الجديد برس : رأي
شوقي عواضة
سجل التاريخ على مر العصور حروبا ومعارك كثيرة بين قوى الاستعمار والاحتلال، حيث الشعوب قاومت وانتصرت بإرادتها وعزيمتها وثباتها. وبالرغم من عدم وجود تكافؤ وتوازن بين القوى المتحاربة، سواء على مستوى العديد البشري أو التجهيزات والتقنيات العسكرية المتطورة، إلا أن ذلك لم يحل دون هزيمة المحتل الغازي وانتصار أصحاب الأرض لقضيتهم، بمقاومتهم وصمودهم. والشواهد على ذلك كثيرة؛ منها المقاومة الفيتنامية في وجه المحتل الأمريكي الذي أجبر على الاندحار الذليل تحت وطأة ضربات المقاومة الفيتنامية، رغم مكابرة الأمريكي في تعاطيه مع الشعب الفيتنامي واستخفافه بقوته وقوة مقاومته التي أرغمته على الانسحاب.
يتكرر اليوم نفس المشهد الاستكباري الأمريكي السعودي في اليمن، حيث لم تصدق قوى العدوان أن الشعب اليمني وجيشه وأنصار الله استطاعوا أن يمرغوا أنوف النازيين الجدد بالوحل اليمني على مدى خمس سنوات من العدوان. ورغم الحصار، استطاع الجيش اليمني واللجان الشعبية أن يتفوقوا عسكريا على أعتى تحالف عدواني تقوده أمريكا، وأثبت العقل اليمني تفوقه الباهر الذي صدم العالم بتخطيطاته وتكتيكاته العسكرية وعملياته الأمنية وسرعة التنفيذ ودقتها، وبأقل خسائر ممكنة وفي أسوأ الظروف، حتى بات يشكل مدرسة نموذجية في القتال وفي مقاومة أي احتلال أو غزو في العالم.
وما جرى على مدى سنوات العدوان، لاسيما في الفترة الأخيرة، وبعد توجيه أقسى ضربة تتلقاها السعودية منذ تأسيسها من خلال استهداف مصافي النفط لشركة “أرامكو” في البقيق وخريص، شكلت تلك الضربة بأبعادها الأربعة، العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية، نقلة نوعية للجيش اليمني واللجان الشعبية جعلت الأمريكيين يدفعون الثمن في اليمن قبل أي طرف من تحالف العدوان، كما دفعوه سابقا في فيتنام، دون أن يتعلموا أو يستفيدوا من هزيمتهم النكراء، ومثلما دفع النازيون الثمن في ستالينغراد عام 1942، حين استبسل الجيش الأحمر الروسي في الدفاع والتصدي للغزو النازي الألماني بقيادة هتلر، تلك المعارك التي تركت بصمة في تاريخ الحروب وأكدت إمكانية الانتصار على المحتل مهما كانت قوته ومهما علا جبروته. والتاريخ يؤكد أن ما من مقاومة قاتلت إلا انتصرت، وأن الاحتلال إلى زوال مهما طال الزمن ومهما كانت التضحيات؛ وما جرى في لبنان والعراق أكبر دليل على ذلك، وما تشهده فلسطين بعد سبعين عاما من الاحتلال يؤكد حتمية انتصار المقاومة.
وفي مقاربة بسيطة بين معركة ستالينغراد ومعركة نجران في اليمن، ثمة تشابه في المشهدين مع فروقات بين الجيش الأحمر والجيش اليمني واللجان الشعبية من حيث الإمكانيات والتجهيزات القتالية وأعداد المقاتلين، إضافة إلى تفوق قوة العدو التجهيزية بالآليات والعتاد والسيطرة على الأجواء بالطائرات. وإذا ما أجرينا مقارنة بسيطة، نجد بأن مدينة ستالينغراد الروسية التي شهدت في الحرب العالمية الثانية أشرس المعارك التي شكلت نقطة تحول لانتصار الاتحاد السوفيتي على الزحف النازي وحلفائه، بل غيرت مسار الحرب العالمية الثانية، وكانت أطول وأشرس وأكثر المعارك دموية في تاريخ الحروب، نتيجة لسقوط عدد كبير من القتلى وصل إلى المليون ونصف المليون قتيل من العسكريين والمدنيين، مقارنة بعملية نجران التي أعلن عنها الناطق الرسمي باسم الجيش اليمني واللجان الشعبية العميد يحيى سريع، في المؤتمر الصحفي بالأمس، حيث أعلن إطلاق عملية “نصر من الله” العسكرية الواسعة والنوعية في محور نجران، والتي تعد أكبر عملية استدراج لقوات العدو منذ بدء العدوان على اليمن استمرت لعدة أشهر وتكبد فيها العدو خسائر كبيرة جدا في العتاد والأرواح، منها سقوط ثلاثة ألوية عسكرية من قوات العدو بكامل عتادها العسكري ومعظم أفرادها وقادتها واغتنام كميات كبيرة من الأسلحة، تضم مئات الآليات والمدرعات، إضافة إلى وقوع آلاف من قوات العدو في الأسر، ومصرع وإصابة المئات منهم وأسر أعداد كبيرة من قادة وضباط وجنود الجيش السعودي المهزوم. كل ذلك تم خلال 72 ساعة فقط من بدء العملية بعد إطباق الحصار على قوات العدو المؤلفة من ثلاثة ألوية عسكرية، إضافة إلى فصيل من الجيش السعودي، وتم تدميرها وكسرها وأسرها بالكامل. كما تم تحرير مئات الكيلومترات طولا وعرضا ضمن مسرح العمليات مع تأمين الأسرى ـ بهذا العدد الكبيرـ من غارات العدو الذي يقاتلون معه ومن أجله والذي استهدفهم بعشرات الغارات.
تلك العملية الضخمة تمت بمشاركة وحدات متخصصة من القوات المسلحة بمختلف مهامها، وعلى رأسها القوة الصاروخية وسلاح الجو المسير وقوات الدفاع الجوي والقوات البرية بمختلف وحداتها. كل ذلك حدث في مسرح عمليات مساحته أكثر من 500 كيلومتر مربع، كانت فيها تلك الألوية التي تعرفها الأكاديميات العسكرية والجيوش في العالم كما يلي: اللواء هو وحدة عسكرية تتألف من كتيبتين إلى خمس كتائب يتراوح عدد أفرادها من 3,000 إلى 5,000 فرد، ويعتمد هذا على المنطقة وجنسية الجيش. وعادة ما يكون اللواء جزءا من الفرقة العسكرية، ويتكون من أكثر من كتيبتين. وتوجد بعض الألوية المستقلة والتي تعمل بشكل منفصل عن تركيبة الفرق العسكرية التقليدية، ويقودها عادة ضابط برتبة عميد. وهذا يعني وفقا للتشكيلات العسكرية أن ثلاثة ألوية يتراوح عددها بين تسعة آلاف وخمسة عشر ألف جندي، عدا عن تجهيزاتها وعتادها، كل لواء بحسب اختصاصه.
وبغض النظر عن أعداد الأسرى والقتلى في العملية، فإن أهمية العملية تكمن في قوة الجيش اليمني وأنصار الله. فبالرغم من الحصار وعدم امتلاكهم للأسلحة المتطورة والتقنيات ورادارات الرصد وغيرها من العتاد العسكري، إلا أنهم استطاعوا أن يهزموا منظومة استراتيجية وعسكرية أمريكية متطورة بأقل الإمكانيات وأبسطها، واستطاعوا أن يسحقوا الجيش السعودي الذي يختبئ ويحتمي ويتباهى بامتلاكه لمنظومة عسكرية أمريكية تمتص نصف ميزانية هذا الكيان الذي تزلزل تحت أقدام هؤلاء المقاومين الحفاة الذين أرجفوا عروش بني سعود الذهبية، وفضحوا حقيقة ترامب وكشفوا عجزه عن حماية الجيش السعودي بكل قوته من بأس اليمنيين وصلابتهم وقوة إرادتهم لأنهم يتوكلون على الله ويؤمنون بوعده المحتوم بالنصر، لا كما يؤمن ابن سلمان المتوكل على ترامب المهزوم في اليمن قبله.
شكلت هذه العملية العسكرية بامتياز، والأمنية بجدارة، ودون خسائر مدنية، موسم حصاد لتعب وجهد المقاومين ولحصار الشعب اليمني الأشم. وستأتي أكلها في القريب العاجل، حيث ستكشف الأيام القادمة عن الإنجازات السياسية التي ستشكل تحولا في المواجهة لصالح اليمن ونقطة قوة لليمنيين في وجه العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي الصهيوني. فكما شكلت معركة ستالينغراد قوة للاتحاد السوفياتي ووضعته في مصاف القوى الكبرى، فإن عملية “ستالينجران”، كما سميتها، ستفرض على العالم حقيقة واحدة مفادها أن الشعوب تنتصر وأن مقاومة الطغيان الأمريكي وحلفائه سيثمر انتصارات عظيمة. وكما قال سيد اليمن الأبي السيد عبد الملك الحوثي سيدرك الغزاة أن تهامة ستكون أكبر مستنقع لهم، يتكامل مشهد الانتصارات لمحور المقاومة ببشرى سيد المقاومة وأمينها السيد حسن نصر الله، حين قال ولى زمن الهزائم وجاء زمن الانتصارات.
* كاتب وإعلامي لبناني