الجديد برس / تقارير / جريدة الأخبار اللبنانية:
صنعاء | في الوقت الذي لم يُقدِم فيه على أيّ خطوة تجاه تعزيز حظوظ السلام، يعمل رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، على إعادة ترتيب صفوف القوات التابعة للحكومة الموالية لـ«التحالف» في مأرب. فالرجل، الذي أدّى صلاة العيد في القصر الرئاسي في عدن، وسط إجراءات أمنية مشدّدة، غادر بعدها سرّاً إلى مدينة مأرب على متن طائرة عمودية سعودية. وتفيد مصادر استخبارية في صنعاء، بأن زيارة العليمي التي استمرّت ثلاثة أيام ورافقه خلالها عدد من أعضاء المجلس، باستثناء طارق صالح وعيدروس الزبيدي، فرضتها عوامل عدّة، أبرزها: الصراعات المحتدِمة في أوساط القوات الموالية لـ«الشرعية» والخاضعة لسيطرة رئيس الأركان صغير بن عزيز الموالي لأبو ظبي، وميليشيات حزب «الإصلاح» التابعة لوزير الدفاع محمد المقدشي والتي تدين بالولاء لنائب الرئيس المُقال علي محسن الأحمر. كما أن تأمين تحرّكات «الرئيس» في مأرب خشيةَ تعرّضه للاستهداف من قِبَل «أنصار الله»، أضفى عاملاً إضافياً على سرية الزيارة.
وبحسب هذه المصادر، عَقد رئيس «المجلس الرئاسي»، منذ يوم الثلاثاء الماضي، عدّة اجتماعات مع قيادات عسكرية وأمنية وأخرى حزبية في المحافظة، في محاولة منه لإزالة التباينات في ما بينها، وخاصّة بعيد تصعيد «المجلس الانتقالي الجنوبي» التابع للإمارات، مطالبه بضرورة تنفيذ الشقّ العسكري من «اتفاق الرياض» الذي يُلزم ميليشيات «الإصلاح» الموجودة في وادي حضرموت وشبوة وأبين، على مغادرة مواقعها وإخلاء معسكراتها والعودة إلى مأرب للالتحاق بالجبهات هناك. وتأتي مهمّة توحيد الصفوف التي بدأها العليمي من مأرب، في إطار الاستعداد للتصعيد العسكري، المكُلّف به «المجلس الرئاسي» من قِبَل التحالف السعودي – الإماراتي.
والعليمي، الذي يَعتبر ترتيب صفوف القوات المسلحة من أولى مهامّه، يفتقد لأيّ رافعة عسكرية، ويُعَدّ الحلقة الأضعف من بين أعضاء المجلس الذين يشرفون على ميليشيات مسلّحة متعدّدة الولاءات، يُصعب دمجها وتغيير ولائها خلال مدّة قصيرة. من هنا، يرى مراقبون أن المهمّة الأولى للعليمي تبدأ بترتيب صفوف القوات الموالية للحكومة، خاصّة بعدما استغلّ «الإصلاح» ضعف الرئيس المعفى من مهامّه، عبد ربه منصور هادي، وتمكّن من تجنيد الآلاف، وأسّس عدداً من المعسكرات باسم «الشرعية»، فضلاً عن تمكّنه من تعزيز نفوذه العسكري في تعز ومأرب وشبوة وحضرموت تحت غطاء «الشرعية» أيضاً. ولم تكن هناك أيّ قوات تابعة لهادي، باستثناء ألوية الحماية الرئاسية التي كان يقودها نجله ناصر، الذي يخضع، منذ السابع من نيسان، للإقامة الجبرية مع والده في الرياض. ووفق مصادر عسكرية، فإن «الحماية الرئاسية» تتكوّن من خمسة ألوية بقوام يزيد على 12 ألف جندي، وقد تمّت السيطرة على ثلاثة معسكرات تابعة لها على أيدي ميليشيات «الانتقالي الجنوبي» في أحداث آب 2019، ولواءين كانا في مأرب وتعز حينذاك. ويتواجد عدد من هذه الألوية، حالياً، في منطقة شقرة في محافظة أبين، فيما لا يزال مصيرها غامضاً كون معظم منتسبيها من أبناء هذه المحافظة التي ينحدر منها هادي. وفي هذا السياق، قالت المصادر، لـ«الأخبار»، إن العشرات من عناصر «الإصلاح» ينخرطون في إطار اللواءين الثالث والرابع حماية رئاسية.
يحاول العليمي ترتيب أوضاع القوات التي كانت موالية لهادي كونها الرافعة العسكرية الوحيدة لـ«المجلس الرئاسي»
وفي أعقاب تأييد رئيس الأركان، صغير بن عزيز، لـ«المجلس الرئاسي» وإعلانه الولاء له، بدأ الرجل يمارس صلاحيات وزير دفاع، على رغم وجود وزيرٍ للدفاع في مدينة عدن. وخلال الأيام الماضية، زاد اعتماد العليمي على ابن عزيز بشكل أزعج عناصر «الإصلاح» في مأرب، وسط أنباء تشير إلى ترشّح رئيس الأركان لتولّي منصب وزير الدفاع في حكومة «الرئاسي» التي يُتوقع إعلانها خلال الأيام المقبلة. ويحاول العليمي ترتيب أوضاع القوات التي كانت موالية لهادي، كخطوة أولى على طريق دمْج الميليشيات الموالية لـ«التحالف»، كونها الرافعة العسكرية الوحيدة لـ«المجلس الرئاسي» الجديد، مقابل أكثر من 200 ألف عنصر تابع لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي»، منهم 40 ألفاً يمثّلون ميليشيات «العمالقة» في الساحل الغربي، فيما يقود عضو «الرئاسي» طارق صالح، أكثر من 19 لواءً عسكرياً في الساحل الغربي، وعدداً من الألوية الحديثة النشأة في مأرب، ويشرف «الإصلاح» على ميليشيات «الحشد الشعبي» (تعز) المكوّنة من أكثر من 12 ألف عنصر، وقيادة محورَين عسكريين في المحافظة نفسها تعمل بشكل مستقلّ عن القوات الحكومية.
وجاءت خطوة العليمي من مأرب، حيث يَتّهم الموالون للإمارات حزب «الإصلاح» بتجنيد أكثر من 75 ألف جندي وهمي في كشوفات الراتب فيها، في ظلّ اشتداد أزمة الثقة بين الحزب و«المجلس الرئاسي»، بعدما بيّن عدد من قرارات العليمي عن سيطرة إماراتية على قراراته، وهو ما يراه «الإخوان» استهدافاً ممنهجاً لنفوذهم.
في هذه الأثناء، يعمل التيار الموالي للإمارات، منذ عدة أشهر، على تعزيز نفوذه في مأرب بتمويل من أبو ظبي. ووفقاً لأكثر من مصدر، فإن ميليشيات طارق صالح التي عزّزت وجودها في محافظة شبوة خلال الفترة الماضية، تتّخذ من معسكر العلَم (كان يتبع للقوات الإماراتية)، مقرّاً لتدريب المئات من عناصرها الجُدد، على أن يجري نقلها إلى مأرب كقوات دفاع جديدة، وهو ما يثير توجّس «الإصلاح» هناك، والذي لا يزال يحتفظ بمكاسب مالية ضخمة (عائدات النفط والغاز المنزلي)، ولا سيما أن «قوات دفاع مأرب» الموالية للإمارات ستتولّى مهمّة حماية المدينة والمنشآت التابعة لها كالنفط والغاز، كما تتولّى «قوات دفاع شبوة» البالغ قوامها 30 ألف جندي، مهمّة تأمين منشأة بلحاف الغازية، بتوجيهات إماراتية، بدلاً من ميليشيات «النخبة الشبوانية» التي تخلّت الإمارات عن 7000 من عناصرها مطلع العام الجاري. وكشفت مصادر استخبارية، عن ضغوط تعرّض لها العليمي من قِبَل تيار الإمارات في المجلس الذي يرأسه، لتحريك جبهة مأرب خشية خداع «الإصلاح» للمجلس وتسليم المدينة ردّاً على تهميشه، وتصاعدت هذه الضغوط بعد فشل زيارة «الرئاسي» الأخيرة للرياض وأبو ظبي في إزالة التباينات بين أعضائه.