الأخبار المحلية

صالح يفقد السيطرة ويلجأ للسفارة الروسية والصماد يعيده وطارق يهيمن على المؤتمر قبل أحداث أغسطس (6)

صالح يفقد السيطرة ويلجأ للسفارة الروسية والصماد يعيده وطارق يهيمن على المؤتمر قبل أحداث أغسطس (6)

الجديد برس: متابعات

على المستوى الإعلامي كان صالح قد دشن حملته ضد شريكه الاضطراري “أنصار الله” وبدا مبكرا أن ثمة توجه مخطط له إعلاميا للنيل من أنصار الله وتشويه سمعتهم وإطلاق الإشاعات حول عمل اللجان الثورية واللجان الأمنية بالإضافة إلى تكريس فكرة عدم قدرة الأنصار على إدارة الدولة…الخ ومن هنا بدأ الأنصار يدركون أن صالح يدور في رأسه الكثير من الأمور خصوصاً أن تاريخه مليء بالتناقضات والانقلابات على الشركاء علاوة على الحروب التي خاضها ضد صعدة وضد الجنوب.

أما صالح فقد كان يعتقد أن الأنصار يفكرون بطريقته وبالتالي ظن أن الحروب الست وتصفية السيد حسين بدر الدين الحوثي لن يتجاوزها الأنصار رغم أن المؤشرات كانت تقول عكس ذلك، لكن هذا ما حدث وبدأت موجة الحملات الإعلامية المؤتمرية ضد الأنصار وتركزت في بدايتها في مواقع التواصل الاجتماعي فيما كان الأنصار يظهرون حرصاً كبيراً على عدم فتح جبهات أخرى لانشغالهم الكلي بجبهات القتال بمواجهة قوى التحالف السعودي الإماراتي.

وبمرور الأيام كان التحالف السعودي الإماراتي قد سيطر على المحافظات الجنوبية بعدما اقتحم عدن ودارت أحاديث في ذلك الوقت حول تنسيق إماراتي مع صالح لإسقاط عدن بسحب العناصر المحسوبة عليه من الحرس الجمهوري فيما كان مقاتلو أنصار الله لم يمض عليهم وقت طويل منذ دخولهم عدن ولم يكونوا قد تعرفوا على جغرافيتها بشكل دقيق، لكن ذلك ظل مجرد أحاديث خصوصاً في ظل تحفظ أنصار الله عن كشف ما حدث وأسباب سقوط المحافظات الجنوبية وذلك ربما لخوفهم من أن الكشف عن معلومات قد تؤدي لانقسامات ستؤثر على الجبهات الأخرى.

لكن القيادي فيما يسمى “المقاومة الشعبية” التي قاتلت إلى جانب التحالف في عدن “عادل الحسني” كشف، في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية بعد أن غادر عدن إثر سجنه من قبل الإماراتيين لفترة طويلة، أنهم طوال الأشهر الثلاثة التي سبقت سقوط عدن لم يتمكنوا من السيطرة على موقع واحد من مواقع قوات صنعاء وفجأة في يوليو سقطت عدن بيد الإماراتيين، موضحاً أنه علم بعد ذلك أن سقوط عدن جاء نتيجة انسحاب وحدات من الحرس الجمهوري المحسوبة على صالح بالتنسيق مع الإماراتيين.

التحالف في نهم: صالح يلجأ إلى السفارة الروسية بصنعاء

بسقوط الجنوب في يد التحالف كان صالح قد قدم أهم أوراق اعتماده من قبل السعوديين لكن وإضافة لسقوط الجنوب ثمة حدث آخر جعل السعودية تظن مجدداً أنها ليست بحاجة إليه عندما تراءت لها إمكانية سقوط صنعاء، والتي ستكون الضربة القاصمة لقوات صنعاء وبالتالي يصدق اعتقادها بقدرتها على القضاء على أنصار الله قوات صالح معاً.

ذلك الحدث هو الذي شهدته إحدى جبهات القتال في فبراير 2016م عندما حدثت خيانات وشراء ولاءات من قبل التحالف لمشايخ قبليين في الجوف فتحوا مناطقهم التي كان متفق مع صنعاء على تحييدها وفجأة وجدت قوات التحالف نفسها في مفرق الجوف ومن ثم في جبهة نهم بمحافظة صنعاء وكان هذا الحدث الأخير قد تصادف مع الذكرى الرابعة لثورة 11 فبراير الشبابية ويومها كان الأنصار قد دعوا لمسيرة إحياء لهذه المناسبة وهو ما اتخذه صالح وإعلامه ذريعة لمهاجمة الأنصار باعتبار أن الثورة كانت ضد حكم صالح، لكن في جانب آخر كان ثم شيء مهم يحدث.

 

كان صالح مهووساً بالسلطة ولكن أكثر من ذلك مهموماً بسلامته الشخصية فحين شاع خبر وصول قوات التحالف إلى جبهة نهم تراءت له “نهاية القذافي” وفقد حنكته السياسية والعسكرية عندما ظن أن وصول التحالف إلى نهم يعني سقوط صنعاء فما كان منه إلا أن توجه إلى السفارة الروسية للاحتماء بها والطلب من روسيا ضمان حمايته ونقله إلى خارج البلاد.

وتؤكد مصادر عالية الثقة لـ”صحيفة المراسل” أن صالح الصماد الذي كان ما يزال رئيسا للمكتب السياسي لأنصار الله قبل تشكيل المجلس الأعلى، توجه مباشرة إلى السفارة الروسية والتقى علي عبدالله صالح هناك ورمى “الشال” الخاص به بين أيدي علي صالح طالباً منه عدم المضي فيما يفكر به لأن هروبه سيسبب مشكلة كبيرة من الناحية المعنوية فيما كان الأنصار يرون بثقة مطلقة أنه يمكن احتواء تقدم التحالف في نهم وبذلك أقنع صالح الصماد علي عبدالله صالح بالتراجع عن خطوته تلك.

 

استمرار التحولات: صالح يفقد السيطرة على “الحرس”

عقب دخول قوات التحالف السعودي الإماراتي إلى نهم وفتح جبهة هناك كان صالح وفقاً لتنسيق مع الإمارات، يعمل على منع القوات التي يعتقد أنها محسوبة عليه من التوجه إلى الجبهات لمساندة اللجان الشعبية وخصوصاً القوات الخاصة وقوات الحرس الجمهوري.

وكما تروي مصادر مطلعة لـ”صحيفة المراسل” سمع صالح أن ما يقارب كتيبتين من الحرس الجمهوري توجهتا إلى جبهة نهم لمساندة اللجان الشعبية فغضب غضباً شديداً فاتصل بقائد إحدى الكتيبتين اللتين توجتها إلى نهم وقال له:”من أمرك بالتحرك وممن استأذنت ؟” فأجابه قائد الكتيبة: “احنا سرنا ندافع عن الوطن والدفاع عن الوطن لا يحتاج لاستئذان يافندم”. هنا شعر صالح أنه بدأ يفقد السيطرة على القوات التي كان يعتبرها محسوبة عليه وتحت إمرته.

كان صالح يدرك أنه من السهل على الإمارات والسعودية معرفة تحرك قوات من الحرس الجمهوري إلى جبهة نهم وهذا يخالف ما اتفق عليه مع الإماراتيين ولذلك وحين ظهر في مقابلة مع قناة الميادين، وعلى عكس ما كان يسوق له من قبل عن دوره في الحرب، قال صالح في تلك المقابلة إن أنصار الله هم من يتولون إدارة الجبهات ووزارة الدفاع والجيش وأنه لا يشارك في هذا القرار إلا بدعوته للتطوع للقتال ضد التحالف، فكان بذلك يريد أن يوصل رسالة مشفرة للإمارات بأنه لم يكن وراء تحرك قوات من الحرس الجمهوري إلى جبهة نهم.

وما يؤكد أن صالح كان يعمل بشكل مستمر على إثناء القوات المحسوبة عليه من التوجه للجبهات لقتال التحالف، هو ما تحدث به العميد حسن الملصي قبل استشهاده والذي كان أحد أبرز قادة القوات الخاصة قبل أن يصبح قائداً لجبهة نجران بعد اقتناعه بمشروع أنصار الله، والذي كشف في تسجيلات مصورة قصة انطلاقه للجبهة وكيف أن أحمد علي عبدالله صالح اتصل به من الإمارات وقال له “أنت اخي..لا تفعل مشاكل وارجع للبيت” وهو ما رفضه الملصي الذي كان له لقاء صاخب مع صالح نفسه ففي ذلك اللقاء باشر صالح بالسؤال: من أمرك يا حسن تسير تقاتل؟فرد عليه الملصي: أمرني القرآن الكريم، فأجابه صالح قائلاً: قد بردقوك؟ وهو ما رد عليه الملصي بالقول: أيوه بردقوني بكتاب الله.

ورغم أن صالح فقد السيطرة على كثير من الوحدات العسكرية المحسوبة عليه إلا أنه وإلى جانب من احتفظ بها من قوات كان يعد لتشكيل قوات إضافية وهو ما سيجري التعرف عليه في السطور القادمة، لكن ما يجب الإشارة إليه ولو بشكل مختصر أن صالح كان يمضي نحو الحصول على الرضا السعودي وإقناع السعوديين بأهميته ولذلك أصر في الذكرى الأولى للحرب على اليمن أن تكون المسيرة الخاصة بإحياء الذكرى مسيرتين وليس واحدة كما كان يطرح أنصار الله ولذلك كانت المسيرة التي دعا إليها المؤتمر في الصباح بميدان السبعين لأن صالح أراد أن ترى السعودية حجم نفوذه الشعبي، فيما كانت مسيرة أنصار الله والقوى المتحالفة معها في العصر بساحات الكلية الحربية، وفي العالم التالي أراد صالح أن يكرر نفس الأمر ولكن الأنصار رفضوا ذلك فكانت مسيرة موحدة في ميدان السبعين.

 

الطريق إلى أزمة أغسطس: صالح يضيق دائرة الثقة وتنامي نفوذ طارق

مع احياء صنعاء للذكرى الثانية للحرب تصاعدت التقارير الدولية التي تتحدث عن غرق السعودية في مستنقع اليمن على نحو أكبر من السابق وتصدق النبوءات القليلة التي توقعت ذلك، أما السعودية في ذلك الحين فقد بدا لها أن الحرب التي ظنت حسمها في أسابيع قد تحولت إلى كابوس وبالتالي استغلت الإمارات هذا الوضع وأقنعتها بأن  المخرج الوحيد من شبح الهزيمة هو بقبولها علي عبدالله صالح وهذا ما حدث كما ستؤكد الوقائع والمعلومات والأحداث.

هذه الرؤية اقتنع بها الكثير داخل وخارج اليمن، حتى أنه في وقت لاحق كتب الكاتب العربي عبدالباري عطوان مقالاً قال فيه “مُنذ ما يَقرُب من الثّلاثة أعوام، ودَولة الإمارات العربيّة المتحدة تُحاول إقناع حَليفتها السعوديّة، بأنّ أقصرَ الطّرق لكَسب الحَرب في اليمن تَتمثّل في استقطاب الرئيس علي عبد الله صالح، وفَكِّ تَحالُفِه مع جماعة “أنصار الله” الحوثيّة، ولكن القِيادة السعوديّة رَفضت بعِنادٍ التّجاوب مع كُل المُحاولات هذهِ، لأنّها تَرفض الغُفران، ونِسيان انقلابِه، أي صالح، عليها وهي التي أنقذت حياته، والوَقوف في الخندق الآخر، المُواجه، وعندما اقتنعت، لانعدام الخِيارات الأُخرى، واليأس من الحَسم العَسكريّ، وباتت مُستعدّةً لاحتضانِه حَليفًا”.

كان صالح أيضاً يعاني من القلق والمؤامرات ولذلك أصبحت دائرة ثقته بالآخرين تضيق حتى أن معلومات حصلت عليها “صحيفة المراسل” أنه عثر في منزله بعد مقتلة على دفتر مجلد يحتوي على قوائم تحت عنواني “أصدقاء واعداء” وضع فيها القادة العسكريين والمؤتمريين ممن كانوا تابعين له وعلى سبيل المثال وضع عبدربه منصور هادي في قائمة الأعداء لكن الأغرب أنه وضع الشيخ يحيى الراعي في ذات القائمة وغيره كثير.

وبناء على ذلك وحين تلقى صالح خبر قبول السعودية له قرر العمل بشكل سرّي مع دائرة ضيقة من القادة العسكريين مثل مهدي مقولة والقادة الحزبيين مثل عارف الزوكا واستبعد الكثير ممن لم يبلغهم بتوجهه الجديد فيما كان نجل شقيقه طارق محمد عبدالله صالح قد تنامى نفوذه في المؤتمر حتى أنه بات يمتلك القرار فيه، ومن هنا بدأ الاعداد الأمني والعسكري لمرحلة جديدة، شهدت في بداياتها انشاء معسكرات في سنحان بينها ما أطلق عليه “معسكر الشهيد الملصي” لتصدق نبوءة الملصي نفسه قبل استشهاده وهو يتكلم عن انتهازية آل صالح بأنهم سيستثمرون دماؤهم ويطلقوا أسماءهم على معسكرات.

على وقع ذلك بدأت التحركات في مختلف الاتجاهات وأصبحت الحملة الإعلامية من قبل وسائل إعلام صالح وناشطيه ضد أنصار الله أكثر وضوحاً فيما الخطاب الإعلامي لصالح أكثر انسجاماً مع القنوات الفضائية السعودية والإماراتية بل ان قنوات مثل العربية والحدث وسكاي نيوز بدأت تغطي تحركات المؤتمر وتتضامن في خطابها مع وزراء صالح في حكومة صنعاء في وقت كانت هذه القنوات قد بدأت تهاجم هادي وحكومته. وتزامناً مع ذلك بدأ المؤتمر يتحرك في المحافظات والمديريات مدشناً بشكل علني حملة حزبية للانضمام لحزب المؤتمر وكان إعلام الحزب يواكب يومياً حجم الاقبال على قطع بطائق عضوية وكان يبالغ كثير في تقدير أعداد المنضمين للحزب.

وبغطاء الحراك الحزبي للمؤتمر بدأ طارق ينشئ المعسكرات ويستقطب المقالتين والقناصين وهذا الأمر لا يحتاج للاطالة خصوصاً أن وسائل الإعلام قد نشرت الوثائق التي كانت تظهر عمليات الصرف المالي من قبل صالح للاستقطاب وانشاء المعسكرات وأسماء العناصر التي تم استقطابها….الخ.

كما حصلت “صحيفة المراسل” على معلومات مؤكدة أن طارق صالح كان يشرف على عمليات نقل الأسلحة التي زودته بها الإمارات من الضالع إلى صنعاء ومختلف المحافظات التي شهدت الأحداث بعد ذلك، وهنا لا يعني أن سلطات صنعاء وأنصار الله كانت غائبة تماماً عما يحدث فعلى سبيل المثال كانت هناك عمليات رصد أمني لتحركات صالح عبر طارق وأعوانه وتحركات أخرى من قبل الأنصار بينها اللقاءات مع المشايخ والأعلان لجعلهم شاهدين على التحركات المشبوهة للمؤتمر بقيادة صالح ولذلك كان اللقاء الموسع “لقاء العاشر من رمضان” في يونيو 2017 وبعد ذلك لقاء الحكماء والعقلاء الذي ألقى فيه زعيم أنصار الله السيد عبدالملك الحوثي خطابه الشهير الذي كشف فيه لأول مرة عن التحركات المشبوهة لصالح إعلاميا وسياسياً وعسكرياً في محاولة لوضع قبائل اليمن في الصورة خصوصاً أنه وكما سبق ذكره كان صالح قد ضيق دائرة الموثوق بهم بالنسبة له فلم يخبر بتحركه إلا القليل من المشايخ المقربين والقادة العسكريين والمؤتمريين الذين يثق بهم شخصيا.

في ذلك الحين كان صالح قد قرر لأول مرة الاحتفال بالذكرى الـ34 لتأسيس حزب المؤتمر وكان ذلك مثير للشكوك خصوصاً أنه لم يسبق الاحتفال بهذه المناسبة كما أنها لم تكن مثلاً الذكرى الأربعين أو الخمسين لتكون مميزة وتبرر الدعوة لمسيرة كبرى في ميدان السبعين التي دعا إليها في 24 أغسطس 2017م ومن هنا ارتفع منسوب التوتر بين المؤتمر وأنصار الله لمستويات غير مسبوقة.