المقالات

الانتصار اليمنيّ لا يقف عند حدود الحرب الدائرة

الانتصار اليمنيّ لا يقف عند حدود الحرب الدائرة

الجديد برس : رأي

د. وفيق إبراهيم – كاتب وباحث سياسي لبناني –
يبدو بوضوح أن محاولات منظمة الأمم المتحدة لإعادة إحياء «مفاوضات السلام» بين القوى المتحاربة في اليمن تصطدم بخلاف كبير على مفهوم هذه الحرب.
ففيما ترى الأمم المتحدة على لسان أمينها العام أنطونيو غوتيريش أنها حرب داخلية بين مكونات يمنية، ويساندها في هذه القراءة الأمريكيون والبريطانيون وما يسمّى «التحالف العربي» الجامع بين السعودية والإمارات بتعاون عسكري غير رسمي مع السودان وباكستان و«إسرائيل»، والبحرية المصرية، يرى اليمنيون أنها عدوان كبير تشنه منذ 5 سنوات متواصلة، السعودية والإمارات بدعم غربي وعربي وإسرائيلي، تستهدف القضاء على قوات يمنية أصلية تدافع عن بلادها بالتعاون مع الجيش اليمني، وذلك لاحتلال كامل اليمن ورهنه لخدمة النفوذ الأمريكي الكبير على مستويي الموقع وأكثر والمصالح السعودية ـ الإماراتية ضمن إطار شبه جزيرة العرب وجوارها.
لذلك بدا هذا الخلاف واضحاً في وثيقة الأمم المتحدة الداعية للعودة إلى المفاوضات بين الأفرقاء الداخليين على أساس أنها حرب بين قوى داخلية، وتجاهلت أن الأطراف المتحاربة هي قوات سعودية ـ إماراتية مدعومة بمرتزقة من عشرات البلدان وإسناد جوي أمريكي ـ بريطاني وبحري من مصر و«إسرائيل» ومجمل دول الغرب، مقابل قوات تنطلق من «شرعية صنعاء» وتضم الجيش اليمني ومقاتلي اللجان الشعبية.
وفيما تغطي القوات الأجنبية المهاجمة، مجموعات داخلية ضعيفة موالية للرئيس السابق المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي ومليشيات ذات ميول انفصالية في الجنوب، تمسك «قوات صنعاء» من جهتها بشرعية جماهيرية أتاحت لها الصمود أمام هذا العدوان الخارجي في السنوات الـ5 الأخيرة، وسمحت لها بالتقدم نحو الوسط والجنوب والمناطق المحاذية للحدود السعودية في الشمال والشرق والمحافظة على الساحل الغربي في منطقة الحديدة.
هناك حقائق تبعث على السخرية من نظريات الأمم المتحدة، فبالتزامن مع بياناتها، حدثت عمليات إنزال أمريكية وبريطانية لمقاتلين وأسلحة في مناطق رأس العارة في لحج وسواحل الشحر في حضرموت قرب مقار لشركة «أوكسن» وفي منطقة عرماء في محافظة شبوة.. ألا يكشف هذا الأمر عن هوية أصحاب العدوان على اليمن؟
فبالإضافة إلى هذا الأمر، فإن الذي أعلن عن وقف القتال لأسبوعين هو المتحدث السعودي باسم «التحالف العربي» الذي يهاجم اليمن منذ 5 سنوات، وهو العميد في الجيش السعودي تركي المالكي، ومندوب عن منصور هادي، بالإضافة إلى مقابلتين تلفزيونيتين، الأولى للسفير الأمريكي في اليمن كريستوفر هنزل، والثانية لنظيره البريطاني مايكل آرون.
هذان المندوبان أشادا بالدور السعودي التاريخي في اليمن الذي يقدم الكثير من المساعدات المادية والمكرمات لليمنيين على مدى التاريخ، واعتبرا بخبث أن الصراع داخلي ومناطقي، ما يكشف عن طبيعة التوجهات المقبلة لقوى العدوان وما تريده من المفاوضات المرتقبة.
إن المحصلة الحالية للعدوان السعودي ـ الإماراتي على اليمن فاقت 200 ألف شهيد وجريح من رجال ونساء وأطفال، وتدمير بنى حضارية تعود إلى آلاف السنين، أي قبل تأسيس السعودية والإمارات بثلاثة آلاف سنة على الأقل، كما تسبق تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بـ2800 سنة على الأقل.
فهل يمكن تصديق السفير البريطاني مايكل آرون بدفاعه عن السعودية، وصولاً إلى سؤاله إذا كانت أموال بني سعود تساوي هذه الدماء اليمنية التي تواصل الدفاع عن بلادها في وجه كل أنواع المستعمرين قبل الإسلام وبعده؟
لذلك، فإن مشروع السلام الأممي الذي عمل عليه طويلاً المندوب الأممي إلى اليمن، البريطاني مارتن غريفيث، يحمل أهدافاً متنوّعة عميقة بمظهر خارجي مخادع، أي أنه يُظهر الدسم مخفياً السموم الكامنة، كما تقول الأمثال الشعبية.
أما الإغراء الأممي هنا، فهو عرض السلام المنشود بعد سنوات خمس من قتال صعب أنهك جميع الأطراف، وقد لا يكون هذا كافياً بالنسبة لحركة جهادية كـ«أنصار الله» تبدو مستعدة ـ من أجل تحرير البلاد ـ لقتال مفتوح زمنياً، لذلك أطلقت الأمم المتحدة إغراء آخر يقول بتثبيت وقف القتال عند الخطوط الحالية للحرب. وهذا بلغة السياسة العميقة اعتراف أممي ـ بريطاني ـ أمريكي بالحدود الحالية لدولة صنعاء، على قاعدة اعتراف أممية ـ أمريكية ـ بريطانية وبالتالي سعودية ـ إماراتية بقانونية هذه الدولة وشرعيتها الدستورية والأممية، إلا أن السفير البريطاني أبقى على هذه النقطة مجالاً للتفاوض كي يستحصل مقابلاً له في تدعيم نفوذ بلاده في الاستراتيجية اليمنية والثروات.
فبدا هذا السفير الماكر كأنه يقدّم شمالي اليمن لـ«أنصار الله» بسخاء بريطاني غير مسبوق، علماً أن بنادق المجاهدين اليمنيين هي التي حررت هذه المناطق، وليست ترهات هذا البريطاني. هذا يعني أن القوى الأمريكية ـ البريطانية استسلمت لحقائق الميدان العصية على التغيير، وأخذت بعين الاعتبار الانكشاف السعودي ـ الإماراتي ووصولهما إلى مرحلة التراجع والخسارة، فحاولت عبر الأمم المتحدة الدفع نحو سلام مزعوم يستند إلى ما كانت مفاوضات ستوكهولم السويدية تسعى إليه. وهذا يعني تقسيم جنوبي اليمن إلى كانتونات تعكس المطامع الرباعية للفريق الأمريكي ـ البريطاني الاستراتيجي الأهداف، والسعودي ـ الإماراتي الباحث عن النفوذ العربي وتعطيل ولادة دولة يمنية قوية تستطيع الاستحواذ على دور أساسي في شبه جزيرة العرب انطلاقاً من العديد الكبير لسكانها، وتاريخها الحضاري المتميز، والموقع الاستراتيجي المتحكم عبر باب المندب والمحيط الهندي بـ20٪ من التجارة العالمية وحركة مرور نحو 18 مليون برميل نفط يومياً، هذا من دون احتساب ثروات اليمن من النفط والغاز ودورها في المكانة الإقليمية والإنماء الداخلي.
بأي حال هناك حرص غربي على تجنيب السعودية الهزيمة في اليمن، خصوصاً في مأرب، لأن أي تحرير لها يعني اجتياحاً يمنياً للعمق السعودي بما يعنيه من تداعيات على مستوى العلاقة بين بني سعود والسعوديين، خصوصاً في زمان جائحة «كورونا» التي يبدو أنها أصابت فريقاً من الأمراء الفاعلين، الأمر الذي يتطلب أية هدنة، تريح هذه العائلة، وتمنع عنها الانهيار وتفجير علاقاتها بسكان جزيرة العرب المنصاعين لها بالخوف والذعر ومفهوم الإطاعة بالقوة والإرهاب.
فهل تنجح خطة الأمم المتحدة؟ بالتأكيد لن يقبل أنصار الله بهدنة لأسبوعين، لأن مشروعهم ينطوي على مفاوضات تقود إلى إعادة بناء دولة يمنية تطرد كل أنواع المحتلين، وتعيد ربط اليمنيين ببعضهم بعضاً على قاعدة مشروع سياسي له بعدان: إنماء وطني داخلي، ودور إقليمي في إطار حلف عربي ـ مشرقي يعكس الأهمية الدائمة لليمن في تفاعلات منطقة الشرق الأوسط.