الجديد برس
تقرير مجلة “الإيكونوميست” المثير للجدل حول نهاية عصر النفط الخليجي خصوصاً والعربي عموماً، والذي يبدو بأنه وصل إلى نهايته في ظل إغلاقات الدول الشاملة لمواجهة فيروس #كورونا ، مع التوقعات القائلة بأن دول الخليج ستستنزف احتياطاتها البالغة تريليوني دولار بحلول عام 2034، بحسب صندوق النقد الدولي.
ترجمة خاصة بالمرصد الاقتصادي “بقش”
ترجمة “أحمد قحطان”
أرقام لم تعد تضيف شيئاً إلى ميزانياتهم. الجزائر، تحتاج إلى أن يرتفع سعر خام برنت، وهو المؤشر الدولي للنفط، إلى 157 دولار للبرميل. عمان، بحاجة ليصل البرميل إلى 87 دولار. لا يمكن لأي مُنتج عربي للنفط – باستثناء قطر الصغيرة – موازنة أرصدتها بالسعر الحالي للنفط، والذي يدور حول 40 دولار
بدأ البعض باتخاذ إجراءات جذرية. ففي مايو الماضي، قالت الحكومة الجزائرية إنها ستخفض الإنفاق إلى النصف. فيما يريد رئيس وزراء العراق الجديد – أحد أكبر منتجي النفط في العالم – أن يقتطع من رواتب الحكومة. عُمان على صعيدٍ آخر تكافح أيضاً للاقتراض بعد أن أدرجت وكالات التصنيف الائتماني ديونها في خانة الحضيض. أما العجز في الكويت فقد يصل إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى مستوى في العالم.
تسببت جائحة كوفيد-19 بهبوط سعر النفط إلى أدنى مستوى في التاريخ، حيث توقف الناس عن التحرك من أجل الحد من انتشار الفيروس. الآن ومع استئناف التجارة، ارتفع السعر مرة أخرى، على الرغم من أن ذروة الطلب قد لا تعود كما كانت عليه حتى بعد سنوات.
ومع ذلك لا تنخدع. فاقتصادات العالم بدأت بالابتعاد عن الوقود الأحفوري، فزيادة المعروض والقدرة التنافسية المتزايدة لمصادر الطاقة البديلة (النظيفة) يعني بأن النفط قد يبقى رخيصاً في المستقبل المنظور.
إن الاضطراب الذي حدث مؤخراً في أسواق النفط لم يكن انحرافاً، بل كانت لمحةً عن المستقبل، وقد دخل العالم عصر الأسعار المنخفضة، ولن يكون هناك أي منطقة أكثر تأثراً من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
القادة العرب عرفوا بأن أسعار النفط المرتفعة لن تستمر إلى الأبد. فقبل أربع سنوات، أصدر “محمد بن سلمان”، الحاكم الفعلي لـ السعودية، خطة سميت بـ “رؤية 2030” … والتي تهدف إلى إبعاد اقتصاده عن النفط. كما أن لدى العديد من جيرانه إصداراتهم الخاصة (المشابهة لهذه الخطة).
“عام 2030 أتى مُبكراً في الحقيقة وقد أصبح عام 2020″، يقول أحد مستشاري “بن سلمان” … صندوق النقد الدولي بدروه قال في وقتٍ سابق إن عائدات النفط في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تنتج المادة السوداء (النفط) أكثر من أي منطقة أخرى، انخفضت من أكثر من تريليون دولار في عام 2012 إلى 575 مليار دولار في عام 2019. ومن المتوقع أن تجني الدول العربية هذا العام حوالي 300 مليار دولار من بيع النفط، وهو مبلغ ليس حتى قريباً من الكفاية لتغطية نفقاتها. منذ مارس 2020، قاموا (أي الحكومات العربية) باقتطاع الأموال، وجني الضرائب وفرض الجمارك والاقتراض، إلى جانب استهلاك الكثير من خلال الاحتياطيات النقدية التي كان من المفترض أن تستخدم في تمويل الإصلاحات.
الدول غير المنتجة للنفط لن تكون بمعزل عن الألم القادم، فقد اعتمدت منذ فترة طويلة على جيرانها “الدهنيين” (الدول الغنية بالنفط) لتشغيل مواطنيهم. حيث تبلغ قيمة التحويلات الخارجية أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان. كما ساهمت التجارة والسياحة والاستثمار في نشر الثروات إلى حد ما.
ومع ذلك، وبالمقارنة مع المناطق الأخرى، تمتلك منطقة الشرق الأوسط واحدة من أعلى نسب الشباب العاطلين عن العمل في العالم، فقد عمل النفط على تمويل الاقتصادات غير المنتجة، ودعم الأنظمة البغيضة، ودعا إلى تدخلات أجنبية غير مرحب بها. لذلك ليس بالضرورة أن تكون نهاية هذا العصر (عصر النفط) كارثية إذا ما كانت ستحفز على إصلاحات تخلق اقتصادات أكثر ديناميكية وحكومات ذات نسب تمثيل شعبية أعلى.
من المؤكد أنه ستكون هناك مقاومة على طول الطريق، بدءاً بأغنى منتجي النفط في المنطقة، والذين يمكنهم التعامل مع الأسعار المنخفضة على المدى القصير. قطر والإمارات مثلاً تمتلكان صناديق ثروة سيادية ضخمة. كما أن المملكة السعودية، أكبر اقتصاد في المنطقة، لديها احتياطيات أجنبية بقيمة 444 مليار دولار، وهو ما يكفي لتغطية عامين من الإنفاق بالمعدل الحالي.
لكن جميعهم تضرروا بشدة من الجائحة، إلى جانب أسعار النفط المنخفضة، كما أن لديهم الإنفاق طويل المدى. في فبراير الماضي، قبل تفشي كورونا في الخليج، تنبأ صندوق النقد الدولي بأن دول مجلس التعاون الخليجي – البحرين والكويت وعمان وقطر والسعودية والإمارات – ستستنفد 2 تريليون دولار من احتياطياتها بحلول عام 2034.
ومنذ ذلك الحين، أنفقت السعودية ما لا يقل عن 45 مليار دولار من أموالها، وإذا ما استمرت على هذا الوتيرة لمدة ستة أشهر أخرى، فإنها ستضغط على ربط الريال السعودي بالدولار. وتخفيض قيمة العملة سيؤثر بدوره على الدخل الحقيقي للمواطنين وبشدة في بلدٍ يستورد كل شيء تقريباً. المسؤولون قلقون، و “محمد الجدعان” وزير المالية يقول “إننا نواجه أزمة لم يشهدها العالم من قبل في التاريخ الحديث”.
في محاولة لتحقيق التوازن بين النفقات، علقت السعودية بدل تكلفة المعيشة لموظفي الدولة، ورفعت أسعار البنزين وضاعفت ضريبة مبيعاتها ثلاث مرات. ومع ذلك، قد يتجاوز عجز الميزانية 110 مليار دولار هذا العام (أي 16٪ من الناتج المحلي الإجمالي). ويمكن أن يتبع ذلك المزيد من الضرائب – ربما على الشركات والدخل والأراضي. لكن رفع الضرائب يهدد بمزيد من الضغط على التجارة، التي تعثرت من أجل احتواء كورونا.
المملكة كانت تأمل في أن تعوض الزيادة في السياحة الدينية والترفيهية – جزئياً على الأقل – عن انخفاض عائدات النفط، لكن يبدو الآن بأن هذا أصبح ضرباً من الخيال. فمدينة مكة المكرمة مغلقة أمام الأجانب منذ فبراير. وفي حين استقطبت فريضة الحج السنوية 2.6 مليون حاج العام الماضي؛ لم يحج هذا العام سوى حوالي 1000 شخص. ويقول فاروق سوسة من بنك جولدمان ساكس الأمريكي إن “المملكة عالقة في اعتمادها على النفط الذي تحتاجه للوصول إلى بر الأمان”.
ومع ذلك، يرى البعض جانباً إيجابياً في الاضطرابات الحاصلة في الدول المنتجة للنفط. فمع إنتاج دول الخليج لأرخص نفط في العالم، ستحظى بحصة سوقية أكبر إذا ظلت الأسعار منخفضة. ومع فرار المغتربين، يمكن للسكان المحليين أن يحصلوا على وظائفهم. كما قد تقنع صراعات المنطقة بعض الدول بالتعجيل بالإصلاحات.
وكالات التصنيف الائتماني أشادت برفع السعودية للضرائب، كخطوة نحو تحويل الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج. ولجمع عائدات جديدة، يتحدث القادة العرب اليوم عن موجة من الخصخصة، حيث أعلنت المملكة مؤخراً عن بيع أكبر محطة لتحلية المياه في العالم في رأس الخير. ولكن في الوقت الحالي، يبدو بأن المستثمرين أكثر ميلاً نحو سحب أموالهم من المنطقة تماماً.
في غضون ذلك، ينمو الغضب الشعبي، ويرفع السعوديون تمتماتهم الغاضبة بشأن الضرائب الجديدة، التي وقعت بشكل كبير على الفقراء. وبعبارات كـ “لماذا لا يفرض مبس الضرائب على الأثرياء؟” يمتعض العاطلون عن العمل على وسائل التواصل الاجتماعي، في إشارة إلى الأمير محمد بن سلمان بأحرفه الأولى، “لماذا لا يبيع يخته ويعيش مثلنا؟” تسأل أم لأربعة أطفال من الشمال، حيث يقوم الأمير ببناء المزيد من القصور.
أما في العراق، فقد عبر المسؤولون الغاضبون من تخفيضات أجورهم عن دعمهم لحركة الاحتجاج التي تسعى لإسقاط النظام السياسي بأكمله.
وفي الجزائر، حيث انخفض دخل الفرد من 5600 دولار في عام 2012 إلى أقل من 4،000 دولار اليوم، عاد المتظاهرون إلى الشوارع. يبدو بأن حكام المنطقة لم يعد بإمكانهم شراء ولاء الجمهور بعد اليوم.
(حيث لا يتدفق النفط)
في لبنان، استؤنفت الاحتجاجات بالفعل، حيث أوقف الفيروس مؤقتًا المظاهرات التي استمرت لأشهر احتجاجاً على الفساد وانهيار الاقتصاد. ولبنان ليس منتجًا للنفط (على الرغم من أنه يأمل في أن يصبح كذلك)، وتأتي أزمة الجمهورية الصغيرة التي قد تشهد انكماش الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 13% هذا العام، من انهيار نظام اقتصادي في أعقاب الحرب الأهلية، وهو النظام الذي يعتمد بشكل كبير على الخدمات والقطاع المالي المتضخم. لكن الركود في الخليج جعل الوضع أسوأ، فانخفاض أسعار النفط على المدى الطويل سيجلب المزيد من الألم حتى للدول العربية التي لا تضخ الخام.
إن التحويلات المالية من الدول الغنية بالطاقة هي شريان الحياة للمنطقة بأسرها. فأكثر من 2.5 مليون مصري – ما يعادل 3% تقريبًا من سكان تلك الدولة – يعملون في الدول العربية التي تصدر الكثير من النفط. والأرقام أكبر في دول أخرى :
فـ 5% من سكان كل من لبنان والأردن، و9% من سكان الأراضي الفلسطينية، تشكل الأموال التي يرسلونها جزءاً كبيراً من اقتصادات أوطانهم. ومع انخفاض عائدات النفط، ستنخفض التحويلات، وسيكون هناك عدد أقل من الوظائف للأجانب وحزم أجور أصغر لأولئك الذين يجدون عملا.
كل هذا سيؤدي هذا إلى قلب العقد الاجتماعي في الدول التي اعتمدت على الهجرة لامتصاص المواطنين العاطلين عن العمل. ففي حين يتخرج حوالي 35 ألف لبناني من الجامعة كل عام، يوظف الاقتصاد اللبناني 5000 منهم فقط، ومعظمهم يبحثون عن عمل في الخارج.
لقد أدت الهجرة الجماعية إلى تسريع هجرة الأدمغة، حيث اعتادت مصر على توفير العمالة غير الماهرة للخليج. وفي الثمانينيات، كان أكثر من خُمس مهاجريها الكادحين في السعودية من الأميين. أما اليوم فمعظمهم يمتلكون درجة تعليم ثانوي، والآن تضاعفت حصة خريجي الجامعات. مصر نفسها تكافح الآن مع كوفيد-19 والسبب يعود في ذلك جزئيًا إلى أنها تفتقر إلى عدد كافٍ من الأطباء الذين هاجر أكثر من 10000 منهم مصر إلى الخارج منذ 2016، العديد منهم إلى دول الخليج.
اليوم ومع فرص أقل في الدول المنتجة للنفط، قد لا يرغب الكثير من الخريجين في الهجرة، لكن بلدانهم الأصلية لا تستطيع توفير حياة جيدة، حيث يكسب الأطباء في مصر ما لا يقل عن 3000 جنيه (185 دولار) شهرياً، وهو جزء ضئيل مما يمكن أن يجنوه في السعودية أو الكويت.
إن الوفرة في الخريجين العاطلين عن العمل قد تشكل ما يمكن أشبه بالوصفة للاضطرابات الاجتماعية. أضف إلى ذلك، ربما، تدفق المواطنين الذين سيجبرون على العودة إلى بلدانهم عندما تنتهي عقودهم. فلا يرغب الكثير في ذلك (أي العودة)، لأن إماراتٍ كـ دبي وقطر لا تقدم وظائف ذات أجر جيد فحسب، بل خدمات من الدرجة الأولى وحوكمة نزيهة نسبياً. فقد أظهر استطلاع أجرته “صحيفة جالوب” الأمريكية نشر في يناير، أن 10% فقط من المهاجرين المصريين في الأجزاء الغنية من الخليج يريدون العودة.
الشركات كذلك ستتضرر، فمنتجو النفط يعتبرون أسواقاً كبيرة لدول عربية أخرى. في عام 2018، استوردت (دول النفط) حوالي 21% من الصادرات المصرية، و32% من صادرات الأردن، و38% من لبنان.
ويمكن للشركات متابعة الشركاء التجاريين الآخرين بالطبع، فمصر تصدر بالفعل إلى كل من إيطاليا وتركيا أكثر مما تصدر إلى أي دولة عربية أخرى. لكن الأشياء التي تبيعها هناك – المنتجات البترولية والمعادن والمواد الكيميائية – تميل إلى خلق فرص عمل قليلة للمصريين. وفي الوقت نفسه تشتري بلدان المنطقة المزيد من السلع كثيفة العمالة، مثل المحاصيل والمنسوجات والمنتجات الاستهلاكية، وأكثر من نصف التلفزيونات المصدرة من مصر ينتهي بها الحال في دول مجلس التعاون الخليجي. كما ترسل صناعة الأدوية الأردنية، التي تولد أكثر من 10% من إجمالي صادراتها وتدعم عشرات الآلاف من الوظائف، ما يقرب من ثلاثة أرباع صادراتها إلى منتجي النفط العرب. لذا ستجعل دول الخليج الدول الأصغر والأفقر عملاء أكثر عوزاً.
كما أنهم سيرسلون عدداً أقل من السياح الأثرياء. لبنان مثلاً، يمثل الزوار من ثلاث دول فقط – الكويت والسعودية والإمارات – حوالي ثلث إجمالي الإنفاق السياحي. وبالرغم من أن معظم زوار مصر هم من أوروبا، لكن السياح الخليجيين يقيمون لفترة أطول وينفقون المال بشكل أكبر في المطاعم والمقاهي ومراكز التسوق. وفي حين يمكن لهذه البلدان أن تبحث في مكان آخر عن الإيرادات، سيكون من الصعب استبدال السياح الأثرياء الموجودين في ساحاتهم الخلفية، حيث يقضي السعوديون الصيف في القاهرة أو بيروت لأن هاتين المدينتين متقاربتان ومألوفتان ثقافياً ويتحدثان نفس اللغة، ومن غير المحتمل أن يفعل السلوفينيون أو السنغافوريون نفس الشيء.
إن الأمر أقرب لما يكون حادثاً تاريخياً أن دول الخليج صعدت لتصبح محاور للسلطة والنفوذ في الشرق الأوسط. فقد كانت هذه الدول ولقرون عديدة من الأماكن النائية التي لم يحافظ عليها سوى الحج وتجارة اللؤلؤ.
وقد كان حكام المنطقة (الشرق الأوسط) يقطنون في العواصم العربية القديمة العظيمة : كالقاهرة ودمشق اللتان خاضتا حروباً ضد إسرائيل وقادتا النضال نحو القومية العربية، كما كانت بيروت المركز المالي والثقافي العربي.
إن هذه القوى القديمة، التي أصبحت الآن في حالة تدهور، لها علاقة غير مريحة مع الوافدين الجدد (أي الوافدين إلى السلطة والسطوة في العالم العربي). ففي تسجيل تم تسريبه في 2015، سخر الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” من ثروة الخليج، وأخبر أحد المستشارين أن يطلب من السعوديين 10 مليار دولار كمساعدة مالية، وهو الطلب الذي قوبل بالضحك “وماذا في ذلك؟ فرد السيسي ساخراً على ذلك : “إنهم يملكون أموالاً كالأرز”.
وإذا كان ذلك بشكل انتقائي، فقد كانوا كرماء معها، حيث قدمت الكويت والسعودية والإمارات لمصر حوالي 30 مليار دولار كمساعدات بعد عام 2013، عندما أطاح السيسي بالحكومة الإسلامية المنتخبة. ولطالما كانت القيادة السنية في لبنان عميلة لدول الخليج. فـ “رفيق الحريري”، الذي قاد البلاد بعد حربها الأهلية، كون ثروته من العمل كمقاول في السعودية. أما نجله سعد، الذي شغل أيضاً منصب رئيس الوزراء، فيحمل الجنسية السعودية. كما أنقذت دول مجلس التعاون الخليجي الأردن مرتين في العقد الماضي.
لكن في السنوات الأخيرة، بدأ التمويل يجف، ويعود ذلك جزئياً إلى الخلافات السياسية. ويبدو بأن العديد من الدول العربية التي دُعمت وتم تقويتها ذات مرة من الرياض أو أبو ظبي، تبدو الآن وكأنها استثمارات سيئة. حيث يشعر السعوديون بالإحباط لأن السيسي لم يرسل قوات لدعم غزوهم المشؤوم لليمن ، وأن الحريري الصغير كان متسامحًا جداً مع حsب ا للــ ـه، والميليشيا الشيعية والفصيل السياسي المدعوم من إيران، ويعكس سخاءهم المتناقص أيضاً ثرواتهم المتناقصة.
ففي حين لم تتلق #مصر أي أموال منذ سنوات، لا يبدو أحد من الخليج راغباً في إنقاذ #لبنان، وكان على الأردن أن يتوسل للحصول على حزمة مساعدات مدتها خمس سنوات بـ 2.5 مليار دولار من الخليج في عام 2018، نصف ما حصل عليه في عام 2011. وفي الحقيقة فإن لا شيء من هذا سيء بالضرورة، فالكثير من العرب سيرحبون بنفوذ وتدخل أجنبي أقل في بلدانهم، لكنه سيضيف إلى الضغط المالي على حكوماتها المديونة.
وقد يشير ذلك أيضاً إلى تغيير أوسع في سياسة المنطقة. فلأربعة عقود اتبعت أمريكا “عقيدة كارتر”، التي قضت بأنها ستستخدم القوة العسكرية للحفاظ على التدفق الحر للنفط عبر الخليج الفارسي. وعلى الرغم من ذلك، وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، بدأت العقيدة تتلاشى، عندما سقطت صواريخ كروز وطائرات بدون طيار إيرانية على منشآت النفط السعودية في سبتمبر، وهو الأمر الذي لم يرمش لأمريكا جفن بشأنه. وقد تم بالفعل سحب بطاريات باتريوت للدفاع الصاروخي التي تم نشرها في المملكة بعد أسابيع. أما خارج منطقة الخليج، فقد كان ترامب أقل انخراطًا في تلك الدول، فقد تجاهل كل الفوضى في ليبيا، حيث تتنافس روسيا وتركيا والإمارات (على سبيل المثال لا الحصر) على السيطرة هناك.
(الرئيس الصيني “تشي” لديه جسر ليبيعك أياه)
إن شرقاً أوسط أقل مركزية بالنسبة لإمدادات الطاقة في العالم، سيكون شرقاً أوسط أقل أهمية بالنسبة لأميركا. فقد تملأ روسيا الفراغ في بعض الأماكن، لكن مصالحها الإقليمية ضيقة، مثل تصميمها على الحفاظ على ميناءها إلى البحر المتوسط في طرطوس سوريا. وهي لا ترغب في – وربما لا تستطيع – تمديد مظلة أمنية عبر شبه الجزيرة العربية. ولما حاولت الصين الابتعاد عن السياسة في المنطقة، فقد كانت ساعية وراء الفوائد الاقتصادية فقط : عقود البناء في الجزائر، وامتيازات الموانئ في مصر، ومجموعة واسعة من الصفقات في الخليج.
ومع ذلك ، فكلما أصبحت الدول العربية أفقر ، فقد تتغير طبيعة علاقتها مع الصين، ويحدث هذا بالفعل في إيران، حيث أدت العقوبات الأمريكية إلى اختناق عائدات النفط، ويناقش المسؤولون صفقة استثمارية طويلة الأجل يمكن أن يرى فيها قيام الشركات الصينية بتطوير كل شيء، من الموانئ إلى الاتصالات، وقد صيغت على أنها “شراكة استراتيجية”، لكن النقاد يخشون من أن تُترك الصين تسيطر على البنية التحتية التي تبنيها، كما فعلت في بعض الدول الآسيوية والأفريقية المدينة لها. إن انخفاض عائدات النفط يمكن أن يفرض تطبيق هذا النموذج على الدول العربية، وربما يعقد ما تبقى من علاقاتها مع أمريكا.
(لا مفر)
اسأل الشباب العرب عن المكان الذي يرغبون في العيش فيه، وهناك احتمال كبير بأنهم سيختارون دبي. فقد وجد استطلاع عام 2019 أن 44% ينظرون إلى الإمارات على أنها البلد المثالي للهجرة إليها، وغالبًا ما يؤطرون إعجابهم على النقيض من بلدانهم الأصلية. وعلى الرغم من جميع أخطائها، تقدم دبي (وجيرانها) شيئًا غير عادي في المنطقة : الشرطة الشريفة، والطرق المعبدة جيداً، والكهرباء دون انقطاع.
ومع انهيار الاقتصاد اللبناني، يتحدث الجميع عن الهجرة. وبالرغم من ذلك، هناك وظائف قليلة في الخليج. وتقول إحدى السيدات : “كانت دبي دائماً هي المهرب”، أما “الآن يبدو أننا محاصرون، دون خطة احتياطية”.
لدى الشباب في جميع أنحاء المنطقة ذات المخاوف. ويمكن الشعور وكأن مصر دولة تنهار تحت ثقلها، والأردن في أزمة دائمة، وبعد ما يقرب من عشر سنوات على إشعال بائع فواكه تونسي شرارة الربيع العربي، تستمر الإحباطات التي تسبب فيها ذلك حتى الآن. إن نهاية عصر النفط يمكن أن تجلب التغيير، لكنها ستجلب الألم أولاً.