الجديد برس : رأي
عيسى محمد المساوى
بالنسبة لي لم اكن متفاجئاً من ظهور وثائق تكشف عن العلاقات القديمة بين الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام وكيان العدو الاسرائيلي، بل أنني أتوقع أن تكشف الأيام القادمة عن وثائق وفضائح أسوء بكثير مما عرفه الشارع اليمني والمخدوعين لأكثر من 33 سنة بأن صالح بطل قومي يناضل من اجل القدس والقضية الفلسطينية.
لا أظن أن أحداً قد نسي عنترياته في احدى القمم العربية وهو يتوعد الكيان الاسرائيلي، مطالباً دول الطوق بفتح حدودها لقوات صالح ليتولى تحرير فلسطين، حينها ضحك الرئيس المصري الذي يبدو أنه كان على معرفة بصهيونية صالح، ورد عليه ساخراً: “حنجيب لك حتة أرض وورينا شطارتك”.
عقب تلك القمة ازدادت شعبية الممثل البارع علي عبدالله صالح في الشارع اليمني والعربي، مثلما ازدادت شعبيته أيام مجلس التعاون العربي التي مثّل فيها دور البطل القومي، وكان ينتهز أي فرصة إعلامية للمزايدة على حساب القضية الفلسطينية والمطالبة بإنهاء الإحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي يخضع بلده لاحتلال سعودي وأمريكي يشغل فيه منصب رئيس اليمن الذي عينته سلطات الاحتلال.
لكن الحقيقة أن صالح كان بحق بطل الارتهان والتبعية للسعودية والولايات المتحدة الأمريكية، والمؤسس الأول لمشروع “الحديقة الخلفية للمملكة”، وأحد المطبعين القداما مع الكيان الإسرائيلي، ولو قدر له أن يعتلي كرسي الرئاسة في أواخر الستينات مثلاً، لربما كشفت الوثائق السرية عن مشاركته بقوة رمزية مع العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973م، لكن من سوء حظه أنه جاء بعد انتهاء الحروب العربية الاسرائيلية.
اليوم بعد ظهور تلك الوثائق التي تتحدث عن صهيونية صالح ورموز نظامه، بات حزب المؤتمر الشعبي العام بقياداته الوطنية أمام مرحلة من التحولات العصيبة تتلخص في سؤال مفاده: ماذا بعد صهيونية صالح ؟؟
هذا السؤال المحوري تتفرع عنه سلسلة من التساؤلات الملحة؛ عن خيارات قيادة المؤتمر العشبي العام الوطنية، وعن قرار استراتيجي لابد منه لتحديد الموقف الصحيح من جملة المآزق التي ظهرت فجأة للشارع اليمني: من صهيونية صالح وفريقه، وخيانات طارق، ومؤامرات السفير أحمد، إلى تاريخ من العمالة والخيانات بحق الوطن والشعب اليمني بدءاً باغتيال الشهيد الرئيس ابراهيم الحمدي لحساب آل سعود وقوى الهيمنة العالمية، وانتهاءً بمحاولة الاغتيال الفاشلة لمشروع دولة الحرية والاستقلال في فتنة ديسمبر 2017م لحساب ذات القوى، وما بين هاتين المحطتين البارزتين مشاريع صغيرة لذبح السيادة والقرار الوطني في أكثر من مناسبة على شرف عاصمة اللجنة الخاصة، وواشنطن صانعة قرارات الجيش اليمني.
المؤتمر الشعبي العام بقياداته الوطنية يجد نفسه اليوم محاصراً بتحديات طفت للسطح دفعة واحدة كجزء من تركة صالح سيئة الصيت والسمعة، الأمر الذي يفرض عليه الاضطلاع بمهمة بالغة الحساسية، هي اعادة تحديد الهوية والانتماء؛ إما السكوت عن صهيونية صالح وتركته الخيانية، على ما في هذا المسلك من خطورة بالغة تشبه الانتحار البطيء على طريق المغادرة النهائية لخارطة القوى السياسية اليمنية، أو التأكيد على الهوية الأصيلة للمؤتمر الشعبي العام، وانتمائه الصادق لوطنه ومحيطه العربي والإسلامي المعبر عن روح ونصوص الميثاق الوطني، وما يترتب على هذا التأكيد من تجريم وإدانة لكل الخارجين عن قيم ومبادئ الميثاق الوطني.
خياران مصيريان بحاجة إلى قرار شجاع، فيا ترى ماذا ستختار قيادات هذا الحزب اليمني الذي يعيش اليوم ظروف عصيبة أسوء بكثير من تلك التي عاشها الحزب الاشتراكي عقب حرب صيف 1994م، التي قضت بآثارها على الوحدة اليمنية المنجز الحقيقي للمؤتمر الشعبي العام.