ومن خلال لمحة سريعة على الميدان، ووفق سيناريو انهيار الهدنة، تبدو الأطراف المحلّية التابعة لـ«التحالف» غير مستعدّة للتحرّك باتجاه الجبهات في الشمال في مواجهة صنعاء، بينما تبدو فرص الحرب أقوى بين أتباع «التحالف» أنفسهم، في مناطق سيطرته، وخصوصاً في حضرموت وأبين وشبوة وتعز، ليس لأن «التحالف» لا يريد الحرب في الشمال، ولكن بسبب عجز القوات التابعة له عن تحقيق أيّ انتصار، أو حتى تأسيس قوة نظامية متماسكة، على غرار تلك التابعة للإمارات في الجنوب، سواءً «ألوية العمالقة» أو ميليشيات «المجلس الانتقالي»، فيما فشلت محاولات إسقاط هذه النماذج شمالاً، ولم تستطع الرياض استنساخ تجربة «العمالقة» السلفية في مأرب وحرض. وعلى الرغم من تشكيل المملكة قوات تحت مسمّى «اليمن السعيد»، والزجّ بها في شباط الماضي، في معركة حرض التي ساندتها فيها القوات السعودية والسودانية، إضافة إلى قوات المنطقة الخامسة التابعة لـ«الشرعية»، إلّا أنها فشلت في تحقيق أيّ اختراق.
في موازاة ذلك، تبدو القوات التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، والتي تتمركز في المخا، غير مستعدّة لفتح معركة، بل إنها لم تحقّق نصراً في أيّ جبهة، كنموذج حيّ واحد يؤهّلها للعب دور عسكري مستقبلي، وهي قوات تلعب دوراً محورياً في تأمين المناطق الخاضعة لسيطرة الإمارات، بعد أن تكون قوات أخرى قد انتزعتها (إما «العمالقة» أو «الانتقالي»). هذا الإخفاق لقوات طارق، سواءً في تجربتها العسكرية، أو في بنيتها التنظيمية التي تتعرّض دائماً لانشقاقات في اتّجاه صنعاء، يفسّر تغيير الرهان على دور طارق من العسكري إلى السياسي، وتحويل القوات التابعة له إلى كيان سياسي تحت اسم «المكتب السياسي للمقاومة الوطنية» قبل تعيينه هو في منصب عضو «مجلس القيادة الرئاسي». في مقابل هذا الإخفاق في الساحل الغربي، لا تبدو قوات ما يسمّى «الجيش الوطني» في مأرب في وضع مغاير، حيث تعيش مرحلة انتقالية بعد إقصاء القائد الفعلي لها، علي محسن الأحمر. بالتالي، فإن أقصى ما يمكن أن تفعله هو الحفاظ على ما هو تحت سيطرتها من مناطق في مأرب. وفي ظلّ هذا الواقع «المترهّل» شمالاً، ترفض القوات الجنوبية، سواءً «العمالقة» أو «الانتقالي»، خوض معارك في جبهات الشمال نيابة عن أبنائها. ووفق تصريحاتها، فهي لا تمانع أن تساند أيّ جبهة مفتوحة شمالاً، لكن من دون أن تتصدّرها هي. هذه المعطيات مجتمعة تؤكد أن رياح الهدنة جاءت بما لا تشتهي سفن «التحالف»، لكن مصلحة الأخير واضحة في بقاء الواقع الراهن على ما هو عليه، حيث لا سلام شاملاً ولا حرب حاسمة.