الجديد برس : رأي
عيسى محمد المساوى
تفاعلاً مع مقالي في العدد الماضي الذي وجهت فيه انتقاد الناصح الأمين لسلطة صنعاء، وصلتني رسالة من احد اصدقائي الجنوبين واحد رجال قبائلها الأبية كانت هي الأهم على الاطلاق، ونظرا لأهمية الدلالات التي حملتها هذه الرسالة القادمة من الجغرافيا الخاضعة للاحتلال وما تبقى من سلطة حكومة المنفى أضعها بدوري على القيادة العليا لتقرأها بعمق وتستفيد مما بين سطورها وهو كثير.
يقول صديقي في رسالته المطولة ما نصه:
(بالرغم من اختلافي معك في الفكر والتوجه إلا أنني أشهد وأقر لكم أنكم رجال دولة تتعاملون بمسؤولية وتفرضون هيبتها بحزم وصرامة وتعملون في اطار سلطه ودولة بكافة مفاصلها في ظل ظروف العدوان والتجويع والحصار المفروض عليكم في نطاق جغرافيتكم ذات السعة السكانية الكبيرة وفي ظل شحة الامكانيات، ومع كل هذا لا شي يثنيكم او يعيقكم عن تحقيق هذا الانجاز الكبير.
صحيح ان هناك بعض الاخطاء والتصرفات إلا أنكم تستطيعون التغلب عليها ومعالجتها، فمن امتلك العزيمة والارادة ولديه قوة الثبات والتحدي مثلكم صنع المستحيل في الوقت الصعب والظرف الاستثناء.
ما أقوله ليس تمدحاً لكم لأنكم لستم مطمعا لاسيما في الوقت الراهن وانما هي الحقيقية والواقع مقارنة مع الجانب الاخر الذي يمتلك كل المقومات والمصادر والدعم الكامل من المجتمع الدولي والعربي إلا انه فشل ولم يستطع احكام سيطرته وتثبيت سلطته وممارسة نفوذه، بل عاثوا في الارض فساداً وافساداً ونهبوا ثرواتها وتركوا سيادة البلاد وحقوق العباد مستباحة من قبل دول عربية لا توازي محافظة يمنية ومع ذلك جعلوا منها هيلمان وطاغية وسوط علي رقابهم بسبب ضعفهم وفسادهم وارتزاقهم، قُبّحوا وقبّح الله كل اعمالهم وافعالهم فهم عار علي اليمن واليمنيين.)
هذه الرسالة تكتسب أهميتها القصوى كونها تأتي من أحد قيادات الجهاز الإداري في الجنوب المستفيدين من السلطة السياسية هناك وبالتالي لا مطمع له في صنعاء البتة، فلا أنا من القيادات المسؤولة عن ملف الجنوب ولا سلطة صنعاء بظروفها القاهرة مبعث طمع لأحد الأمر الذي يجعل هذه الرسالة معياراً صادقاً لرؤية الجنوب على حقيقته المجردة بعيدا عن التوظيف الاعلامي والسياسي، وتتويجاً لهذه الرسالة التي تكتسب قيمة عالية من وجهة نظري، اتوجه بدوري الى القيادة السياسية العليا بالآتي:
أولاً: إن صورة المجلس السياسي الأعلى التي نقرؤها في عيون ومنطق اخوتنا الأحرار في الجنوب هي محل فخر واعتزاز الجميع بمن فيهم منْ يوجهون لكم النقد رغبة وحرصاً على تحقيق الأفضل والأحسن، وبالتالي فهي أدعى إلى شحذ الهمم وبذل أقصى الجهود لتقديم أرقى مستوى من الأداء المشرف والسياسة الحكيمة لأن ما ينتظرنا من مؤامرات أخطر مما مضى خصوصاً في ظل ترسخ حالة الهزيمة لدى تحالف العدوان.
ثانياً: إن الوحدة اليمنية محمية برجال الجنوب الشرفاء وإن أخطر ما يهدد الوحدة هو عجز سلطة صنعاء عن تقديم النموذج المشرّف والمشجع على مداواة جراح الماضي منذ حرب صيف 1994م وتقديم صورة مغايرة تماماً لتلك التي رسختها عصابة 7/7 منذ أن أدارت الجنوب بعقلية الفيد وسياسة الضم والإلحاق.
ثالثا: إلى مسؤولي الملف الجنوبي ممن اعرف ومن لا أعرف، استفيدوا من هذه الرسالة العفوية لرؤية الواقع بدرجة عالية من النقاء قد ربما لا تتوفر لديكم، واجعلوا منها معياراً لتقييم أدائكم، فإن انتهيتم في اعمالكم الى رسم صورة مماثلة تزداد اتساعاً وتجذراً مع الوقت فلكم منّا كل التقدير والإجلال على تفانيكم واخلاصكم، وإن وجدتم غير ذلك فما تزال الفرصة سانحة لاجراء التصويبات الضرورية على أجندتكم، فما يعتمل في واقع الجنوب أكثر بكثير مما تنقله وسائل الإعلام أو تعكسه جلسات العمل مع النخب، وسيكون من المفيد جدا التوغل الى أبعد نقطة تستطيعون الوصول اليها لتفحص ملامح الصورة المرتسمة في ذهنية السواد الأعظم من أخوتنا الجنوبيين، وعلى الجميع الحذر من تداعيات المسؤولية الجسيمة التي يتوقف عليها قضايا مصيرية
سيكون التفريط بها جالباً لسنة الاستبدال.
نقلا عن صحيفة المراسل