الجديد برس : رأي
ما هي احتمالات رد عسكري محدود على ضربة بقيق؟ من سيقوم بعملية الرد؟ أين ستكون الضربة؟ أي الى من ستمّ توجيهها؟ ما هي احتمالات الرد على الرد؟ وماذا بعد ذلك؟
رغم أن ميول ترامب لا تذهب باتجاه التصعيد العسكري، ويظر أنه متردد في ذلك، إلا أن طاقمه، رغم عزل بولتون، لازال طاقم صقور. وعليه فإن احتمالات الردّ واردة وإن كانت ضعيفة. ذلك أن ضربة #بقيق الصاعقة، بقدر ما هي موجّهة للسعودية لاستمرارها في عدوانها على اليمن هي أيضا موجهة لأمريكا.
يستقي المنادون بالحرب أو بالردّ (أياً كان الطرف المعني) حجتهم بأن عدم الرد، فيه تشجيع لتكرار #بقيق من جهة، وإظهار أمريكا بمظهر العاجز عن الرد، وعن حماية حلفائها، وعن خسارتها المعركة القائمة بين المحورين الأمريكي والإيراني. وبالتالي فإن الرد بضربة عسكرية، حسب قولهم، ضرورة قصوى
وبالنسبة للرياض، فإن الردّ يمثّل ضرورة قصوى، فتأثيرات ضربة #بقيق تتعدّى موضوع الصراع الإيراني الأمريكي الى تأثيراتها الاقتصادية والنفسية والسياسية والعسكرية على الحكم السعودي نفسه وفي مناطق نفوذه باليمن وغيرها. كما يؤثر على النتائج النهائية لتحالف العدوان ولمكانة الرياض عامة!
الرياض تميل الى رأي صقور الإدارة الأمريكية بضرورة الرد. وهي تستشعر العجر في القيام بذلك بنفسها، وترى أن الكوابح السياسية التي تمارسها واشنطن الآن من تحالفات لحماية الملاحة وإدانات وتنديدات، وفوقها الحصار الاقتصادي لايران وزيادته.. كل هذا بنظرها لا يكفي في ايقاف الزخم الايراني
تشعر الرياض أنها بمأزق وفي حرج وعجر وأنها باتت عرضة لسخرية العالم. لهذا هي بحاجة الى ضربة، تكون بمثابة رد اعتبار، حتى لو جاءت الضربة العسكرية بيدٍ أمريكية، أو حتى صهيونية. بل أنها من خلال التصريحات الأخيرة (تكاد) لا تأبه بتداعيات الضربة المفترضة حتى لو أدت الى اشعال حريق كبير
من سيقوم بالضربة المفترضة، فيما إذا قررت واشنطن ذلك. نقول واشنطن وليست الرياض. فالأخيرة جزء من محور أمريكي/ اسرائيلي، وهي لا تستطيع ان تقوم بعمل عسكري ما، بدون ضوء أخضر أمريكي. هذا اذا كان بإمكانها القيام بـ (الردّ العسكري) منفردة، فكيف والحال انها تريد امريكا لتقوم بذلك؟
من الناحية العملية، فإن الرياض حتى لو أخذت الضوء الأخضر، فإنها ـ في الأغلب ـ لا تستطيع القيام بعملية محسوبة ومدروسة ودقيقة و(صامتة)! الرياض غير مؤهلة للردّ، وتجربة خاشقجي تكشف شيئاً من ذلك. بل تجربتها في اليمن فاضحة رغم تغطية سوءاتها وجرائمها من قبل حلفائها.
الرياض لا تثق بنفسها في القدرة على الرد العسكري ضمن شرائطه الموضوعية. ولا الأمريكي يثق بأن الرياض تستطيع أن تقوم بمهمّة حساسة في ظرف حساس والعالم كلّه يشاهد التداعيات على الشاشات. واشنطن تريد ـ على الأرجح ـ أن تقوم الرياض برد عسكري على ضربة #بقيق. هذا ما أشار اليه ترامب.
ترامب قال ان الرياض هي المسؤولة الأولى عن حماية نفسها! وحتى بيان بومبيو يوم أمس أشار الى (حق السعودية في الدفاع عن نفسها). ما يعني أن أمريكا مترددة في القيام بالعملية العسكرية بنفسها؛ وهي لن تعارض (ولو نظرياً) ان تقوم الرياض بالردّ وتفرّغ احتقانها وغضبها وانتقامها.
لكن واشنطن، من جهة أخرى، لا بدّ أن تكون قلقة من إمكانية نجاح عملية رد عسكري دقيقة حتى لو أشرفت عليها، وخططت لها، في حال كان المنفّذ سعودياً! فهل تنزل أمريكا الى ميدان المواجهة العسكرية المباشرة، كما يطلب ليندزي غراهام والسعوديون انفسهم؟ أم تدفع بالسعودي المتردد الى الواجهة؟!
وأنا أستمع لصيحات الحرب من مُسعودين، ذباب وكتّاب و”محللين استراتيجيين!”، رأيتُ تردداً رسمياً واندفاعة أقلّ مما كانت عليه الحال عشية اعلان العدوان على اليمن. فهذا العدوان، لقّن الرياض وحاشيتها درساً بليغاً، وإن لم يكن كافياً (حتى الآن) لكسر العنجهية السعودية. الصيحات هذه خطر!
نعم.. هي خطر أكبر على الرياض حتى من حرب اليمن، وهي مقامرة ليس بخسارة (حرب)، بل بخسارة (حُكم) آل سعود نفسه. رغم أن ما يجري هو (حرب محاور)، فإن هناك فرق بين أن تقوم الرياض كعضو ملحق بالمحور الأمريكي، وبين أن يقوم الأمريكي نفسه بالعملية، رغم أن النتيجة متقاربة ولكن ليست متشابهة
اذا قامت امريكا بالضربة، فهي حرب أمريكية ايرانية، عنوانها: النووي، والحرب الاقتصادية والنفطية، وبالتالي فالأولوية لضرب الوجود الأمريكي سفناً وقواعد عسكرية وأساطيل ومصالح. اذا كانت الضربة سعودية، فالتركيز في الرد سيكون على المنشآت السعودية، عسكرية وأمنية واقتصادية حساسة.
لهذا أمريكا تريد السعودي أن يتقدّم، في حال تم تقرير (ضربة الرد) على أمل تفادي حرب أشمل، وخسائر أكبر. وربما هذا سبب اضافي لتردد السعودي المتثاقل. اذا ردّت أمريكا بضربة، فمساحة تحركها وهامش مناورتها أكبر، ولا تحتاج الى تبريرات كثيرة. فلطالما قدّمت تبريرات لحروب، وظهرت أباطيلها
تجربة احتلال العراق واضحة (موضوع اسلحة الدمار الشامل)، ومثله مبررات افغانستان، واحتلال أراضي سورية وكيمياويها وغير ذلك. وأمريكا القوية، لا تأبه بالتبريرات كثيراً، وتستطيع تصنيعها، ولا احد (إقليمياً/ عدا ايران) يستطيع مجابهتها فيما لو خرقت حدودها واجواءها وأقحمتها في الحرب.
اما الضربة ان جاءت من الرياض، فهي بحاجة الى مبررات اكبر. بحاجة الى أدلة وبراهين لا يحتاجها الصَلَف الأمريكي كثيرا. انْ ضربت في العراق، او في سوريا، سيُقال لها رسمياً: من أنتم لتخترقوا حدودنا واجواءنا وتعتدون على أراضينا؟ ان ضربت في اليمن، زادت النقمة العالمية ضد عدوانها.
إن ضربت في ايران، سيُقال لها أين الأدلة اولاً. فما نشره المالكي في مؤتمره الصحفي أمس، عبارة عن تكرار لما نشرته السي ان ان. لا يُقنع حتى المغفّلين. لهذا فإن هامش مناورة الرياض قليل. واذا ما فشلت في الضربة المحتملة، أو جاءها ردّ فعل صاعق، فسيقول العالم كله: تستاهلون ما يجيكم!
اليمني يستطيع الردّ بضربات في خاصرة السعودية ردا على الضربة المحتملة في حال كانت وجهتها اليمن. وهو سيضرب على اية حال الى ان تنتهي الحرب. العراق سيردّ (في حال قامت الرياض بردها هناك) اما بقرار من الحكومة، أو بقرار من القوات المسلحة وفي المقدمة الحشد الشعبي، مدعوما من الجمهور.
بعض ما ذُكر أعلاه يحاول الإجابة على سؤال: الى أين ستتوجه الضربة المحتملة رداً على قصف #بقيق. أمريكا والسعودية تريدان ان توجّه الضربة لإيران، حتى وإن لم يكن هناك دليلاً على ان المسيّرات قد جاءت من الأراضي الإيرانية. إذ يكفي بنظرهم، أن تلك المسيرات صناعة ايرانية، فيجوز الرد!
اذا استخدمنا نفس المنطق، فيحقّ لليمنيين والعراقيين والسوريين وغيرهم، قصف الأميركيين في أي مكان، بحجة أن: الأسلحة أمريكية الصنع والمنشأ! هذا ينطبق ايضا على فرنسا وبريطانيا وألمانيا وحتى جنوب أفريقيا! لقد شرحت بالأمس لماذا ارادت واشنطن والرياض تحويل المعركة من اليمن الى ايران.
الفكرة العامة لدى واشنطن والرياض تقول، أن (إيران) هي قلب المحور المعادي، وضربها يعني ضرب بقية حلفائها، الذين سيخمدون، ويضعفون، ويتوقفون عن قصف أمثال #بقيق! فكرة ضرب القلب ليست جديدة، منذ بوش الأب وحتى أواخر عهد ترامب. لكنهم لم يجرؤوا على ذلك في ظل قوة تكبر ويتنامى ثمن ضربها
حين عجزوا عن ضرب القلب، اتجهوا ابتداءً الى لبنان فكانت حرب تموز ٢٠٠٦، ثم اتجهوا الى غزّة في عدة حروب صهيونية عليها، ثم اتجهوا الى سوريا فالعراق فاليمن، ليعودوا من جديد الى القلب نفسه! لكن ضرب القلب، أو مجرد التحرّش به ليس أمراً سهلاً، بل هو مغامرة. ولذا نحن نناقش الأمر هنا!!
يفترض بالرياض ان تردّ في اليمن، الذي سيّر مسيّراته وضرب #بقيق. لكن الاعتراف بأن الضربة (حوثيّة) فضيحة للرياض، ولفخر الصناعة الأمريكية! ولأن واشنطن تريد استخدام ضربة بقيق لصالح صراعها مع ايران، وأن الرياض ليست جاهزة لإيقاف عدوانها على اليمن، لهذا تتجه الأنظار الى ضرب (القلب)!
مرة أخرى، نحن بإزاء (حرب محورين) ولذا فإن ضربة سعودية او امريكية توجّه الى إيران ستلقى ردّاً منها ومن حلفائها، امريكا وحلفائها. هذا كلام واضح، وقد وصلت رسائل بهذا المعنى علنية من الجميع. وهذا ما يجعل من الصعب جداً، القيام بعمل عسكري ضد ايران، او منصاتها البحرية النفطية!
ضرب ايران سيُشعل كل مكونات المحور. ضرب اليمن وحدها، أو العراق، لا يؤدي ـ في الأرجح ـ الى ذلك! لكنه سيؤدي الى فتح جبهات جديدة على الرياض وأمريكا، في كل مكان يكون فيه الرد: العراق، اليمن، لبنان. لن يتوقف اليمنيون عن قصف السعودية الى ان توقف الحرب. بقيق٢ قادمة، فانتظروها.
ختاماً.. لدعاة الحرب المُسعودين: لن تفلحوا في حرب اليمن، ولن تفلحوا في أي حرب أخرى. ان كان هناك بعض العقل، فلا تشاركوا في حرب جديدة. أوقفوا حرب اليمن. تفاهموا مع ايران. راجعوا سياساتكم، وابحثوا عن شيء من السلم والإستقرار. لقد أُنذرتُم مرارا.. فيكفي غروراً وانتفاخاً!
حمزة الحسن – ناشط سياسي، ومختص في الشؤون السياسية السعودية