الجديد برس / تقارير / جريدة الأخبار:
لم يَعُد الحديث عن الخلاف بين قيادة التحالف السعودي – الإماراتي، وبين الأفرقاء اليمنيين الموالين له، يثير أيّ دهشة أو يحمل أيّ مفاجآت. إلّا أن الاطّلاع على بعضٍ من تفاصيل «الأوامر» المُوجّهة من «التحالف» إلى مَن يُفترض أنهم «رفاق سلاح»، بل و«إكراهِهم» على تنفيذها، يمكن أن يوضح خلفيّات الكثير من التطوّرات التي دفعت بشخصية من وزن الشيخ حميد عبد الله الأحمر، إلى اعتبار العلاقة بين الطرفين «مهينة». منذ البداية، بدت هذه العلاقة هجينة إلى حدّ كبير؛ فلا المناطق التي أعلن «التحالف» أنه «حرّرها» من قبضة «أنصار الله»، تمكّنت «الشرعية» من العودة إليها، ولا هو استطاع تثبيت نوع من الاستقرار فيها. على عكس ذلك، سريعاً نشبت الخلافات البَينية، وانقسمت ولاءات الأفرقاء بين السعودية والإمارات، وصولاً إلى ولادة «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي حمل لواء أبو ظبي في الجنوب. وفيما صارت الفصائل المتناحرة تتنازع السلطة والنفوذ والأدوار، وجدت السعودية والإمارات نفسَيهما تتعاملان بـ«القطعة» مع كلّ من «الانتقالي» وحزب «الإصلاح» و«الجيش الوطني» الموالي للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، بحسب مقتضيات المرحلة وحاجة المشروع، وهذا ما أدّى أيضاً إلى توتّرات وصدامات ميدانية.
في هذا السياق، تَكشف الوثائق التي اطّلعت «الأخبار» على نُسخ منها، عن فحوى لقاءٍ جمع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مع مسؤولين خليجيين، في 15 أيلول 2019، على ضوء التأزّم آنذاك بين حكومة هادي و«الانتقالي»، والذي دفَع الأولى إلى الطلب من سفرائها في الخارج التحرّك لإدانة موقف الإمارات وتحميلها مسؤولية ما يجري في الجنوب، سواءً عبر دعوة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية إلى تبنّي مشروع قرار معدّل في قمّة تونس، لا يورد أسماء الدول «الداعمة لليمن» حتى لا تُذكر الإمارات، أو حضّ مجلس الأمن الدولي على عقد جلسة لبحث «الهجوم الإماراتي على الجنوب ودعم التمرّد في عدن»، أو طرح انتهاكات القوّات الإماراتية داخل مجلس حقوق الإنسان. وبحسب الوثائق، فقد أكد ابن سلمان، في الاجتماع المذكور، أن الحوار بين «الشرعية» و«الانتقالي» يسير في «الطريق الصحيح»، وأنه شارف على صياغة اتفاق نهائي يفضي إلى تشكيل «كيان سياسي واحد» نصفه لـ«الشرعية» ونصفه الآخر لـ«الانتقالي». وهاجم ابن سلمان حكومة هادي، معتبراً أنها تحوي «الكثير من صُنّاع الشغب الذين سيتمّ إخراجهم منها»، مشيراً بالخصوص، من دون تسمية، إلى وزيرَي الخارجية السابق خالد اليماني، والداخلية السابق أحمد الميسري الموالي لـ«الإصلاح». كما قلّل وليّ العهد من أهمّية التحرّكات الأميركية والروسية في مجلس الأمن بخصوص اليمن، مدرجاً إيّاها في إطار «الضجّة الإعلامية»، فيما «تسعى الدول العظمى إلى تحويل اليمن إلى أفغانستان جديدة» بحسبه.
دائماً ما يقابَل رفْض الأوامر السعودية بإيقاف الإمدادات العسكرية والتغطية الجوية عن «الحلفاء»
مع ذلك، نجحت السعودية لاحقاً، في تشرين الأول 2021، ومن ورائها الولايات المتحدة، في إلغاء مشروع قرار قدّمته هولندا إلى مجلس الأمن لتمديد مهمّة فريق الخبراء الدوليين للتحقيق في جرائم الحرب في اليمن لمدّة عامين إضافيَّين. وعلى رغم أن كلام ابن سلمان حول تقاسم السلطة بين الحلفاء اليمنيين أعقبه، بالفعل، توقيع «اتفاق الرياض» في تشرين الثاني 2019، إلّا أن الاتفاق المذكور ظلّ متعذّر التنفيذ مذّاك، وصولاً إلى الفترة الأخيرة حيث بدا أن ثمّة محاولة لإعادة ترتيب صفوف المعنيّة به، على قاعدة تحجيم نفوذ «الإصلاح» لصالح أفرقاء آخرين. ولعلّ تلك المحاولة هو ما تشي به التحوّلات الأخيرة في الخارطة الميدانية، سواءً لناحية انسحاب الميليشيات الموالية للإمارات من محيط مدينة الحديدة، أو لناحية إعادة التموضع السعودية – الإماراتية في محافظة شبوة.
في الإطار نفسه، تكشف وثيقة أخرى أن نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، الذي يقود جهوداً بعيدة عن الأضواء لوقف الحرب بما يتماشى مع الرؤية الأميركية، طلب في 23 آذار 2021 وقْف العمليات على الجبهات الرئيسة، وتحديداً في مأرب وتعز وحجة، حيث تمّ إبلاغ وزير الدفاع في حكومة هادي، الفريق محمد المقدشي، بأوامر الأمير. لكن المقدشي أبلغ المسؤولين السعوديين الذين نقلوا إليه الأوامر بأن «قيادات الجيش يرفضون وقف المعارك»، معتبرين ذلك «خيانة لتضحياتهم»، ليأتي الردّ السعودي سريعاً بإيقاف الإمدادات العسكرية والتغطية الجوية في تعز خصوصاً، منذ آذار المنصرم. وبحسب الوثيقة نفسها، فقد عبّرت قيادات يمنية موالية للرياض عن استيائها من تغييب الرئيس المنتهية ولايته عن الاتصالات الجارية لوقف الحرب. وفي سياق تلك الاتصالات، أبلغت مصادر متابعة، «الأخبار»، بأن مسؤولين سعوديين مكلّفين بإدارة الشأن اليمني تواصلوا أخيراً مع المبعوث الأممي إلى اليمن، السويدي هانز غروندبرغ، عبر جهات وسيطة، محاوِلين إحياء مقترح «الحلّ المجتزأ»، وهو ما رفضته حركة «أنصار الله»، حتى قبل أن تتسارع التطوّرات في محيط مدينة مأرب لصالحها. وتوضح المصادر أن الحركة تقود المعركة على الجبهات المتعدّدة بشكل «منفصل ولكن متناسق»، وبالتالي فقد «تمّ وضع خطط وترتيبات خاصّة بكلّ جبهة»، مذكّرة بأن الحركة كانت قد «نصحت» غروندبرغ، أثناء لقاء سابق في مسقط، بأن «يتخطّى الجميع ملفّ مأرب»، والبدء بالتفكير بمرحلة ما بعدها.