الجديدبرس- تقرير- عدن
تراكمات كثيرة خلفتها سنوات من الفوضى والانفلات الأمني والأحداث والتناقضات على كل المستويات، مثلت فتيلاً أشعل الانتفاضة الشعبية التي شهدتها مناطق سيطرة التحالف وأطرافه، وخاصة الجنوبية منها، مؤخراً، ولم يكن الانهيار الاقتصادي وانحدار العملة المحلية إلى أدنى دركاتها، مقابل ارتفاع الأسعار إلى أعلى الدرجات، وتردي الخدمات وسوء المعيشة، سوى قشة قصمت ظهر البعير، وشرارة زادت غليان الشارع الجنوبي حِدة.
ومن خلال ما شهدته مدينة عدن وبقية محافظات الجنوب منذ سيطر عليها التحالف في العام 2015 وحتى اليوم، تبرز العديد من الملفات التي تحمل في طياتها الكثير من القضايا التي أدخلت الجنوب وأبنائه في نفق مظلم يصعب الخروج منه.
ملفات كثيرة انعكست بتناقضاتها على حياة المواطنين وتحولت إلى هموم يومية ومعاناة لا تنتهي، على المستوى الأمني والخدمي والحقوقي والعسكري، رافقتها تداعيات اقتصادية استهدفت في مجملها أبناء المحافظات الجنوبية، وأثرت على حياتهم المعيشية وأمنهم الاجتماعي، في ظل غياب حكومة هادي وتنصلها من القيام بواجباتها، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الوضع وتعدد الأزمات والقضايا والهموم لتشمل كافة مناحي الحياة وجعلت المواطن فريسة وعرضة للاستهداف من حين لآخر.
– سنوات الفوضى
مثلت الصراعات المسلحة والانفلات والفوضى الأمنية والعبث والنهب والسرقة والاختطاف وانتشار المخدرات، معاناة يومية وكابوساً يعيشه المواطنون في مناطق سيطرة التحالف، خاصة بعد أن تحولت الشوارع في عدن وغيرها من المدن إلى ساحة وميادين لتلك الصراع التي يذهب ضحيتها المئات من الأبرياء.
وبحسب تقارير لمنظمات حقوقية، فقد تم رصد أكثر من 390 حادثة اغتيال وأكثر من 100 محاولة اغتيال فاشلة، طالت في مجملها قادة عسكريين وقضاة وخطباء مساجد وقيادات أمنية ومسؤولين حكوميين وقيادات حزبية، ورغم أن جرائم الاغتيال قُيدت في مجملها ضد مجهولين، إلا أن أسلوب تنفيذها ظل يشير إلى أن العمليات يديرها التحالف وتنفذها عناصر أمنية ومسلحون محسوبون على تيارات وكيانات سياسية تمسك بزمام السلطة.
وفيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والاعتقالات والجرائم العنصرية وجرائم السطو المسلح على الأراضي والممتلكات العامة والخاصة تم رصد أكثر من ألف و896 جريمة، منها 178 جريمة سطو منظم طالت أراضي وممتلكات المواطنين في مدينة عدن، فيما تم رصد العشرات من عمليات السطو المسلح طالت مؤسسات حكومية ومتنفسات وحدائق عامة ومقابر ومواقع أثرية وشركات صرافة وسيارات مواطنين ورواتب موظفين في الدولة.
وكشفت إحصائيات لمنظمات حقوقية في عدن، عن قيام نافذين عسكريين وأمنيين بنهب أكثر من 11 ألف قطعة أرض تابعة لمواطنين وجمعيات سكنية حكومية وخاصة خلال السنوات الماضية، مشيرة إلى تعرض أرشيف هيئة أراضي وعقارات الدولة في مدينة عدن للإحراق، ما يؤكد ضلوع نافذين وراء عمليات السطو المنظم للأراضي ويكشف عن سعي لشرعنة تلك الأعمال.
– اختطاف الفتيات
لم تتوقف الجرائم الناجمة عن الانفلات الأمني الذي شهدته وتشهده مدينة عدن وغيرها من المدن، عند حدود الاغتيالات والتصفيات السياسية، بل تجاوزتها إلى تصاعد جرائم الاختطاف والإخفاء القسري والتي طالت الفتيات والنساء، وبلغت -وفقا لتقارير منظمات حقوقية- أكثر من 500 حالة اختطاف واغتصاب منذ سيطرة التحالف حتى يونيو الماضي، ما يكشف عن جريمة مُنظَّمة وممنهجة تتم برعاية أطراف قوية ذات تأثير في مكونات المشهد الجنوبي السياسية والعسكرية.
وتحولت ظاهرة اختطاف الفتيات من شوارع المدن إلى هم يومي ورعب يعيشه أبناء المدينة وحديثاً يتناقله الشارع الجنوبي من أقصاه إلى أقصاه، في ظل توارد أنباء منذ العام 2018م عن رعاية الإمارات لشبكات دعارة رسمية في عدن، واتهامات لقوات الانتقالي بالوقوف وراء عمليات الاختطاف بهدف ابتزازهن وإجبارهن على العمل ضمن “شبكات دعارة” يرعاها ضباط إماراتيون.
– مداهمات وتهجير
ومؤخراً ازدادت الأوضاع الأمنية والإنسانية في مدينة عدن تفاقماً بعد أن انعكست نتائج الاشتباكات والمواجهات المسلحة التي شهدتها مدينة كريتر -مطلع أكتوبر- بين قوات المجلس الانتقالي، على المواطنين، حيث شنت قوات الانتقالي حملات مداهمة استهدفت الأحياء السكنية وتم خلالها تنفيذ عمليات انتقامية بشعة بحق أبناء المدينة.
وتم استغلال المواجهات العسكرية التي دارت في كريتر وخلَّفت أكثر من 65 بين قتيل وجريح، وقامت قوات أمنية بتنفيذ عمليات اعتقال وهدم للمنازل وتهجير قسري طال 200 أسرة في أحياء “جبل الفرس” و”البوميس” في المدينة، وبحسب بيان لرابطة أمهات المختطفين في عدن، فقد تم تنفيذ 400 عملية مداهمة طالت العديد من الناشطين والحقوقيين وغيرهم من المواطنين البسطاء، مشيرة -في البيان- إلى أن من بين المعتقلين عدداً من كبار السن والأطفال.
ومما سبق، يمكن القول إن الضغوطات الكثيرة وما عاشه المواطنون في الجنوب من أزمات وصراعات ومعارك، ولد سخطاً شعبياً ظل يتصاعد تبعاً لاشتداد الأزمات، التي صنعت واقعاً مريراً كارثياً يتجرعه المواطنون ويعانون منه بشكل يومي، فالكثير من الأسباب والضغوطات ولدت الانفجار في الشارع الجنوبي الذي نراه اليوم، والذي يؤكد أن المواطنين بمختلف شرائحهم وصلوا لقناعة بأن سياسة التجويع والتركيع، استهدفت تدمير أمنهم وسلامهم الاجتماعي، واستقلالهم السياسي وإفقارهم وحرمانهم من أبسط الحقوق وأن عليهم الدفاع عن أنفسهم ورفض ومواجهة مثل هذه السياسات، والثورة عليها.