الجديد برس / تقارير / جريدة الأخبار اللبنانية:
صنعاء | بينما تدير الإمارات على أرضها منذ أسابيع حواراً بين أعضاء «المجلس الرئاسي» المتصدّع، وافقت حكومة عدن على تأجيرها ميناء قشن الواقع على شواطئ محافظة المهرة، مُتجاهِلةً كلّ الأصوات الشعبية المناهِضة لصفقة تسليم الميناء لشركة شبه وهمية، تتّخذها أبو ظبي كغطاء محلّي للسيطرة على ثاني أهمّ موانئ المحافظة، وأحد أهمّ الموانئ الاستراتيجية شرق البلاد. ويأتي ذلك بعد أن تمكّنت الإمارات من السيطرة على ميناء عدن عبر ميليشيات «المجلس الانتقالي» التابعة لها، وأيضاً على ميناء بلحاف لتصدير الغاز الواقع على شواطئ شبوة، وميناء الضبة النفطي شرق المكلا، وميناء الشحر في حضرموت. وعلى خلفية الصفقة الأخيرة، تصاعدت المطالبات المُوجَّهة إلى حكومة معين عبد الملك، بالكشف عن بنود الاتّفاقية الموقَّعة لمصلحة «إجهام للطاقة والتعدين»، حديثة النشأة والتابعة لقياديين محليين موالين لأبو ظبي لم يسبق أن مارسوا أيّ نشاط في مجال التعدين وإدارة الموانئ.
وكانت الحكومة المُشار إليها برّرت إقدامها على الاتفاقية بـ«استقطاب الاستثمارات»، وإتاحة المجال للقطاع الخاص لإدارة مشروعات في مجال التعدين، وبخاصة في مجال الحجر الجيري، مُدافِعةً، عقب اجتماعها السبت الماضي، بأنها وافقت على عقْد إنشاء الميناء المخصَّص للنشاط التعديني بعد مراجعته من قِبَل لجنة وزارية واستيعاب الملاحظات المقدَّمة عليه، من دون تقديم مزيد من التفاصيل. وفي الوقت الذي أخفت فيه هوية الشركة وتبعيّتها للإمارات، وافقت في الاجتماع نفسه على عقد شراكة مع «أبو ظبي للاستثمار» في قطاع الاتصالات. وفي المقابل، وصفت حكومة صنعاء الصفقة الجديدة بـ«الباطلة»، مؤكدةً، على لسان نائب وزير خارجيتها حسين العزي، أنها لا تعترف بأيّ اتفاقيات مع السلطة الموالية لـ«التحالف»، مضيفة أنها «تَعتبر مِثل هذه الاتفاقات عدمية، وليست لها أيّ قيمة قانونية ولا تحوز على صفة الإلزام بالمطلق».
وبدأت خطّة الإمارات للسيطرة على الميناء الواقع في شواطئ محافظة المهرة على البحر العربي، بإنشاء شركة تُدعى «إجهام للطاقة والتعدين المحدودة» في عدن العام الماضي، بتاريخ قديم يعود إلى العام 2017، وبرأسمال لا يتجاوز 20 مليون ريال يمني، أي أقلّ من 20 ألف دولار (الدولار يساوي 1200 ريال بسعر صرف عدن). وأعقب ذلك إبرام اتفاق بين وزير النقل في حكومة معين عبد الملك، عبد السلام حميد، وهو موالٍ لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» ويرأس اللجنة الاقتصادية التابعة له، والشركة التي سُجّلت باسم قيادي في «الانتقالي»، على تأجير الميناء للأخيرة مقابل بدل سنوي يصل إلى 100 ألف دولار. وبحسب مصادر في حكومة عدن، فإن مشروع الاتفاق لم يُعرض على مجلس الوزراء قبل أن تُوقّع عليه وزارة النقل، التي رضخت أخيراً للضغوط الإماراتية. ومَنح المشروع، الذي تصل تكلفته إلى 130 مليون دولار، «إجهام للطاقة والتعدين» حق الامتياز في إنشاء وإدارة وتشغيل وإعادة تسليم الميناء البحري في مديرية قشن بنظام «B.O.T»، ملزِماً إياها بإنشاء ميناء لتصدير الحجر الجيري الذي يتواجد بكمّيات تجارية كبيرة في جبل شروين القريب من مديرية قشن، مكوّن من لسان بحري على عدّة مستويات، تشمل كاسر أمواج بطول 1000 متر، ورصيفاً بحرياً بطول 300 متر لرسوّ السفن، وغاطساً يبلغ 14 متراً، في مرحلته الأولى عقب التوقيع. إلّا أن الشركة لم تمتلك أيّ أصول تؤهّلها لإنشاء ميناء بهذا الحجم، وسط حديث عن استعانتها بشركات إماراتية لتنفيذه، وهو ما يعدّ تسليماً للمرفق إلى الجانب الإماراتي بطريقة غير مباشرة.
أعلنت لجنة الاعتصام في محافظة المهرة رفضها المطلق للصفقة
وأثارت الصفقة انتقادات حادّة من قِبل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، بخاصة أنها منحت الشركة المستثمِرة الحق في امتلاك المشروع واستلاب مهمّة الإشراف والحماية من الجانب اليمني، وحدّدت مدة استغلال الميناء بخمسين عاماً قابلة للتجديد للفترة نفسها. كما أعطت المستثمِر الحق في تصدير الحجر الجيري، إضافة إلى تناول الحاويات والبضائع الجافة والسائبة والسائلة والمحلّية في الميناء، مع تموين السفن والترانزيت وأيّ أنشطة تجارية أخرى يتّفق عليها الطرفان، وهو ما يعني تحويل المرفق إلى ميناء متعدّد المهام. وعلى هذه الخلفية، يُتوقّع اندلاع تحرّكات احتجاجية تقودها قبائل المهرة التي ترى أن تأجير الميناء يتناقض مع مصالح أبنائها ويتعارض مع متطلّبات أمن المحافظة. وفي هذا الإطار، أعلنت لجنة الاعتصام في المحافظة، الأحد الماضي، رفضها المطلق للصفقة، وأكدت أنها لن تسمح بتمريرها كون الإمارات تسعى لإنشاء ميناء عسكري في سواحل المحافظة بهدف تكريس وجودها فيها، معتبرةً الاتفاق «مؤامرة جديدة ضد المهرة وأبنائها وثرواتها».