الجديد برس : صحيفة المراسل
منذ اللحظة الأولى لإعلان الحرب على اليمن كانت رؤية الإمارات مختلفة تماماً عن السعودية فالأولى كان لديها موقف مسبق من حزب الإصلاح الذي سيطر على نظام هادي وهي تعتبره جماعة إرهابية كفرع لتنظيم الاخوان بالإضافة إلى أنها كانت على علاقة قوية بعلي عبدالله صالح فيما السعودية كانت تعتبر صالحاً خائناً كما ورد في إحدى ردودها على رسالته وتفضل إقصائه وإيجاد نظام جديد مرهون بالكامل لقرارها وبالتالي لم يكن لديها مشكلة مع حزب الإصلاح.
وفقاً لهذا التناقض بين أبرز قوتين في التحالف جاءت تناقضات صالح العلنية والسرية وبناء على الردود التي يتلقاها على رسائله للسعودية والإمارات كانت تأتي تصريحاته العلنية في الخطابات والمقابلات فتارة يتبرأ من المشهد العسكري ويقول إنه لا علاقة له وأن أنصار الله يقودون المعركة وتارة يوحي بأنه وقواته من يتصدرون المعركة الميدانية والصاروخية. غير أنه لم يستوعب ولم يتقبل أن يكون هو بتاريخه مع السعودية هدفاً لحرب الأخيرة على اليمن وظلت تحركاته سواء المتحدية او المستسلمة تدور في فلك سعيه لإخراج نفسه من قائمة أهداف “عاصفة الحزم” وكان رفضه للحرب عليه وليس على اليمن كما سيتضح من خلال الوثائق والأحداث.
صالح يتوسل الإمارات: أقنعوا السعودية باستعدادي لكل ما تطلبه
تأكيداً على أن ما سبق لم يكن مجرد تحليلات واستنتاجات، فقد حصلت “صحيفة المراسل” على مجموعة من المراسلات بين صالح والإمارات قبل وبعد الحرب على اليمن وكان معظمها موجها من قبل صالح إلى الإماراتيين يبدو فيها خوفه واضحاً من وقوعه ضمن الأهداف السعودية في الحرب.
في أول وثيقة تنشر لأول مرة عبر “صحيفة المراسل” عبارة عن رسالة وجهها علي عبدالله صالح إلى ولي عهد الإمارات محمد بن زايد يطلب فيها التوسط لدى السعودية والتأكيد لها أنه لم ولن يتحالف مع الحوثيين، حيث يقول مخاطباً ابن زايد “إننا نأمل من سموكم الكريم التدخل لدى الأشقاء في المملكة العربية السعودية وإقناعهم بأننا لم ولن نتحالف مع الحوثيين أو إيران أو قطر”. ثم راح يذكّر الإماراتيين “فنحن خضنا مع الحوثيين ستة حروب وأنتم على اطلاع تام بذلك”.
كما أراد صالح في رسالته الأولى للإمارات أن يؤكد أن ما وصل إليه اليمن هو نتاج تحالف بين من يصفهم بالحوثيين والاخوان المسلمين “حزب الإصلاح” في عام 2011م ضد حكمه قائلاً “وفي العام 2011 تحالف الحوثيين والاخوان المسلمين وكذا أحزاب اللقاء المشترك وقوى أخرى ضدنا”.
ثم راح صالح في رسالته يؤكد للإماراتيين كي ينقلوا للسعوديين أن خروج اليمن من أيديهم هو نتيجة استبعاده من الحكم والاعتماد على عبده ربه منصور هادي وفقاً للمبادرة الخليجية، غير أن الأهم في بقية ما ورد في رسالته هو ما جاء في الخاتمة التي أكد فيها الاستعداد للاستماع لما يريده السعوديين والإماراتيين.
عشية الحرب: صالح يرمي بآخر أوراقه اليائسة
قبل أيام من بدء الحرب على اليمن كان بالإمكان تسرب أنباء حول نية السعودية شنها وبالنسبة لصالح كان يمكن أن يعرف صالح بموعد الحرب من الإمارات التي بدورها كانت ضالعة في خطواته في اللحظات الأخيرة وآنذاك لم يكن صالح قد توصل إلى تسوية مع السعودية وبالتالي زاد منسوب القلق لديه ولذلك أوفد عشية الحرب بتنسيق من قبل الإمارات نجله أحمد إلى الرياض.
وفي اليوم التالي للحرب سربت قناة العربية السعودية خبر زيارة أحمد علي عبدالله صالح للرياض بناء على طلبه والتقى هناك محمد بن سلمان الذي كان ما يزال وزيرا للدفاع، حيث أشارت القناة أن أحمد صالح حمل رسالة من والده تضمنت عدة مطالب مقابل عروض يقدمها للسعودية وجاءت على النحو التالي:
اولا: رفع العقوبات المفروضة على والده من قبل مجلس الامن الدولي والتي شملت منعه من السفر وجمدت اصوله المالية، ومنعت الشركات الامريكية من التعامل معه.
ثانيا: تأكيد الحصانة عليه وعلى والده التي اكتسبها من المبادرة الخليجية القاضية بخروجه من السلطة.
ثالثا: وقف الحملات الاعلامية التي تستهدفه ووالده.
كما عرض نجل صالح العروض التي قدمها والده تضمنت مجموعة من تنازلات مقابل تنفيذ جميع المطالب السابقة أهمها:
اولا: الانقلاب على الحوثيين وتحريك خمسة آلاف من القوات الخاصة الموالين للرئيس صالح لمقاتلتهم، وكذلك دفع مئة الف جندي من وحدات الحرس الجمهوري لمحاربة ميليشيات الحوثي وطردهم.
ثانيا: وقوف الرئيس اليمني السابق وحزبه وقواته في خندق الدول الخليجية في اطار تسوية سياسية تعتمد الحل السياسي.
وأشارت القناة السعودية إلى ان محمد بن سلمان رفض هذه المطالب والعروض جاء حاسما، والتأكيد على ان السعودية ملتزمة بمبادرة السلام الخليجية وشرعية الرئيس هادي وعودته الى صنعاء محذرا في الوقت نفسه من الاقتراب من عدن، معتبرا ذلك خطا احمر.
السعودية: صالح خاننا ولا يمكن القبول به بعد اليوم
كما ذكرنا سابقاً أنه في بداية الحرب كانت السعودية تعتقد أن نجاحها في تشكيل تحالف دولي عريض يغنيها عن صالح وخدماته بل والقضاء عليه مع أنصار الله في أسابيع، فيما كان صالح يرسل الرسائل الخطية والمبعوثين والوسطاء بينهم ممن تواجدوا بالرياض وأيدوا الحرب أهمهم عبدالكريم الإرياني (لذلك عبر صالح عن رفضه لتخوين الإرياني فيما كان يخون هادي والآخرين رغم وقوفهم جميعاً في خندق الحرب على اليمن) ليتوسطوا لدى السعودية بالإضافة لطلبه من الإمارات التوسط لديها كما ورد في الوثيقة السابقة.
ثقة السعودية بقدرتها على حسم الحرب جعل ردها قاسياً على صالح حيث تضمن أحد ردودها عليه كلمات قاسية تضمنت وصفه بالخائن والناكر للجميل وتذكيره بأن السعودية انقذته عندما تم استهدافه في دار الرئاسة في يونيو 2011م وقامت بمعالجته وكذلك ما فعلته معه منذ قامت هي بتصعيده لرئاسة اليمن، وبالتالي رفضت السعودية التعاون مع صالح وأبقته في قائمة أهدافها، حتى أن تقارير عدة أفادت بأن صالح أرسل بعد أسابيع من بدء الحرب نجله أحمد مرة أخرى إلى الرياض وأن الأخير تعرض لإهانات متعددة بينها تفتيشه بعد نزوله من الطائرة وصولا إلى توجيه بن سلمان كلمات قاسية له ولوالده وإنهاء المقابلة معه بعد دقائق قليلة من وصوله ما جعله يعود إلى أبوظبي خالي الوفاض.
أمام رفض السعودية لم يجد صالح في تلك المرحلة سوى استغلال هذا الرفض السعودي بإعلانه التصدي للعدوان وبالتالي استعادته شعبيته التي تراجعت بعد 2011م باعتبار أن هذا سيكون مفيداً له وكذلك جزء من الصورة التي يريد أن تصل للسعودية لتعرف أنها ما تزال بحاجة إليه.
في تلك المرحلة كان الكثير لا يفهمون سر تناقض صالح في خطاباته ومقابلاته التلفزيونية ولماذا يقول في مقابلة إن أنصار الله هم الذين يقودون المعركة وفي أخرى يلمح إلى أنه وقواته من يتصدون للعدوان، وفي خطاب يقول إنه لديه سيطرة على قوات كبيرة وأخر يقول فيه إن أنصار الله هم المتحكمين بالجيش والقوات التي تقاتل التحالف، لكن من خلال الوثائق يتضح أن صالح كان يطلق تلك المواقف بناء على ردود الفعل تجاه محاولاته مع السعودية لإخراجه من دائرة الاستهداف فتارة يشعرها أنه قوي وأخرى أنه لا يقاتلها ولا يقف وراء إطلاق الصواريخ عليها.