الجديد برس / إبراهيم القانص:
يقترب اليمنيون من منعطف خطير، يضع استقلال بلادهم ووحدتها وثرواتها السيادية على المحك، وأكثر من أي وقت مضى أصبحوا أمام واقعٍ خياراتهم فيه محدودة، فإما أن يقرأوا واقعهم كما هو بعيداً عن نزاعاتهم الداخلية، ليكتشفوا في ملمح منه أن أجزاء ليست بالقليلة من أرضهم لم تعد تحت سيطرتهم أو تصرفهم، وأنهم مطالبون بانتزاعها وإعادتها إلى السيادة الوطنية،
وإما أن يظلوا تائهين خلف أوهام التحالف، الذي استخدمهم لتسهيل مهمة قذرة في بلادهم، وتحقيق أهداف مشبوهة تقف خلفها أبرز الدول الاستعمارية القديمة، وفعلياً أدخلها إلى الأراضي اليمنية، ولم يعد الأمر لغزاً ولا سراً يُخبَّأُ خلف الشعارات الطنانة والعناوين المضللة التي بررت التدخل العسكري، فكل شيء أصبح معلناً ويتم في وضح النهار، وتحت غطاء “الشرعية”، الصفة التي منحها التحالف لحكومة فتحت له حدود وأجواء البلاد وخزائنها السيادية التي تُنهب من باطن الأرض وظاهرها.
الأحداث والتحركات الأخيرة للتحالف عبر أدواته المحلية، كشفت الخلاصة من تدخله العسكري في اليمن، فقتامة المشهد وتعقيداته والمآلات الكارثية التي انتهت إليها الأوضاع على المستويات كافة، تضع أمام اليمنيين حقيقة الأهداف والنوايا، بل وتكشف هوية القوى التي تدير الحرب وتنفذها بشكل مباشر وغير مباشر، حيث لم تكن الإمارات والسعودية سوى أدوات فقط، لتنفيذ خطط تم وضعها مسبقاً، وتم العمل عليها بواجهات بعيدة عن الحقيقة، لكن مجريات الأحداث تنبئ بأن القوى الدولية تدشن مرحلة جديدة من الحرب على اليمن، حيث يرجح مراقبون أنها مرحلة تنتهي فيها مهمة الوكلاء، ليتسلَّم اللاعبون الأساسيون ما كانوا في انتظاره وإدارته بشكل مباشر.
وتتمثل المرحلة الجديدة من الحرب على اليمن في تصاعد وتيرة الصراع بين الأطراف المحلية الموالية للتحالف، والذي أصبح ذا أبعاد مناطقية وطائفية، ولا تزال الرياض وأبوظبي تغذيانها وتؤججان نارها، في وقت ينشغل الرأي العام المحلي والإقليمي بمسألة الهدنة، التي أظهرت الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة والمشاركة في الحرب، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، اهتماماً غير مسبوق من أجل التوصل إلى الاتفاق عليها، ومن ثم من أجل تمديدها، إلا أن ما حدث ولا يزال يحدث بالتوازي مع الهدنة يكشف أسرار ذلك الاهتمام، فالقوات الأجنبية الأمريكية والبريطانية والفرنسية تتوافد- كما لم يحدث من قبل- بشكل مسعور على المحافظات اليمنية التي تُعدّ أهم منابع الثروات النفطية والغازية، رغم أنها كانت تحت سيطرة القوات الإماراتية والسعودية إلا أن الأمر يبدو أشبه بإجراء دور وتسليم، فالقوات الأمريكية تصل تباعاً إلى حضرموت النفطية، وبدأ خبراؤها العسكريون بدراسة المناطق المزمع إنشاء قواعد عسكرية فيها، كما وصلت كتائب من القوات الفرنسية إلى محافظة شبوة، وتحديداً إلى منشأة بلحاف الغازية، التي كانت تعسكر فيها القوات الإماراتية، بينما الأدوات المحلية الموالية للإمارات تمهّد الطريق باتجاه محافظة مارب الغنية بالنفط، في إطار عملية تصفية قوات الإصلاح التي كانت تبسط نفوذها على تلك المناطق، إلا أن مهمتها كما يبدو قد انتهت ولم يعد التحالف بحاجة إلى خدماتها، وليست محافظة المهرة بمنأى عن هذا السياق، فالوجود العسكري البريطاني في تزايد مستمر هناك، ومثله الأمريكي، وتستقبل الجميع القوات السعودية التي اتخذت مطار الغيضة مقراً لها وللوافدين الجدد، والأغرب في ذلك كله هو أن واشنطن وباريس ولندن أعلنت بكل جرأة تواجد قواتها في تلك المناطق اليمنية، وبالتالي لم يعد دورها خفياً بل أصبح معلناً ومباشراً، الأمر الذي يضع اليمنيين أمام حتمية وقف هذا التوسع غير العادي وغير المبرر، وضرورة اتخاذ موقف حاسم من حكومة الشرعية التي أوصلت البلاد إلى هذا المستوى من الانتهاك والاستباحة.
ويرى مراقبون أن التحركات المتسارعة للتحالف من خلال أدواته في مناطق الثروات التي يسيطر عليها، وتمكين القوات الأجنبية من تكثيف وجودها بشكل مباشر وعلني، بالتزامن مع سريان الهدنة الإنسانية التي ترعاها الأمم المتحدة، لا يحمل أي دلالة على صدقه فيما يخص السعي لوقف الحرب، بل يبدو أن الهدنة كانت هي الأخرى غطاء لتدشين مرحلة جديدة يظهر فيها أصحاب المصلحة الأكبر، بعدما ظلوا في الخفاء طيلة سبعة أعوام، وبمعنى أصح ظلوا ينكرون دورهم ومشاركتهم في الحرب طيلة هذه المدة، أما وقد أعلنوا دورهم بهذا الوضوح فإن الخيار الأوحد لليمنيين الآن هو تحرير الأرض واستعادة القرار والسيادة، ولا مجال للانجرار خلف الشعارات الزائفة التي أضاعوا بسببها أرضهم وثرواتهم.
المراقبون أشاروا إلى أن حكومة الشرعية- بتبعيتها المطلقة للتحالف والقوى التي تحركه- جعلت تلك القوى تنظر إلى اليمن وثرواته على أنه ملك خاص بها ولها حرية التصرف به وبثرواته ومواقعه الاستراتيجية، خصوصاً أنها لا تزال تدعي تمثيلها لليمنيين بدون أي صفة شرعية أو قانونية سوى الوهم الذي ألبسها التحالف “الشرعية”، وهي صفة لا تتعدى كونها قناعاً غطى به التحالف والحكومة الموالية له أكبر عملية خيانة في التاريخ المعاصر.
في السياق، يلفت المراقبون إلى أن سلطات صنعاء كانت أكثر وعياً بما يضمره التحالف، وعلى يقين بمن يقف خلفه، وظلت طيلة الأعوام السبعة منذ بدء الحرب، تكاشف اليمنيين بقوى عالمية تقف وراء التدخل العسكري، وأن تلك القوى تختبئ خلف واجهات زيّفت الواقع، وطالما وجّهت نداءاتها للأطراف اليمنية التي تقف إلى جانب التحالف، وفي مُقدَّمِها حزب الإصلاح- الأكثر ولاء وحشداً لأنصاره وعناصره للقتال ضد قوات صنعاء- إلا أن أحداً لم يُعِرها اهتماماً، بل اتخذوها مادة للسخرية ليحظوا برضى التحالف، حتى بدأ بتصفية قوات الحزب وفرض الإقامة الجبرية على قياداته التي لم تكن قد غادرت السعودية، وإذا بهم يئنون تحت وطأة الحقيقة التي طالما أشاحوا بوجوههم عنها، مدركين أنهم وقعوا في فخٍ لا يلوح في الأفق أي مؤشر لإمكانية نجاتهم منه.
*البوابة الإخبارية اليمنية