المقالات

مخاض ربع الساعة الأخير.. منطقة الشرق الأوسط إلى أين؟

مخاض ربع الساعة الأخير.. منطقة الشرق الأوسط إلى أين؟

الجديد برس : رأي

د. ميادة إبراهيم رزوق
أثارت تصريحات الجنرال كينيث ماكينزي، قائد القيادة الأمريكية المركزية الوسطى، تساؤلات كثيرة عن نعت منطقة غرب آسيا بالغرب المتوحش، والتحذير من تعاظم القوة الإيرانية، والصعود الصيني المقلق، والدور الروسي الانتهازي الذي أظهر براعة في سورية، وسوق الملاحظات بضرورة إدارة الولايات المتحدة الأمريكية لغرب آسيا المتوحش، وهي في طور التفاوض على طريقة الخروج من المنطقة
وهنا مكمن السؤال فيما قاله أمام التحديات التي تمر بها الولايات المتحدة الأمريكية من ارتباك في إدارة الملفات الخارجية، والانقسام الداخلي بين إدارة ترامب والقيادة العسكرية، وخلافه مع بعض حكام الولايات، والتظاهرات والاحتجاجات ضد التمييز العنصري وعنصرية الشرطة، ودور ترامب الرئيسي في تسريع تظهيرها وتفاقمها، بكذبه وغطرسته وعنجهيته وعنصريته وسياساته الفاشلة الداخلية والاقتصادية وفي مواجهة جائحة كورونا، التي أدت إلى زيادة العنف وتفاقم الاضطرابات وإفلاس وإغلاق آلاف الشركات، وازدياد نسبة الفقر والبطالة ليكون تعداد العاطلين عن العمل أكثر من 40 مليون مواطن أمريكي، رغم استمرار العبث في منطقة الشرق الأوسط من خلال الإصرار على فرض الحصار والعقوبات الجائرة، وتردي الأوضاع الاقتصادية، وتجويع الشعوب وإثارة الفوضى في غير مكان؛ كسبا للوقت واللعب على عامل الزمن، أملا بتحسين الظروف لتمرير جزء من «صفقة القرن» بضم الضفة الغربية، قبل الوصول للحظة انتخابات الرئاسة الأمريكية.
تَعتبر أنظمة الدول الخليجية الرجعية، وفي مقدمتها السعودية والإمارات، نفسها جزءاً من تلك الأجندة، علّها تحافظ على عروشها التي بدأت معالم انهيارها بالوضوح تحت وطأة الأزمة الاقتصادية والإفلاس وانهيار أسعار النفط بالتشبيك مع جائحة كورونا ومشاكلها وانقساماتها الداخلية، وعدم إمكانية الخروج من حرب اليمن بماء الوجه.
ففي ظل أزماتها وخسارة مقومات أمنها القومي المالية والدينية فقدت الدعم والحماية الأمريكية المباشرة، إلا من صفقات الأسلحة التي تفرغ ما تبقى في الخزائن والاحتياطات بمزاعم درء الخطر الإيراني، وأوراق الاعتماد الوحيدة لضمان الحفاظ على العروش في جعبة كيان العدو الصهيوني، استمرار ركوب قطار التطبيع بكل صفاقة، وليس آخرها مقدار الذل في هبوط الطائرة الإماراتية الثانية في «مطار بن غوريون» بمزاعم تقديم المساعدات لقطاع غزة والضفة الغربية دون تنسيق مع الفلسطينيين، الذين رفضوها جملة وتفصيلا بعزة وإباء، لمشهد ذل آخر فيما فضحته مجلة «ناشيونال انترست» عن رغبة الأنظمة الخليجية بنسج علاقات اقتصادية واستراتيجية أكبر مع «إسرائيل» من وراء الكواليس، وليطل صباح يوم الجمعة الوزير الإماراتي يوسف العتيبة بمقالته الحصرية لصحيفة «يديعوت أحرونوت» لمغازلة الكيان الصهيوني بتفاصيل مبادرات بلاده بالانفتاح والعلاقات الاقتصادية والعمل المشترك والدعوة للمشاركة في معرض «إكسبو» الدولي المخطط إقامته في دبي العام المقبل، وتكريس أسس التطبيع واعتبار «إسرائيل» فرصة وليست عدواً، لدمجها في المنطقة.
يتخلل هذا المشهد المأساوي تنامي الوعي العربي الرافض لمشاريع الأجندة الصهيوأمريكية، وخاصة في تونس والسودان نحو تغييرات قد تكون، وسيكون الانتصار السوري بالتحرير الكامل حجر الرحى لانتصار خيارات الشعوب العربية المقاومة، وتبلور قيادات ثورية تقود نضالاتها.
في خضم هذه التفاصيل والانشغال الأمريكي والأوروبي باضطراباته الداخلية، يتقن أردوغان سياسة اللعب على الحبال، واستثمار فائض القوة التي يشعر بها بعد تقدم حليفته حكومة الوفاق الليبية بمواجهة الجنرال خليفة حفتر الذي تدعمه روسيا، لاستثمارها بسياسة ديكتاتورية قمعية في الداخل التركي، ومحاولة تكريس احتلال إدلب السورية اقتصاديا وعسكريا أمراً واقعاً، بضخ كميات كبيرة من العملة التركية وفرض التعامل بها، وربطها بالتعاملات التجارية والرسوم الجمركية للبضائع العابرة من الحدود، وبمسار متصل في تعزيز بيئة حاضنة لوجودها بفرض منهاجها التعليمي المدرسي، وزيارة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو في سابقة أولى لمخيمات النازحين في إدلب، بالتوازي مع استمرار التحشيد العسكري التركي بآلاف الجنود والآليات في مناطق التماس مع خطوط انتشار الجيش السوري، ونشر بطاريات دفاع جوي في مطار تفتناز، قد تكون لفرض منطقة حظر جوي في وجه الطائرات السورية والروسية، واستمرار دعم وجود مجاميع العصابات الإرهابية التكفيرية في مناطق قريبة من نقاط المراقبة التركية، وهجومها على مواقع الجيش العربي السوري، ومنع فتح طريق حلب ـ اللاذقية الدولي (M4)، وتسيير الدوريات (الروسية ـ التركية) المشتركة عليه بحجج واهية بقطع المجموعات المتشددة للطريق وتخريب جزء منه، ضاربة بعرض الحائط تعهداتها لروسيا بالالتزام بتنفيذ آليات وبنود بروتوكول موسكو واتفاق سوتشي، دون استبعاد الصدام العسكري مع القوات الروسية والجيش العربي السوري.
في كل هذا المشهد يحاول رجب طيب أردوغان وكعادته الكذب والمناورة لحجز مكان ودور قادم يوفر له أوراقا ثمينة على طاولة التفاوض والتسويات، يقدمها كبطاقة اعتماد للداخل التركي وبما يدعي من أمن تركيا القومي.
باعتقادنا أجراس معركة إدلب الأخيرة تقرع لتنهي العربدة الأردوغانية، وتدق ناقوس إنهاء حياته السياسية، مع ما تم توقيعه خلال الأيام القليلة الماضية من اتفاق إيطالي ـ يوناني بشأن ترسيم الحدود البحرية لكبح الجماح التركي وتقويض فرصته بالقرصنة النفطية والغازية البحرية، لنطل في الختام وبتنامي وتعاظم قدرات وإمكانيات محور حلف المقاومة على مرحلة عنوانها «الخروج الأمريكي من غرب آسيا، وتكريس الانتصارات العسكرية والاقتصادية»، وتغيير وجه المنطقة، والعين على فلسطين إلى مشهد حزم المستوطنين الصهاينة حقائبهم.
أكاديمية وكاتبة سورية