الجديد برس : ترجمات
ديفيد هيرست
موقع “ميدل إيست آي” البريطاني
كانت الحقيقة الديموغرافية أن عدد الفلسطينيين أكثر من اليهود. وفقا لأرقام عام 2016 الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزي “الإسرائيلي” (CBS)، والتي تم تقديمها إلى لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست، كان هناك 6.5 ملايين مسلم و6.44 ملايين يهودي بين نهر الأردن والبحر المتوسط.
وأحالت اللجنة الأرقام إلى المسلمين وليس الفلسطينيين، وبالتالي استبعدت المسيحيين الفلسطينيين.
هذا يعني أن خطة رئيس الوزراء “الإسرائيلي” المنتهية ولايته “بنيامين نتنياهو” للضم لا يمكن أن تنجح من تلقاء نفسها. إن البنى التحتية الخرسانية الضخمة التي عززتها “إسرائيل” من خلال احتلالها للضفة الغربية (المستوطنات والجدران والطرق والأنفاق) وحالة الفصل العنصري كلها أدوية مسكنة للتقليل من ألم “الدولة اليهودية”.
نكبة أخرى
يمكنك أن تعلن عدة مرات كما تريد، كما فعل الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بالأمس، أن “إسرائيل” ستسيطر على غور الأردن، وبالتالي حوالي 30% من الضفة الغربية، وتقر القانون “الإسرائيلي” بشأن المستوطنات. لكن من دون نقل أعداد أكبر وأكبر من الفلسطينيين جسديا من دولة “إسرائيل” الموسعة، لن يحدث تغير يذكر. الضم يصبح مجرد شكل آخر من أشكال الاحتلال.
يكمن الانتقال الجماعي للسكان أو النكبة أو الكارثة الأخرى في صميم رؤية “ترامب” و”نتنياهو” للسلام.
في بيت حانون عام 2014، عندما قصفت “إسرائيل” مدرسة تابعة للأمم المتحدة في شمال غزة مزدحمة بمئات المدنيين النازحين قتل 15 وجرح 200. كان هذا هو السلام الناتج عن الهزيمة الكاملة للنضال الفلسطيني من أجل دولة مبنية على أرضهم.
الخطة الخفية
لذلك، بالنسبة لي، لا يكمن جوهر الخطة المروعة في خطب “ترامب” أو “نتنياهو”، حين أعلن كلاهما “إنجاز المهمة”، والانتصار التام للحركة الصهيونية على الشعب الفلسطيني. إنها تندرج في فقرة مدفونة بعمق داخل الوثيقة المؤلفة من 180 صفحة، وهي الوثيقة الأكثر تفصيلا التي تبجح بها “ترامب” والتي تم إنتاجها حول هذا الصراع.
إنها الفقرة التي تقول إن مبادلة الأراضي من قبل “إسرائيل” يمكن أن تشمل “مناطق مأهولة أو غير مأهولة بالسكان”. الوثيقة دقيقة حول السكان الذين تشير إليهم (السكان الفلسطينيون في عام 1948 لما يسمى بالمثلث الشمالي لـ”إسرائيل” كفر قرع، بقع الغربية، أم الفحم، قلنسوة، الطيبة، كفر قاسم، الطيرة، كفر بارا وجلجولية).
وتواصل الوثيقة: “تفكر الرؤية في إمكانية إعادة رسم حدود إسرائيل، بشرط موافقة الأطراف؛ بحيث تصبح مجتمعات المثلث جزءا من دولة فلسطين. وفي هذا الاتفاق، الحقوق المدنية للسكان تخضع للقوانين المعمول بها والأحكام القضائية للسلطات المعنية”.
هذا هو الجزء الخفي والأخطر من هذه الخطة. المثلث هو موطن لحوالي 350 ألف فلسطيني (جميعهم مواطنون “إسرائيليون”) يعيشون بجانب الحدود الشمالية الغربية من الضفة الغربية. أم الفحم (المدينة الرئيسية) كانت موطنا لبعض المدافعين الأكثر نشاطا في الأقصى.
قال لي “يوسف جبارين”، عضو الكنيست “الإسرائيلي” من القائمة المشتركة: “أم الفحم هي مسقط رأسي. وادي عارة هو شريان الحياة بالنسبة لي. المثلث موطن لمئات الآلاف من المواطنين العرب الفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم. إن برنامج ترامب ونتنياهو يزيلنا من وطننا ويلغي مواطنتنا، وهو خطر وجودي على جميع مواطني الأقلية العربية، لقد حان الوقت لليهود والعرب الذين يقدرون الديمقراطية والمساواة، أن يقفوا ويعملوا ضد هذه الخطة الخطيرة”.
التطهير العرقي الرسمي
لسنوات حتى الآن، كانت قضية نقل هؤلاء السكان خارج “إسرائيل” مطروحة للنقاش بين قادة “إسرائيل” في الوسط أو اليمين. وأشار رئيس الوزراء السابق “إيهود باراك” و”آرييل شارون” إلى فكرة تبادل السكان والأراضي. لكن “أفيجدور ليبرمان” هو الوحيد الذي تبنى فكرة طرد الفلسطينيين باستمرار.
يجب ألا يقلل أحد من الطبيعة التاريخية للإعلان الذي حدث للتو. لقد دعا إلى تجريد 350 ألف فلسطيني في المثلث من جنسيتهم “الإسرائيلية” وإجبار الـ20% الآخرين من السكان “الإسرائيليين”، من غير اليهود، على أداء “يمين الولاء” لـ”إسرائيل” كدولة صهيونية يهودية، أو مواجهة الطرد إلى دولة فلسطينية.
منذ عامين، اقترح “نتنياهو” على “ترامب” أن تتخلص “إسرائيل” من المثلث. اليوم، تم وضع خطط التطهير العرقي في وثيقة رسمية للبيت الأبيض.
بصفته عضواً عربياً في الكنيست، غرد “أيمن عودة” أن إعلان “ترامب” بمثابة ضوء أخضر لإلغاء جنسية مئات الآلاف من المواطنين العرب الفلسطينيين الذين يعيشون في شمال إسرائيل”.
دعم ترامب
كان حضور سفراء الإمارات والبحرين وسلطنة عُمان هو السمة المميزة الأخرى للإعلان في البيت الأبيض الثلاثاء. رحبت السعودية ومصر والإمارات بالخطة دون تحفظ. لقد فعلت قطر ذلك أيضا رغم أنها أضافت أنه يجب التفاوض على الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وأن يحتفظ الفلسطينيون بحقهم في العودة.
وقال “ترامب” إنه اندهش من عدد المكالمات التي تلقاها من قادة العالم لدعم خطته، ليس أقلها من رئيس الوزراء البريطاني “بوريس جونسون”.
بالتخلي عن 4 عقود من السياسة الخارجية البريطانية حول حل عادل قائم على دولتين، ألقى “جونسون” بثقل المملكة المتحدة وراء خطة “ترامب”. كما أصدر وزير الخارجية البريطاني “دومينيك راب” بياناً قائلاً إنهم يرحبون بالصفقة. وقال: “من الواضح أن هذا اقتراح جاد، يعكس وقتا وجهدا مكثفين”.
وقال ترامب: “لا أستطيع أن أصدق مقدار الدعم الذي حصل هذا الصباح. لقد تم الاتصال بي من قبل جونسون، واتصل كثيرون. كلهم يقولون: مستعدون لكل ما يمكننا فعله من أجل المساعدة”.
هناك بعض الذين يدركون خطر هذه الخطة. السناتور الأمريكي “كريس مورفي” واحد منهم. وقد قال إن “الضم الأحادي لوادي نهر الأردن والمستوطنات الحالية، التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الأمريكي والقانون الدولي، سيعيق عملية السلام لعقود من الزمن. ويخاطر بالعنف الحقيقي وزعزعة الاستقرار داخل أماكن مثل الأردن”.
يجب ألا يقلل أحد من الطبيعة التاريخية للإعلان الذي حدث للتو. إن حل الدولتين أو فكرة أنه يمكن إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتصلة إلى جانب دولة ذات غالبية يهودية قد ماتت. لقد ماتت قبل وقت طويل من اتفاقات أوسلو.
لقد أخبر كل من رئيس الوزراء الروسي الأسبق “يفجيني بريماكوف” ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك “جيمس بيكر” بعض القادة العرب مثل عاهل الأردن الراحل الملك “حسين” بأن الدولة الفلسطينية المستقلة لن تتحقق أبدا. كان هذا حتى قبل مؤتمر مدريد الذي سبق أوسلو. لم يكن الملك بحاجة إلى حضور جنازة صديقه “إسحاق رابين” الذي اغتيل عام 1995، للتحقق من ذلك. لقد عرفها بالفعل. لكنها حقا ميتة الآن.
لقد صدَّقت الولايات المتحدة الآن رسميا على الحدود الشرقية لدولة “إسرائيل”. خريطة الشرق الأوسط تقول كل شيء. تبدو الدولة الفلسطينية المتصورة في الخطة بمثابة فحص بالرنين المغناطيسي لدماغ ضحية مصابة بمرض الزهايمر. لقد تم أكل الدولة الفلسطينية بالكامل.
إن رسالة هذه الخريطة للفلسطينيين أيا كان الفصيل واضحة الآن. انسوا انقساماتكم، انسوا ما حدث بين “فتح” و”حماس” في غزة في عام 2007، وألقوا جانبا مزاعم الانقلابات، واتحدوا. توحدوا ضد تهديد وجودي.
الفلسطينيون أصبحوا بمفردهم حقا. جميع المواد الأساسية لموقفهم التفاوضي قد ولت. ليس لديهم قدس ولا حق عودة ولا لاجئين ولا مرتفعات الجولان ولا وادي الأردن. ليس لديهم حلفاء عرب. سوريا محطمة، العراق مقسم، مصر والسعودية الآن في يد (إسرائيل). لقد فقد الفلسطينيون دعم أكثر الدول العربية اكتظاظا بالسكان والدول الغنية.
ليس لدى الفلسطينيين مكان يهربون إليه. أوروبا مغلقة أمام أي هجرة جماعية في المستقبل. لديهم خيار واحد فقط: البقاء والقتال. ويمكنهم إحباط خطط “إسرائيل” للتطهير العرقي عبر الاتحاد. لقد فعلوا هذا من قبل، ويمكنهم القيام بذلك مرة أخرى.
صراع جديد
على الفلسطينيين الآن مواجهة هذا الواقع. إن اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بـ”إسرائيل” عام 1993، وصل أخيرا إلى طريق مسدود، وكان هذا المسار سيؤدي إليه حتما. إن قرارات الولايات المتحدة والقانون الدولي والأمم المتحدة لن تنقذ الفلسطينيين أبداً. وبهذا المعنى وحده، فإن خطة “ترامب” الوحشية تعطي الفلسطينيين معروفا.
ما يجب أن يبدأ الآن هو موجة جديدة من الكفاح من أجل المساواة في الحقوق في دولة واحدة على كل أرض فلسطين التاريخية. هذا سينطوي على معركة ضخمة. لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن ما سيحدث إذا قام الشعب الفلسطيني من جديد. لكن لا ينبغي لأحد أن يكون في أي شك أيضا من عواقب الرضا.
هذه هي المرة الأولى منذ عام 1948 التي يستطيع فيها جميع الفلسطينيين الانضمام إلى هذا. عليهم أن ينتهزوا هذه الفرصة أو يُذبحوا على هامش التاريخ.
“الخليج الجديد”
30 يناير/ كانون الثاني 2020