الجديد برس:
تسارعت الأحداث في الملف اليمني بشكل كبير خلال الأيام القليلة الماضية، بعد تحذيرات قائد أنصار الله عبدالملك الحوثي، وتلويحه بضرب العمق السعودي، والتي أشعلت جذوة الجمر في مخاوف قوى التحالف السعودي الإماراتي، قبل أن تضطر الأخيرة على عجل لإرسال وفد الوساطة العماني مجدداً إلى العاصمة اليمنية، تفادياً لانفجار بركان صنعاء الهائج في وجه الحصار الجائر والتوحش والاسفاف التي تفرضه هذه القوى بمعية الغرب.
زيارة وفد الوساطة العماني، الأخيرة التي استمرت لأربعة أيام من المشاورات المكثفة مع قيادة صنعاء، تركزت بحسب المعلومات على صرف المرتبات والفتح الكامل للحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، وهي المطالب الأساسية التي تتمسك بها صنعاء، كشرط للمضي قدماً في المفاوضات السياسية مع قوى التحالف السعودي الإماراتي.
صنعاء وضعت وفد الوساطة العماني، أمام الصورة النهائية لموقفها الحازم والحاسم، والذي لا رجعة فيه، ويقضي تحت عنوان بين قوسين ” تنفيذ الإستحقاقات الإنسانية” قبل أي حديث عن أية مفاوضات، أو العودة إلى الحرب وتفعيل الخيار العسكري، وهذا ما لوح به رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء، مهدي المشاط، خلال لقاءه بوفد السلطنة.
الرئيس المشاط، أكد أنهم” لم يعد من المقبول الاستمرار في الوضع الراهن الذي يعيشه أبناء اليمن في ظل استمرار العدوان وكل مظاهر الحصار والتجويع، وأن صبر الشعب قارب على النفاد “، مشيراً إلى أن الوقت ليس مفتوحاً أمام التحالف للتهرب من الاستحقاقات الإنسانية العادلة للشعب اليمني، وأن استمراره في المراوغة سيعود عليه بنتائج ” لا يرغبها”، في تلويح صريح باستئناف العمليات العسكرية في حال استمرت قوى التحالف بالتنصل عن تنفيذ إلتزاماتها الإنسانية.
من الواضح أن مطالب صنعاء واضحة وصريحة، ومن المتوقع أن يطرح وفد الوساطة العماني، هذه المطالب في أسماع السعودي، على أنها في سياق “التحذيرات الأخيرة” التي تطلقها صنعاء، قبيل تفعليها للخيار العسكري، في وقت ليس أمام قوى التحالف إلا المباشرة في التعاطي مع هذه المطالب وتنفيذها على الواقع، بيد أن الاستمرار في المراوغة لن يكون في صالحها، وهو ما تدركه هذه القوى التي لم تسند طولها عقب تهديدات السيد الحوثي.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هل لدى السعودية القدرة على التقدم بأي خطوة بدون رضى الأمريكي.. بالتأكيد لا !. بيد أن الإضطرابات العميقة القائمة اليوم في أروقة قوى التحالف السعودي الإماراتي، ليست ناتجة عن خلل بينوي، بقدر ما هي ناجمة عن الموقف الأمريكي الذي يتحكم بالقرار السعودي كلياً وهذا واضح من خلال سلوكيات قائدة التحالف وتقديراتها للمواقف السياسية والعسكرية في اليمن طوال السنوات الماضية.
بالتالي فإن الأمريكي، الذي وصف مبعوثه الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، أن الحديث عن صرف المرتبات بـ”القضية المعقدة”، سيستمر لا محالة في عرقلة أي تقدم في الجانب الإنساني، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تصاعد تحركاته العسكرية في اليمن، بالتزامن مع محاولات إحياء العملية التفاوضية، ولكن هذه المعضلة تخص السعودية وحدها فقط، وعليها معالجتها سريعاً.
إذاً لا خيار أمام السعودية، إلا الذهاب بجدية نحو معالجة انبطاحها للأمريكي، واتخاذ ولو قرار ذاتي واحد للمرة الأولى في تاريخها بعيداً عن السطوة الأمريكية الغربية، والمضي في تنفيذ الإستحقاقات الإنسانية وإطلاق المرتبات ورفع الحصار الجائر عن اليمن، فالوضع هذه المرة ليس في صالحها على الإطلاق، إذا ما قررت صنعاء العودة إلى الحرب، وذلك باعتبار المعادلات العسكرية القائمة في خضم المواجهة.
الأمريكي الذي فر هارباً من أفغانستان بعد 20 عاماً من الفشل، ويشهد انتكاسة كبيرة على مستوى هيمنته العسكرية على إمتداد المنطقة، ليس لديه ما يقدمه اليوم للسعودية وللتحالف الذي يشارك فيه ويقود تحركاته العسكرية والسياسية للعام التاسع على التوالي، وهي التحركات التي أثبتت فشلها بكل المقاييس طوال الفترة الماضية.
لذلك، على السعودية المسارعة اليوم، في إلتقاط آخر فرصة للخروج بماء الوجه من المستنقع اليمني، والتعامل بجدية مع مطالب صنعاء، والبدء في تنفيذها ميدانياً، وإنهاء كل أشكال الحرب والحصار على الشعب اليمني، وسحب كافة القوات الأجنبية ودفع التعويضات، باعتبارها قائدة التحالف أمام الجميع، والمسؤول الأول عن جرائم هذا التحالف التي طالت البشر والشجر والطير في اليمن.
بقلم/ حلمي الكمالي