الخليج (الفارسي).
الوفود الأمنية الإماراتية التي تعرض في طهران تطبيع العلاقات والموافقة على تأمين حماية مشتركة للممرات المائية ومغادرة اليمن، لا تلقى أذناً صاغية ولا ترحيباً بالوساطة الروسية، بحسب المصادر المطّلعة. ففي مقابل محاولة ترامب إنشاء تحالف دولي لمرافقة وحراسة السفن التجارية في الخليج (الفارسي)، وفق قائد الأركان المرشّح مارك ميلي وقائد الأسطول الخامس جيم مالوي، تعرض إيران على دول الخليج (الفارسي) ضمان الأمن الإقليمي من دون قوات أجنبية “لا تهتم في استتباب الأمن والاستقرار”، بحسب المتحدث باسم الخارجية عباس عراقجي. وفي هذا الصراع على الإمارات أن تختار ضمان أمن الخليج (الفارسي) في اعتماد دول المنطقة على نفسها، أو التدويل الذي يهدّد أمن المنطقة واستقرارها.
المحاولة الأمريكية للتدويل تقتصر على بريطانيا وحدها، من دون موافقة دولة أوروبية أخرى. وهي تدلّ على اعتراف ترامب باضطرار أمريكا للتنازل عن احتكار أمريكي تاريخي لأمن الخليج (الفارسي)، إلى روسيا والصين اللتين ترفضان مدّ يد العون لإنقاذ ترامب من المستنقع. ولا يحمي الإمارات في هذا المطب الوعِر انهيار تحالفها مع السعودية، بل يحميها عدم انزلاقها إلى هذا المنزلق الأمريكي الوخِيم.
*المياديــن