الجديد برس : متابعات
أظهر القصف الحوثي الأخير لمصفاتين نفطيتين تابعتين لشركة “أرامكو” النفطية، شرقي المملكة، بـ10 طائرات مسيرة، عجز السعودية عن وقف الخطر القادم من مليشيا، وكذلك إيران، رغم صفقات الأسلحة التي أبرمتها وحصلت عليها بمليارات الدولارات، والعجز عن تقديم إجابات شافية حول أسئلة خطرت في بال كل سعودي، أو حريص على أمن المملكة السعودية من التمدد الإيراني في المنطقة.
أكد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، يوم الأربعاء 18 سبتمبر الجاري، عدم وجود إثبات على أن العراق هو مصدر الهجوم على منشأتي شركة أرامكو السعودية.
وقال بومبيو، لدى وصوله إلى مطار جدة، إن “الهجوم على أرامكو إيراني وليس من الحوثيين”، وفقما أوردت وكالة “فرانس برس”.
لم تذكر الأخبار القادمة من المملكة أي رصد من قبل الرادارات لأي إشارة عن دخول جسم غريب أو عدائي إلى الأراضي السعودية، رغم دخول صواريخ كروز والطائرات المسيرة لعمق المنطقة الشرقية، وضربه الأهداف بدقة.
الأمر الذي يدفع بالتساؤل كيف يمكن لدولة بحجم السعودية أن تدخلها صواريخ وطائرات دون أن تستنفر قواتها دفاعها الجوي ومقاتلاتها وأنظمة “باتريوت” الدفاعية المتطورة.
ومع مرور أربعة أعوام ونصف على الحرب الدائرة باليمن، لا يزال الكثير من المدن السعودية ومنشآتها النفطية تحت تهديد الصواريخ الباليستية التي تطلقها جماعة الحوثيين في اليمن.
وخلال مراحل الاستهداف التي تعرضت لها السعودية تجاهل الموقف الرسمي تلك الأخطار التي تواجه البلاد، ولم تعقد قياداته اجتماعات طارئة لمناقشة الهجمات وسبل مواجهتها، واكتفت بالتنديد، واستخدمت طيرانها العسكري للرد على مواقع عسكرية وأخرى مدنية في اليمن للتنفيس عن غضبها.
نجح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في “حلب” السعودية بشكل كبير مقابل تسليحها بأفضل المعدات العسكرية، ونجح في توقيع صفقات تصل إلى 420 مليار دولار، غير صفقات التسليح المتعددة على مدار عقود من قبل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والصين.
كما أن أمريكا تعد الدولة الأولى في العالم بيعاً للسلاح للسعودية، حيث بلغ حجم صادرات السلاح الأمريكي إلى السعودية، من 2015 وحتى 2017، أكثر من 43 مليار دولار، وشملت معدات وأسلحة عسكرية ومروحيات وسفناً حربية ودبابات “آبراهامز”، إضافة إلى طائرات حربية.
وخلال الأشهر الأولى من 2018، بلغ حجم صفقات السلاح من الولايات المتحدة للسعودية قرابة 3 مليارات دولار.
وفي العام 2018، باعت إدارة ترامب شحنات للسعودية عبارة عن قنابل وصواريخ بقيمة 561 مليون دولار، وكذلك عربات مصفحة، وقطع غيار بقيمة 503 ملايين دولار، بالإضافة لقطع غيار لصيانة المقاتلات؛ مثل “أباتشي” و”بلاكهوك” و”إف 15″، بقيمة 552 مليون دولار، وهي المقاتلات التي تستخدم في الحرب باليمن.
وكل تلك الأسلحة فشلت في رصد أو إيقاف هجمات بحجم استهداف المورد الأساسي لأموال المملكة السعودية.
أوضح الخبير العسكري ناظم صبحي توفيق في حديث خاص إلى موقع “الخليج أونلاين” أنه بحسب “الأحداث التي وقعت خلال الأشهر الماضية، منذ استهداف السفن الأربع في بحر عُمان، وناقلة النفط التي استهدفت في مضيق هرمز، وإسقاط طائرة الاستطلاع الأمريكية التخصصية باهظة الثمن، وقصف المنشآت النفطية التي ضربت قبل شهرين في السعودية، والقصف المتواصل للمطارات والقواعد العسكرية في الجنوب السعودي من قبل جماعة الحوثيين اليمنية، لم تحرك المملكة ساكناً”.
وشدد توفيق على أنه “إما أن السعودية خائفة من إيران، أو هي متخبطة ولا تعرف التصرف، وهذه مشكلة كبيرة؛ لأن الأهداف المضروبة هي تهديد واضح للأمن الوطني السعودي، وعدم الرد هو قصور استراتيجي وسياسي وعسكري مقيت”.
وسط انشغال عالمي وتصريحات متواصلة من دول العالم حول استهداف منشآت نفطية سعودية وتوقف غير مسبوق في الإنتاج، كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مشغول في الحفل الختامي لمهرجان للهجن (الإبل) يحمل اسمه.
وتداولت وسائل الإعلام السعودية مقاطع وصوراً لوصول ولي العهد إلى موقع الاحتفال يوم الأحد 15 سبتمبر الجاري، في حين تنشغل الصحافة العالمية بتحليل الهجوم، وتصفه بأنه يهدد مصادر الطاقة في العالم.
وتأخر مجلس الوزراء حتى 17 سبتمبر الجاري، وهو ما يثير الغرابة، إذ أكّد الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز خلاله قدرة بلاده على التعامل مع آثار ما وصفها بـ”الاعتداءات الجبانة”، مشدداً أن المملكة ستدافع عن أراضيها ومنشآتها الحيوية، وأنها قادرة على الرد على تلك الأعمال أياً كان مصدرها.
وجدد مجلس الوزراء السعودي التأكيد أن الهجوم “موجه بالدرجة الأولى لإمدادات الطاقة العالمية”، وأنه امتداد للأعمال “العدوانية” السابقة التي تعرضت لها محطات الضخ لشركة أرامكو باستخدام أسلحة إيرانية.
لم تعلن المملكة السعودية أي إجراءات حماية أمنية أو استنفار عسكري، وكأنها خارج ما يحصل من حولها رغم عشرات الاستهدافات التي شنها الحوثيون على المطارات والمرافق الحيوية بما فيها العاصمة الرياض، ولم تفكر إلا حديثاً في 19 سبتمبر الحالي من تجربة صفارات الإنذار في عدد من المناطق.
ونبهت المديرية العامة للدفاع المدني السعودي سكان المملكة إلى أنها ستطلق صافرات الإنذار في مدينة الرياض ومحافظات الدرعية والخرج والدلم، ظهر الخميس؛ وذلك لإجراءات خاصة تتعلق بالاستعدادات لأي طارئ.
وأوضح المتحدث الرسمي بمديرية الدفاع المدني بمنطقة الرياض، المقدم محمد الحمادي، أن هذه التجربة مجدولة مسبقاً، وتهدف إلى التأكد من كفاءة أنظمة صافرات الإنذار وجاهزيتها، شاكراً للجميع تعاونهم.
ويستغرب عدم وجود أي قرارات استنفار في ظل تهديدات الحوثيين المستمرة باستهداف المناطق، ودعوة الأجانب لمغادرة المملكة.
في تصريح هو الأول من نوعه، كشفت جماعة الحوثي عن متعاونين من داخل السعودية في العملية التي استهدفت مرافق نفطية استراتيجية بالمملكة.
فقد قال المتحدث الرسمي باسم الجماعة العميد يحيى سريع، السبت (14 سبتمبر 2019)، إن الهجوم تم باستخدام 10 طائرات مسيَّرة، وأدى إلى إحداث أضرار كبيرة في المنشآت المستهدفة، مشيراً إلى أنها “أكبر عملية تجريها جماعة الحوثي داخل المملكة بعد رصد دقيق وتعاون مع شرفاء داخل السعودية”.
وتوعَّد المتحدث باسم الحوثي، الرياض بشن مزيد من الهجمات، مبيناً أن “بنك أهداف الهجمات في السعودية يتسع، بفضل المعلومات الاستخباراتية الدقيقة وتعاون الشرفاء داخل المملكة”.
ويفتح ذلك تساؤلات عدة عن صحة المعلومات الحوثية عن تورط مكونات سعودية في مساعدة الجماعة في شن هجمات على مرافق حيوية داخل المملكة، والدور الذي من الممكن أن تؤديه بعض التيارات الشيعية الموجودة في المنطقة الشرقية واسعة الأطراف والممتدة من حدود العراق والكويت والبحرين وقطر، وصولاً إلى الإمارات.
يتساءل متابعون للشأن الخليجي، أن المملكة التي شكلت تحالفاً ضخماً جداً من أجل إعادة الشرعية في اليمن، مع فشلها فيه وانسحاب معظم الدول منه، لكنها لم تفكر في تحالف داخلي من دول جارة أو إسلامية أو في تحركات عسكرية وطنية تقلل من وطأة القصف المتواصل من قبل الحوثيين أو غيرها على أهداف سعودية استراتيجية.
يدور الحديث حول حشد دولي للدخول في تحالف كبير لضرب إيران ومعاقبتها على “قصف معامل أرامكو”، وعدم انفراد الإدارة الأمريكية بالضربة.
وتبدو واشنطن عازمة على تأسيس تحالف يكون على شاكلة الحلف الذي شكلته في حربها على العراق وأفغانستان، عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، وذلك لإضفاء شرعية أكبر على التحرك المرتقب.
وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري والاستراتيجي ناظم صبحي توفيق، في تصريحات لـ”الخليج أونلاين”: إن “قرار الحرب ليس قراراً سعودياً ولا خليجياً، ولا إيرانياً حتى، وإنما بيد الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما أقدمت على تحرك ما، فلو ضربت بارجة أمريكية لاشتعلت الحرب فوراً”.
مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، محجوب الزويري، يؤكد أن الهجمات الحوثية الأخيرة ضد منشآت أرامكو وما خلفه من أضرار كبيرة، أثار شهية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لممارسة نوع جديد من الابتزاز المالي ضد السعودية.
ويقول الزويري، في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: “الهجوم الأخير سيضع السعودية أمام مزيد من الضغوط المالية، بحيث بدأ ترامب بالقول إنه يمكن مساعدة السعودية بالدفاع عن نفسها ولكن لا يمكن القتال عنها”.
ويوضح أن الهجوم الأخير للحوثيين أظهر حالة الضعف التي تعاني منها السعودية، حيث ستعاني من أضرار اقتصادية كبيرة، وتقلبات بأسعار النفط خلال الفترة القادمة.
قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، يوم الثلاثاء (17 سبتمبر)، إن العمل التخريبي ضد أرامكو لا تغطيه شركات التأمين؛ لأنه يعد “عملاً حربياً”، مبيناً أن القصف أدى لانقطاع 5 ملايين و 700 ألف برميل يومياً من النفط الخام.
وذكر أن شركة أرامكو ستفي بكامل إمداداتها خلال هذا الشهر، عبر السحب من المخزونات، وأن “إنتاجنا سيصل إلى 11 مليون برميل يومياً مع نهاية الشهر الجاري”.
من جانبه قال مدير شركة أرامكو، أمين الناصر: إن “الهجمات تسببت في حرائق طالت 13 موقعاً في المنشآت النفطية”.
قال الخبير العسكري والاستراتيجي، ناظم صبحي توفيق، لموقع “الخليج أونلاين” أنه “وفق الإعلان الرسمي فإن الأسلحة المستخدمة في القصف هي أسلحة إيرانية، ولكن من أين انطلقت؟ فأنا لا أرجح أن يكون الاستهداف تم من أراضٍ إيرانية؛ لأن طهران لا تود أن تكون في محل مواجهة، وليس من أراضٍ يمنية لأنها بعيدة جداً، ولكن ربما من جنوب العراق؛ لأن السلطات العراقية لا تسيطر بشكل كامل على أراضيها، وهي قريبة من محطات أرامكو”.
من الأمور التي أثارت استغراباً كبيراً في أوساط المتابعين للشأن السعودي، هو عدم خروج أي من الملك سلمان أو ولي عهده بخطاب طمأنة إلى الشعب السعودي، وتأخرهم في عقد الاجتماع الوزراي الذي قد يخرج بقرارات حاسمة في الرد المطلوب على استهداف سيادة المملكة وأمن شعبها واستقراره، وهو لم يحصل الآن، ولم يحصل سابقاً.
في مقابلة سابقة عام 2017 مع ولي العهد السعودي، إن بلاده تقف بحزم في وجه “نزعة إيران التوسعية” وإن الرياض تعرف أنها هدف للنظام الإيراني متوعداً بأن المعركة ستكون في إيران.
وأضاف”لن ننتظر حتى تصبح المعركة في السعودية، بل سنعمل لتكون المعركة عندهم في إيران”.
وأشار إلى أن “النظام الإيراني يقوم على فكرة أيديولوجية متطرفة، منصوص عليها في دستورهم وموجودة في وصية الخميني، مفادها أنه يجب أن يسيطروا على العالم الإسلامي من خلال نشر المذهب الجعفري الاثني عشري الخاص بهم”.
واستبعد أن تغير إيران وجهة نظرها وسلوكها بين عشية وضحاها وإلا انتهت شرعية هذا النظام داخل إيران.
ويبدو أن تصريحات محمد بن سلمان لم تكن في صالحه إذا ما قورنت بالواقع الذي تعيشه المملكة اليوم.
بالنظر لما استهدف سابقاً داخل المملكة من مطارات وقواعد عسكرية ومنشآت نفطية، فإن عدم الرد الآن سيجعل المملكة عاجزة عن الرد في ضربات قادمة ربما تكون أشد إيلاماً.
ربما تسير السعودية نحو سيناريو مرتب له دولياً بالحشد لضرب إيران ضربة جزئية، وهي بذلك تكون قد ردت، ولكن ربما لم تحسب المملكة مآلات ذلك على الداخل السعودي فيما لو اشتعلت حرب بين الجانبين، كيف سيكون حال المواطنيين.
تحاول السلطات السعودية أن تحافظ على ما تبقى من ماء وجهها أمام شعبها، بأنه لا يجري شيء داخل المملكة، إنما هو عدوان عابر، وسيتم التعامل معه بكل حزم، ولكن الواقع يدلل على اتجاهات مختلفة.
في ظل الأزمات التي أشعلتها المملكة بمشاركة الإمارات والبحرين، يبدو أن أصدقاء المملكة قلة جداً، فكلهم تركوها تتعرض للضربات في اليمن بعد انسحابهم من معركة اليمن، بما فيهم دولة الإمارات الشريك الاستراتيجي الذي وصل ببعض دبلوماسي المملكة أن يصفها بالخائنة.
قال الكاتب المختص في الشأن الاقتصادي مصطفى عبد السلام لـ”الخليج أونلاين”، إن هذه الضربة الموجعة من قبل الحوثيين لقطاع النفط السعودي لها تأثيرات غاية بالخطورة على اقتصاد المملكة.
ويلفت إلى أن هذه التأثيرات ظهرت بشكل سريع في الانخفاض الكبير الذي حدث في البورصة السعودية يوم الأحد 15 سبتمبر الجاري، مشيراً إلى أنه لولا مساندة جهات وصناديق حكومية لانهارت البورصة كما انهار إنتاج المملكة من النفط.
ويقول: “هذه الهجمات تظهر للمستثمرين المحليين والأجانب أن المملكة غير قادرة على حماية قطاعها النفطي أبرز قطاع اقتصادي فيها والرئة الأساسية لموارد النقد الأجنبي”.
ويتوقع أن تدفع هذه الهجمات الحكومة السعودية إلى السحب بشكل أسرع، سواء من الاحتياطي العام للدولة أو من احتياطي النقد الأجنبي البالغ نحو 500 مليار دولار، لتمويل احتياجات الدولة وحرب اليمن المفتوحة.
وذكر الخبير الاقتصادي أن تقلص إنتاج المملكة من النفط سيؤثر بشكل كبير على الإيرادات العامة للدولة، ومن ثم يعمق عجز الموازنة العامة البالغ 131 مليار ريال (ما يعادل 35 مليار دولار) عن العام المالي الجاري 2019.
الخليج اون لاين