الجديدبرس- إبراهيم القانص
اتهامات بالخيانة وأخرى بالخذلان، وشكاوى من قلة الإمدادات والدعم، وبكائيات طويلة على الوضع الإنساني ومناشدات وصلت حد التوسل للأمم المتحدة ومجلس الأمن لإنقاذ الوضع في مارب، تلك هي صورة من المشهد الراهن لقيادات وقوات التحالف والشرعية في محافظة مارب، بعدما أصبحت المدينة على مرمى طلقة من قوات صنعاء،
فالتحالف يتهم أتباعه من القادة العسكريين والمشائخ بالخيانة والابتزاز، وهم يتهمون التحالف بالتخاذل في وقت يؤكد أنه لم يبخل عليهم بشيء لا بالأموال ولا بالأسلحة الحديثة، فضلاً عن تغطيتهم بآلاف الغارات التي ينفذها طيرانه الحربي، وحين يحاصرهم التحالف بأفضاله ويذكرهم بعطاءاته وأنهم لم يحققوا ما طلبه منهم، لا يتبقى أمامهم سوى الأسطوانة المشروخة التي أصبحت غير ذات جدوى، حتى وإن حشدوا لها منظومة إعلامهم الكبيرة، وأبواقهم الناعقة ممن يصفون أنفسهم بالمحللين والخبراء، وهي أسطوانة الوضع الإنساني والنازحين الذين أصبحوا ورقة للابتزاز السياسي والمساومة والتربح غير الإنساني، الأمر الذي يصفه الكثير من المراقبين بأنه وضع مثير للشفقة، ووسيلة غير فعّالة لتغيير المعادلة على الأرض.
مع التقدم المستمر لقوات صنعاء في محافظة مارب، تكشفت الكثير من الحقائق، فالمستفيدون من استمرار الحرب واستمرار تدفق الأموال إلى جيوبهم وحساباتهم الخاصة، سواء من التحالف أو من ثروات المحافظة النفطية والغازية، بدأوا بتهريب أموالهم وبيع ما اكتسبوه من العقارات خلال السنوات الماضية من عمر الحرب، إلى جهات خارجية حيث تنشط استثماراتهم، مثل تركيا ومصر وماليزيا وغيرها من الدول، ولم يبقَ في الواجهة سوى الذين لا يزالون يطمعون في جمع المزيد من الأموال، حتى وإن كان الثمن أرواح ودماء أبناء القبائل المغرر بهم باسم الدفاع عن الدين والحفاظ على الجمهورية، وهي شعارات سطحية وبعيدة عن واقع وسبب اشتعال الحرب منذ البداية، فلم يسئ إلى الدين غير دول التحالف التي وصل الوفاء بالتزاماتها مقابل التطبيع مع الكيان الإسرائيلي حد إغلاق أقدس الأماكن الإسلامية أمام الحجاج- مكة المكرمة والمدينة المنورة- ولم يخذل الجمهورية سوى أدوات التحالف التي تبيع السيادة وحرية القرار مقابل كسب الأموال والثروات.
قرية نَجّا في مديرية الجوبة بمحافظة مارب، كانت محوراً لكشف حقائق مهمة في سلوكيات التحالف والشرعية، فقبل وصول أي فرد من قوات صنعاء إليها فوجئ سكانها بقوات الشرعية والتحالف بدباباتها وعرباتها وأطقمها ومدرعاتها تحتشد وتتمركز في جهاتها الأربع وداخل شوارعها، الأمر الذي اضطر سكانها بشكل كامل إلى النزوح من القرية وترك منازلهم، ليجنبوا أطفالهم ونساءهم عواقب حتمية كانت ستترتب على انتشار القوات داخل الأحياء والتمترس تحت نوافذ المنازل وأمام أبوابها، حسب مصادر محلية من سكان القرية، وبعد سيطرة قوات صنعاء على القرية وهزيمة قوات هادي والتحالف، وتمكن صنعاء من قطع خطوط الإمداد على بقية مسلحي القبائل الموالين للتحالف في جبل مراد، ستستمر المزايدة على النازحين من قرية نجّا رغم أن قوات الشرعية هي سبب نزوحهم بل أرغمتهم على ذلك في وقت كانوا يريدون تجنيبها القتال حسب التفاوضات المعتادة التي تسلكها صنعاء لتجنيب المدنيين ويلات الحرب، ويرى مراقبون أن نموذج ما حدث في قرية نجَّا بالجوبة هو نفسه الذي يتكرر في كل المناطق التي تسيطر عليها قوات صنعاء، فقبل وصولها إلى أيٍّ من تلك القرى أو المديريات تتعالى تلك الأصوات والبكائيات المتصنعة لكنها في النهاية لا تغير من الواقع شيئاً، فالأهالي يعودون بمجرد تأمين مناطقهم والأوضاع تعود إلى طبيعتها، كل ما في الأمر أنهم يزيدون انكشافاً وتعرية أمام الرأي العام.