الجديد برس / تقارير / جريدة الأخبار اللبنانية:
يكشف وضْع العراقيل المتعمَّد للهُدَن في الحرب اليمنية، النوايا الحقيقية للإدارة الأميركية، والتي تريد استمراراً للحرب بأدوات ناعمة، بعدما أرغمتها الحرب في أوكرانيا على مقاربة هيمنتها في الشرق الأوسط، بصورةٍ مختلفة. ويُتوقّع، في ظلّ الهدنة الحالية، أن يتواصل الضغط الاقتصادي والتحكّم بالمعابر البحرية والجوية والتلاعب بالقضايا الإنسانية الخاصّة باليمنيين، إذ تراهن واشنطن، نيابةً عن نفسها وعن التحالف السعودي – الإماراتي، على تحقيق ما فشلت العمليات العسكرية في تحقيقه. وتتوقّع دول العدوان أيضاً أن يمهّد الهدوء الأمني إلى نشوء تحدّيات داخلية، أو أن تشكّل القضايا المطلبية والحياتية ضغوطاً كبيرة على القيادة السياسية في العاصمة صنعاء. وكما تدخّلت واشنطن لمساندة «التحالف» عسكرياً، ومنعت وصول قوات صنعاء من الوصول إلى الموارد النفطية، فهي تلعب الدور ذاته في زمن الهدنة، وربّما لاحقاً في المفاوضات النهائية والحلّ الشامل، أي منْع اليمن من امتلاك المقوّمات الاقتصادية.
واستناداً إلى ما تقدَّم، لن يكون أمام اليمن إلّا الالتزام بالثوابت التي تتّصل بالمقوّمات الاقتصادية، حتى وإن كان الثمن استمرار الحرب بتكتيكات مختلفة عن السابق. لهذا، فإن على أصحاب القرار في الولايات المتحدة والخليج أن يكونوا مدركين لجدّية حركة «أنصار الله» في انتزاع الحقوق الاقتصادية والإنسانية، خصوصاً أن صنعاء ستضغط بالوسائل كافة لنقل الحرب من الجوانب الاقتصادية التي تتحكّم فيها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة، إلى الجوانب العسكرية التي يجيدها الجيش اليمني بشكل متقَن. وعلى رغم أن سياسة التجويع والحصار الأميركية على اليمن لن تجلب سوى مزيد من البؤس، تتّجه الولايات المتحدة، في الوقت الراهن، إلى اعتماد هذه السياسة بوصفها استراتيجية ثابتة في الهدن، وكذلك في مفاوضات الحلّ النهائي. وعلى هذه الخلفية، حذّر نائب وزير خارجية صنعاء، حسين العزي، أوّل من أمس، «التحالف» ممّا وصفها بـ«مغامرات جديدة في اليمن»، في إشارة إلى ما يُخطَّط له خلال فترة الهدنة. وقال العزي، في تغريدة على «تويتر»، إن «مغامرات التحالف في اليمن، ستفضي، هذه المرّة، إلى تداعيات خطيرة ومربكة على منطقة الخليج ككلّ، وهذا بالتأكيد لن يكون في مصلحة أحد»، في إشارة إلى امتلاك صنعاء أوراق قوّة تتمثّل في قدرتها على استهداف المصالح الاقتصادية الخليجية. لهذا، ليس مستبعداً، إذا استمرّ التسويف والمماطلة ومحاولات تكريس الوضع الراهن، أن تضطر صنعاء لتوجيه صفعة مدوّية لتبديد الرهانات الخاطئة (تفريغ الهدنة من محتواها).
تقوم السلطات المصرية بالدور المعرقل للهدنة، خدمةً لمصالح أصحاب القرار السعوديين
ويرجّح مراقبون أن من أهمّ أسباب الهدنة، احتواء حركة «أنصار الله» بعد التعثّر في كسْر شوكتها خلال الحرب. ففي العلن، تشجّع الولايات المتحدة على تمديد الهدنة حتى تُحقِّق هدفها المنشود، وتدّعي حرْصها على المحافظة على عناصر الهدنة وعدم استفزاز الطرف الآخر، أو إبطاء معدّل تفريغ سفن الوقود حمولتها في الحديدة. وهي لا تترك مناسبةً إلّا وتذكّر بالفوائد الملموسة للهدوء الهشّ في هذا البلد، إذ اعترف المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، أن لبلاده دوراً أساسياً خلف الكواليس لإنجاح الهدنة وتمديدها وصولاً إلى مفاوضات الحلّ الشامل، قائلاً: «أودّ أن أترككم مع فكرة أن الهدنة إنجاز قوي جدّاً. أكرّر أنه لو نظرنا إلى الوضع الذي كنّا فيه قبل بضعة أشهر وقارنّاه بما توصّلنا إليه الآن لناحية الاشتباكات، لوجدنا أن الخسائر في صفوف المدنيين تتراجع. إذا نظرتم إلى الرسوم البيانية التي تظهر القتال في اليمن والضحايا المدنيين، لوجدتم الرسم يتّجه نحو الأسفل منذ 2 نيسان. ولهذا، أعتقد أنّنا نستطيع الإشارة إلى فائدة ملموسة لليمنيين».
غير أن الوقائع على الأرض تناقض الإعلانات الأميركية، بعدما بات واضحاً أن دول العدوان تعمل على تفريغ الهدنة من عناصرها الإنسانية، وهي تتعمّد تفعيلها فقط بما ينسجم مع مصالحها المقتصرة على وقف العمليات العسكرية مع إبقاء الحصار باعتباره ورقة القوّة الرئيسة. وتجدر الإشارة إلى أن الهدنة المؤقّتة في حرب اليمن، تقوم على عناصر عسكرية وإنسانية، وقد قُيّدت بشروط أبرزها: تحديد عدد ناقلات المشتقّات النفطية، وتقييد الرحلات الجوية بوجهتَين فقط: الأردن ومصر. وشكّل اقتصار الرحلات الجوية بين صنعاء والقاهرة على رحلة واحدة، استفزازاً للشعب اليمني، فضلاً عن التلاعب بأعصاب آلاف المرضى والركاب الآخرين بعد الإعلانات المتكرّرة عن تأجيل الرحلات من القاهرة إلى صنعاء، بدعوى عدم حصول الشركة اليمنية على ترخيص من السلطات المصرية بهبوط طائراتها القادمة من صنعاء. وعلى رغم أن تلك السلطات استجابت لطلب واشنطن والأمم المتحدة و«التحالف» وتلقّى مسؤولوها العديد من الاتصالات الأميركية والأممية لشكر قيادتها على السماح للطائرات اليمنية بالهبوط في مطار القاهرة، إلا أن مصادر مطلعة أفادت «الأخبار» بأن السلطات المصرية تقوم بالدور المعرقل للهدنة، خدمةً لمصالح أصحاب القرار السعوديين.