الجديد برس : رأي
عبدالفتاح حيدرة
هذا الحديث موجه للمؤمنين الصادقين المتقين المحسنين بالمسيرة القرآنيه ، المنتمين إليها عن حق، ليست أي مسيرة قرآنية ، وليس أي منتمين، بل إلى هؤلاء الذين يؤمنون بصدق بأن تغيير الواقع يحتاج الى نظرية في التغيير، تحدد المسار من المنطلقات الى الأهداف، وترسم خرائط الثوابت والمتغيرات، وتقترح الأساليب والأدوات..
هذا الحديث موجه إلى الذين يعرفون أن الإقدام على التغيير بدون نظرية يعد مغامرة صبيان، لا يمكن الاعتماد علي نتائجها مهما كانت ناجحه ،ولعل تاريخ حركة انصارالله السياسيه يؤكد أن فشل كافة تجارب استقطاباتها التنظيمية كان السبب الرئيسي ورائها هو عدم الاستناد الى معايير موضوعية يمكن الاحتكام إليها عند وقوع أي خلاف..
الحديث موجه إلى كل من لم يشارك في اختطاف المسيرة القرآنيه ، ليلغي دورها الشعبي ويجعل منها تيارا سياسيا يخدم اهوائه وطموحاته الصغيرة، إلى كل من لم يساهم في إفساد رجال انصارالله او الانحراف بخطى مسيرتهم القرآنيه ، إلى كل من يؤمنون بوحده الأرض والواقع اليمني والعربي والإسلامي ، ويسعون إلى وحدة وعي الحركة وقيم ومشرو المسيرة القرآنيه..
خلال ثمانية عشر عاما الماضية و بعد استشهاد القائد المؤسس الشهيد حسين بدرالدين، كان الواقع اليمني في أَمسّ الحاجة الى وحدة قوة الوطنية وفي قلبها التيار القرآني، وخاصه على الساحة اليمنية ، وكلما تأخر ذلك كلما دبّ الوهن في جسد الحركة الوطنية، مما أدى إلى إرتهان وسقوط الإرادة اليمنية في قبضة مـنظمات التجزئه والتطبيع، وأنظمة الاستبداد والفساد والافساد..
يا سادة.. كثيراً ما طالب الشهيد المؤسس لحركة انصارالله بوحدة القوى الاجتماعيه والشعبيه، وإقامة الحركة اليمنيه الشعبيه الواحدة، وانطلق سياسيا من منطلق تسييس المجتمع والشعب، بوعي وقيم ومشروع شعبي واجتماعي واحد، وليس تحزيبه وتأطيره ، وفي زمنه كانت الوطنية اليمنيه كشعور وإرادة تتقدم و تترسخ وتنتصر، وبرغم ذلك كانت صيحات الشهيد حسين تطالب بالوحدة وتدافع عنها ، والآن في زمن الانهيار والحرب تصبح الوحدة مناط أشواق اليمنيين، وهي فرض واجب ،وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالوحدة هي الشرط الموضوعي الأول لإمكانية قيام مسيرة قرآنيه يمنيه وطنية واحدة، قادرة على الاضطلاع بمهامها التاريخية التي مازالت معلقه في الفراغ تبحث عن أداة نضالية ثورية شعبية تتجسد فيها طموحات الشعب اليمني كله..
إن تجاهل الشرط القرآني الموضوعي (وإعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا) هو المبرر الأول للصراعات بين (انصارالله /انصارالله) والمبرر لمخطط الحرب الأهلية (القبلية) داخل التيار السياسي الانصاري، وهو المعوق الأساسي في التحام جماهير تحالف الشعب الصامد مع طليعته الثورية، وللخروج من الأزمة التي يعيشها التيار السياسي لانصارالله ، يستلزم الاتفاق على معايير موضوعية لإعادة التأسيس الفكري والحركي السياسي، على أنقاض مرحلة تاريخية طويلة من التشرذم التنظيمي وعدم الاتفاق الأيديولوجي..
ولعل من الضروري التأكيد على أن تأسيس التيار القرآني ليس شأناً داخلياً يخص عدداً قليلاً من المتحدثين باسم انصارالله ، بل هو شأن الجماهير اليمنية بأسرها، وهو شأن الطليعة القرآنيه، التي آمنت دوما بالنهج القرآني وقدرته على مواجهة مشكلات الأمة ومقاومة أعداءها، لم تفوض الجماهير في أى لحظة طليعتها تفويضاً مطلقاً، ولم تتنازل الطليعة عن هذا التفويض إلى بضعة من القيادات لاتخاذ القرارات والمواقف بديلا عنها..
إن إعادة المبادرة – مرةً أخرى- إلى جماهير الشعب اليمني والتحالف القرآني -أصحاب المصلحة- هو القرار الوحيد الصحيح لانتشال حركة انصارالله من أزمتها الخانقة، تلك الجماهير التي أودعت ثقتها السيد عبدالملك و حتى اليوم، آمن بها فآمنت به، وكانت بوصلته القادرة على تصحيح مسار ثورته/ثورتها، والاحتكام إليها الآن قد يعيد الحركة إلى خياراتها الاستراتيجية، المتمثلة في اتفاقها الفكري على نظرية للثورة العربية والاسلاميه، وعلى تأسيس أداتها الثورية، التي ينبغي أن يتوفر لها شرطي الشعبية والتقدمية ، لتتخلص من أمراضها الذاتية، وتدفع الدماء في أوردة الحركة من جديد..
إن الواقع اليمني و العربي والاسلامي الآن يحتاج إعادة الاعتبار إلى كل الاجتهادات الفكرية، وضرورة تطويرها، فمجرد الاندفاع الحركي والانهماك في مهام الواقع اليومي، لا يكفي لتحقيق التغيير الثوري، بل ربما لا يصنع تغييراً على الإطلاق، دون تحقيق مجمل التيار القرآني وحدة تحليله السياسي التي تسمح له بوضوح شديد تحديد مراحل نموه، وقواه، وتحالفاته، وبنيته التنظيمية، وأهدافه الغائية والمرحلية، وأساليب العمل والأدوات، في إطار ثوابته النظرية ومتغيرات الواقع المتلاحقة..
إن أى مقارنة للحركة الحوثيه بعد عشرين عام بمثيلاتها من التيارات السياسية الأخرى، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تكشف لنا مدى التراجع المخيف لحركة ا
نصارالله السياسيه ، علماً أن كافة التيارات السياسية للحركة تعرضت للبطش الأمني بنسب متفاوتة، لعل أقلها طال أعضاء المجلس السياسي والمجلس التنفيذي..
يا سادة .. إن أى ظاهرة إنسانية قابلة للنمو والتطور، مثلما هى قابلة للضمور والتحلل، في حال عدم استكمالها شرط وجودها، واهم نظرية انسانية في الوجود كله هي نظرية الدين المحمدي، نظرية الدين الاسلامي، وبالتالي فإن تحويل مشروع وعي وقيم المسيرة القرآنيه إلى حركة انصارالله السياسيه وعلى ماهى عليه من هشاشة مؤهلة للتآكل من داخلها، دون أى عوامل خارجية من صنع أعدائها التقليديين، تكفي فقط الأبعاد السياسيه وحدها لسياسيي حركة انصارالله والمجلس السياسي لتهميش وإلغاء وتحييد التيار القرآني في المسيرة القرآنية، ليتحول الجميع إلى أمراء حروب بينهم البين..
وربما يكفي الاستكانة لأمراض العمل السياسي العضال المكتسب من فهلوة وكذب ودجل ومؤامرات وكيد سياسيي ساحة التغيير لتقضي عليهم جميعا ، وساعتها ينفرط عقد التيار القرآني الشعبي ، وتستقطبهم تيارات سياسية أكثر تماسكاً من الناحية الفكرية، وأكثر صلابة من الناحية التنظيمية واكثر دعما من الناحية الماليه..
هذا الحديث موجه – مرةً أخرى- إلى القرآنيين المؤمنين الصادقين بالمسيرة القرآنيه عن حق، والمدافعين عنها، المنتمين إلى وطنهم وشعبهم اليمني ، المخلصين لهم، الملتزمين بآمالهم وطموحاتهم ، المضحين بوقتهم وجهدهم من أجل قضايا نصرة وعزة وكرامة الشعب اليمني ، دون انتظار لأية مكاسب أو تطلعات ذاتية..
إن الخروج من الانتكاسة التي تعيشها سياسة حركة انصارالله والمجلس السياسي ، لن يتم سوى باستيعاب درس نكساتهم المتكررة منذ مفاوضات قطر في الحرب الرابعه مرورا ببحبوحة فنادق الحوار الوطني وثورية الاعلان الدستوري وانتهاءا بالتوسلات المهينه لعودة شركاء الايدولوجيا المتوهبنين سياسيا في فندق الموفنبيك..
ان أول درس من دروس هذه النكسات هو إنتزاع المبادرة لإعادة بناء الوعي والقيم والمشروع من أول وجديد ، من خلال تقديم المسئولية للقيادات القرآنيه ، وعلى أساس موضوعي متفق عليه الجميع ، وهو أساس الأشراف الأجتماعي ، وعبر استفتاء شعبي واسع، يستهدف الاتفاق على محددات فكرية وحركية، ترسم ملامح واضحة لجدول أعمال حركة قرآنية شعبيه واجتماعية..
ليكن الحوار مع المجتمع اليمني بلا شروط ، وبلا انتقاءات شخصيه ومناطقيه وعشائريه ، حوار ضماناته الجدية والانضباط والكفاءة، وأطرافه على استعداد كامل لإعمال نتائجه والالتزام بها، حوار بلا استعلاء وتأمر وتدخل سوق السياسه الموفنبيكيه، وسلاطين طيرمانات الجراف، حوار قادر على اكتشاف القيادات الطبيعية والحقيقية والواعيه الوعي الحقيقي بمشروع المسيرة القرآنيه ، وإلزامها بالتعامل وفق معايير وشروط واوامر ونواهي وقيم كتاب الله ، وتقييمها سلباً وإيجاباً، وعزلها إن لزم الأمر، حوار شعبي ومجتمعي ملموس وعلى أرض الواقع يتعرف بدقة على إمكانيات التيار القرآني ، ويعمل على توظيفها التوظيف الأمثل في إطار الخطط والبرامج والمشروع القرآني، هذا اذا اردتم حقا ان تكونوا انصارالله حقا وصدقا ووعدا..