الجديد برس:
أوضح خبراء دوليون أن البنك المركزي اليمني في عدن يواجه تحديات ناجمة عن التنافس الجاري بين أطراف الصراع على الموارد، مؤكدين عجز البنك عن تنظيم المؤسسات المالية للاستفادة من المساعدات.
وأكد الخبير الاقتصادي أليكس هاربر- في ورقة عمل نشرها موقع مركز صنعاء للدراسات- أن هذه التحديات تتزامن مع انحسار ثقة الجهات الأممية والمانحة بجدوى العمل بمقترحات البنك المركزي في عدن المتصلة بتحويل المعونات والمساعدات الخارجية عبره، خشية تسييس التدخلات الإغاثية والمساعدات الإنسانية.
الورقة التي أعدها الخبير الدولي في إطار مشروع “آفاق تحسين تقديم المساعدات الإنسانية في اليمن من منظور اقتصادي ومحلي” المُموّل من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون؛ أشارت إلى أن الانقسام المالي (الناجم عن نقل وظائف وعمليات البنك المركزي من صنعاء إلى عدن) أدى إلى تبني سياسات اقتصادية ونقدية متباينة.
ونبَّهت الورقة إلى أن ذلك أدى لتفاقم تدهور الوضع المعيشي في البلاد، خصوصاً مع بروز التفاوت في سعر صرف الدولار بين منطقتين اقتصاديتين، حيث انهارت قيمة “الريال” في نطاق الحكومة اليمنية 1,725 ريالاً للدولار الواحد، بينما بلغ سعره في نطاق حكومة صنعاء 600 ريال للدولار، في ديسمبر 2021م، مشيرة إلى أن الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة باتت تحصل على أسعار صرف غير ملائمة لمشاريعها المنفذة في مناطق سيطرة الحكومة، مع اعتماد البنوك التي تتخذ من صنعاء مقراً لها أسعار صرف مقاربة للسعر المعتمد من سلطات من وصفتهم بالحوثيين (حكومة صنعاء).
وأشارت الورقة إلى المحاولات التي بذلت لمساعدة البنك في السنوات الماضية، كتقييد الوديعة السعودية بقيمة ملياري دولار أمريكي لحساب البنك في عدن عام 2018، والوديعة الثانية في فبراير 2023م، بالإضافة إلى عقد البنك منذ نوفمبر 2021 مزادات أسبوعية لبيع العملات الأجنبية للبنوك اليمنية بسعر مُخفّض بهدف تخصيصها لمستوردي السلع الأساسية.
وتؤكد الورقة أنه رغم هذه المحاولات، ما تزال احتياطيات الحكومة من النقد الأجنبي في حدها الأدنى، ويتزامن هذا مع ضبابية تحوم حول قدرة الحكومة مستقبلاً على الاستمرار في تنظيم مزادات بيع العملات.. لافتة إلى أن توقف صادرات النفط اليمنية، بعد قرار صنعاء حظر التصدير-مشترطة صرف مرتبات جميع موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين من عائدات النفط والغاز- ضيَّق الحبل حول عنق الحكومة.
وأوضحت ورقة العمل الاقتصادية أنه رغم اعتماد اليمن على الواردات لتلبية معظم احتياجاته من الوقود والغذاء، إلا أن القدرة المحدودة على تغطية تكاليف استيراد هذه السلع تظل أكبر عوامل انعدام الأمن الغذائي.
وبيَّنت أن الأمم المتحدة بادرت في 2021م بالتعاون مع البنك المركزي في عدن لتقييم أسعار صرف الودائع المرتبطة بأموال المساعدات، لكنها خلصت إلى أن مخاطر السوق عالية جداً مقابل المنفعة المحتملة المتدنية للغاية لأي تعامل مباشر مع البنك.
وقالت الورقة: رغم أن المساعدات الإنمائية الخارجية لليمن بلغت مليارات الدولارات سنوياً منذ عام 2015، إلا أن المبالغ الفعلية المُحوّلة إلى المؤسسات المالية اليمنية أقل بكثير من ذلك، وكذلك الأمر بالنسبة للمبالغ التي يتم مصارفتها إلى الريال اليمني.
وفي اتهام ضمني للأمم المتحدة بالتلاعب بالمساعدات الخارجية عبر صرفها على النفقات التشغيلية للمنظمات التابعة لها وشراء المساعدات من الخارج الذي حرم اليمن من تدفق جزء كبير من العملة الصعبة، أشارت الورقة إلى أن نسبة كبيرة من المساعدات الخارجية، وخاصة المساعدات الإنسانية، تصرف على شراء المساعدات العينية من خارج اليمن، والنفقات بالعملة الصعبة داخل اليمن (لتغطية الرواتب، المشتريات، إلخ).
ولفت الخبير الاقتصادي في مركز صنعاء للدراسات أليكس هاربر، إلى أن أي تعامل مباشر مع الجهات المالية في اليمن ينطوي على خطر استخدام المساعدات لدعم الأجندات السياسية، خصوصاً في ظل “الحرب الاقتصادية”، تزامن هذا مع تدني مستوى ثقة الجهات الفاعلة في مجال الإغاثة بشكل عام في المؤسسات الحكومية اليمنية.
وأضافت ورقة العمل التي نشرها مركز صنعاء للدراسات: “إن المقترحات المطروحة من المؤسسات المالية اليمنية (كالطلب المقدم من البنك المركزي اليمني في عدن عام 2021) تنطوي على دوافع ذاتية، ولا تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الكامنة في مثل هذه التعاملات، كخطر تسييس المعونات/ المساعدات واستغلالها”، حسب تعبيرها.
وأشارت الورقة إلى الضبابية التي تتسم بها عمليات البنك المركزي في عدن، حيث يعقد مزادات لبيع العملة الأجنبية من أجل دعم البنوك، ومن خلالها دعم المستوردين الذين تشتد حاجتهم للعملة الصعبة (..)فرغم الإفصاح علناً عن المبالغ المعروضة في المزادات والسلع، تُحجب أسماء البنوك والتجار المشترين للعملة الأجنبية وكذلك المعلومات المتعلقة بمصدر العملة الصعبة المعروضة للبيع.
ودعت الورقة البنك المركزي في عدن إلى انتهاج أكبر قدر من الشفافية فيما يتعلق بالإفصاح عن مصدر العملة الصعبة المعروضة للبيع في مزاداته المنعقدة بشكل منتظم، وأن يضغط على البنوك/ المؤسسات المُشترية للعملات المعروضة في المزادات لتوضيح متى تُستخدم لدعم استيراد السلع الأساسية، كالغذاء والوقود.
وأوصت الورقة وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدولية المنخرطة في الاستجابة الإنسانية وتوفير المساعدات في اليمن، بضرورة تجميع البيانات المالية على المستوى المحلي لتحديد المبالغ التي تُحوّل إلى البنوك اليمنية وخلال أي فترات زمنية، لإنشاء الأسس اللازمة لنظام يربط التحويلات المالية الدولية بشكل أقوى بالاحتياجات التمويلية لمستوردي السلع الأساسية والضرورية في اليمن.
وشددت على ضرورة نشر الهيئات الاقتصادية اليمنية البيانات المتعلقة بتحويلات المعونات/ المساعدات المتدفقة إلى المؤسسات المالية اليمنية كلما كان ذلك ممكناً، مطالبة المجتمع المدني اليمني والجهات الفاعلة الدولية والجهات الفاعلة في القطاع الخاص (التجار المستوردين والمؤسسات المالية على حد سواء)، بضرورة التعاون من أجل استكشاف سُبُل وضع آلية محايدة تضم طرفاً ثالثاً لتجميع البيانات المالية المتعلقة بتحويلات المعونات/ العمل الإنساني.