الجديد برس : رأي
عبدالرحمن العابد
في شهر سبتمبر 2015، كانت قنوات دول العدوان ومرتزقتهم تبث تقارير إخبارية أن صنعاء صارت مدينة أشباح، فقط الكلاب تعوي فيها، ويطوف فيها من يسمونهم عناصر الحوثيين تمهيداً لقصفها.
حينها أوكلوا مهمة الاستعداد لحربٍ ضروس تدور رحاها في شوارع صنعاء إلى مدونيهم وناشطيهم بهدف تهيئة الناس لما سيلحق بها من دمار، وانتشرت كتابات تصف صنعاء بالعاهرة، مع كمية مواضيع مناطقية عن “اصحاب مطلع” وعبارات قميئة أبرزها “الهضبة الحقيرة”.
اللعين فهد الشليمي كان يتنقل من قناة لأخرى يهدد بأنه لن يبق حجر على حجر في صنعاء، متوعداً المدينة وبيوتها بالخراب.
في حين كان ضاحي خلفان ينشر اكتشافاته الخنفشارية بأن صنعاء ليست مدينة تاريخية، وسكانها فرس وأتراك، ولا دخل لهم بالعروبة.
تزامن كل ذلك مع ترديد عبارة قادمون يا صنعاء، وعباراتٍ وحشية بهدف إخافة المواطنين على غِرار: سندخل إلى بيوتكم، س… نسوانكم، سنخلس جلودكم ونصنع طبولاً منها، سنصلبكم في الشمس، … الخ.
استمر مرتزقة العدوان في تهديدهم ووعيدهم المتزامن مع انعدام تام للمشتقات النفطية أوقف حركة السيارات في الشوارع، وتوقفت الخضروات عن الوصول للأسواق، وأُغلقت المحلات والدكاكين، وسافر أصحاب المطاعم لقراهم، واختفت الأرغفة باختفاء باعة الأفران، وانتشرت المخلفات والقمائم بسبب غياب سيارات النظافة المتوقفة جراء انعدام مادة الديزل. والظلام المخيف الذي خيم على المدينة بسبب توقف المحطات الكهربائية، ومنع وصول الطاقة من محطة مارب الغازية.
كان خروج الواقفين بوجه العدوان في مسيرات ثورية ووقفات احتجاجية غاضبة محصور جداً؛ خشية القصف الهستيري الذي لم يتوقف يوماً واحداً “ليلاً ونهاراً” على العاصمة التاريخية والوطنية والإنسانية اليمنية.
وعند كل جريمةٍ يرتكبونها بحق الآمنين يظهر المرتزقة والخونة العملاء على قنواتهم ليبرروا جرائمهم ضد ما يصفونها مخازن أسلحة، واجتماع قيادات حوثية.
إعلام كوكب الأرض بكافة الدول تم شراؤه وإسكات صوته، فالعالم أرادها حرباً منسية، وجريمةً دون شهود.
حتى تمت الدعوة من اللجنة الثورية العليا لجميع الأحرار بالاحتشاد في العاصمة صنعاء أمام باب اليمن، وعملت الإذاعات المحلية على التكفل بالدور الأكبر لحشد الأحرار، من إذاعة صنعاء وإذاعة سام، عبر برنامج “يمن الصمود” تحديداً فنسبة المتابعين للإذاعتين هم الشريحة الأوسع بعد إسقاط القنوات الوطنية من القمرين الاصطناعيين “عربسات ونايل سات” وغياب الطاقة التي تتيح تشغيل أجهزة التلفاز لدى أغلب الناس.
وحتى من كانوا يملكون الطاقة الكهربائية يخشون تشغيلها حتى لا تلفت نظر طائرات العدوان التي كانت لا تغادر سماء العاصمة صنعاء المنكوبة بالظلام الموحش.
الحادي والعشرين من سبتمبر، في الذكرى الأولى للثورة ضد الظلم والطغيان، كان الشعب على موعد للوقفة الشعبية الحاشدة، وسط مخاوف من القصف الهستيري الذي طال كل شيء.
والمخيف أكثر إصرار اللجنة المنظمة على خروج الثوار الأحرار بالبنادق مما يجعلها مسيرة مسلحة.
فكيف سيتورع من يقتلون الأطفال ويصفونهم بالقيادات الحوثية عن قصف هذا المشهد المسلح في العاصمة التي يتوعدونها بالدمار على مدار الشهور الفائتة؟؟ وسط تسريبات “المرجفون في المدينة” بمعلومات يصفونها بالمؤكدة، أن ذلك التجمع سيسحق بالصواريخ.
مرت ساعات الصباح في يوم الحادي والعشرين من سبتمبر ثقيلة، والأيدي على القلوب، خشية ردود الفعل السلبية لعدم التمكن من وصول الحشود بسبب نفاذ الوقود، أو أن يكون التهديد بالقصف قد حال بينهم والحضور.
لكن ما حدث كان مفاجأة بحق للجميع، بما في ذلك المنظمين والقائمين على تلك الفعالية الثورية التي شكلت نقطة فارقة في تاريخ العدوان ضد بلادنا.
عشرات الآلاف ظهروا من اللامكان، أفراد وجماعات يخبّون الأرض بأقدامهم، وعلى اكتافهم بنادقهم يقبلون على موقع الاحتشاد، وطائرات العدوان تفك حاجز الصوت على رؤوسهم بُغية إخافتهم.
وامتدت الجماهير من أمام ساحة باب اليمن لتصل إلى جسر الصداقة، ثم انعطفت لميدان التحرير، وشارع كلية الشرطة، وتمددت الجموع رأسيا حتى وصلت قرب باب البلقة.
ويصل قيادات البلد ومسؤوليها في تلك الفترة، واحدا تلو الآخر للموقع، ويتم إطلاق خطبة نارية من رئيس اللجنة الثورية يتحدى فيها العدوان وطائراته، وينقل تحايا القائد أبو جبريل لكل الأحرار، ويتوعد الخونة والمرتزقة بما يحلّ بهم حالياً.
كل ذلك وحناجر الأحرار تصرخ كل دقيقة بالموت لأعداء الله والوطن.
المشهد أكبر من أن يحتمله عقل العدو الذي أطلقت طائراته الصواريخ في أماكن متفرقة من العاصمة، لكن ليس على الحشود الغاضبة.
وكأن غرف عمليات العدو تتصل بمرتزقتها واحدا واحداً، تتهمهم بالكذب عليهم فأعداد الحشود في تضاعف مستمر، وما كانوا يطلقون عليها مدينة الأشباح، أطلقت أشباحها بوجههم دفعة واحدة.
وما كانوا يعتبرونه تأييداً مطلق للعدوان ينصهر أمام أصوات الحشود الملتهبة.
ويتغير المشهد برمته، تسريبات تخرج لعدد من وسائل الاعلام الدولية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن شعب أبيٍ يأبى الموت، وينبعث من رحم التاريخ الذي يسكن المدينة.
كان الناس يغلون في منازلهم كمرجل، الجميع ضد العدوان، لكنهم لم يكونوا على يقين من غالبيتهم بسبب إعلام العدو الذي صور عكس الحقيقة لهم، حتى التقو رافعين أياديهم، متلاصقين كتفاً لكتف في ذلك اليوم وأجبروا الكون كله على سماع صوتهم الهادر.
الشعب الذي كان بحاجة ماسة ليجمّع نفسه، لم يطالب شعوب العالم بالتضامن معه حسبما كان متوقعاً، لكنه أعلن في ذلك اليوم تضامنه الكامل مع المسجد الأقصى، مؤكداً العزم على السعي لتحرير فلسطين العربية.
كان يوم الحادي والعشرين من سبتمبر 2015 فارقاً في الزمان والمكان، وبداية انقلاب السحر على الشذاذ.
لنصل سبتمبر 2020 على وقعٍ مغاير لمجريات الأحداث، وما كانوا يتوعدون به صنعاء، بات يطارد العملاء والخونة والمرتزقة.
وللحديث بقية