الجديد برس/ مقالات/ عاطف محمد عاطف:
عزيزي القارئ ابدأ حديثي هذا اليك بسؤال “ماذا تعني الحرب الهجينة”؟ وسأترك اجابة هذا السؤال الى نهاية الكلام
تخيل معي عزيز القارئ هذا المشهد:
رجل يعزف بكمان في زاوية مظلمة
رجلان يقرعان على طبل في زقاق خلفي
امرأه تنفخ على الهارمونيكا في ركن مختلف
وعازف بيانو منسجم في سمفونيته الخاصة في مكان اخر.
عندما ترى هذا المشهد عن قرب سيهيئ إليك ان كل عازف منهم يغرد في سربه او يمارس هوايته ، ولكن اذا ما ابتعدت قليلاً ونظرت إليهم من اعلى لترى المشهد كاملاً ،ستجد انهم فرقه واحده تعزف أوركسترا جماعية مشتركة يحركهم مايسترو واحد لم تقع قط عينك عليه ولهذا افترضت انه عمل فردي وعشوائي غير منظم !
تعال معي الان ايها القارئ الكريم لنقوم بتجربة صغيرة بإسقاط هذا النموذج على واقعنا اليوم :
فجأة بدون مقدمات يتم تشكيل كيان طارئ باسم نادي المعلمين مهمته تحريض المعلم للإضراب وايقاف كامل العملية التعليمية في البلد.
في الزاوية الاخرى يتحرك “اعضاء من مجلس النواب” من فريق واحد لهم لون واحد وتاريخ واحد وتوجه واحد ليقرروا استدعاء الحكومة تحت بند المساءلة والشفافية وشيئاً فشيئاً تتحول هذه المساءلة الى حفلة للتشهير والاستعراض والمزايدة فلا تنتهي الجلسة حتى تنتشر المقاطع والمقالات والعنتريات في التواصل الاجتماعي عن محتوى هذه الجلسة من قبل ذات الاعضاء .
ثم ينبرأ برلماني هنا لأثارة موضوع المعلمين وتغطيته إعلامياً وانه لابد ان تتحمل صنعاء مسؤوليتها وتدفع هذه المرتبات من ايرادات الداخل ويجب ان يستمر المعلمين في الاضراب حتى تنفيذ مطالبهم.
يرد عليه برلماني آخر اين تذهب ايرادات ميناء الحديدة ؟ اين كشوفات الايرادات يا حكومة صنعاء ؟
يقفز عضو اخر يهاجم وزير المالية ويطالب بموازنة الدفاع “السرية” ان تعرض على الملأ
يأتي اخر من خلف الستار ليطالب بسحب الثقة عن الحكومة وفي كل يوم تكبر كرة الثلج في تنسيق وتناغم مدروس.
في مكان اخر يحيي المؤتمر ذكرى التأسيس السنوية ويظهر رئيسه في خطاب يوجه فيه نقد لاذع لشركائه في السلطة بعيداً عن المؤتمر وذكرى تأسيسه بلا سبب او مقدمات رافقت تلك الكلمة حملة اعلامية لتلميع هذه الشجاعة الفريدة شارك فيها مرتزقة واعلام العدوان.
بعد ذلك يظهر صحفي مغمور يتهجم على النبي ويستفز المجتمع ثم يتعرض للضرب من قبل مجهولين في ظروف غامضة
فيعلو صراخ آخرين تضامناً معه، لم يطلب احد التحقيق في الواقعة او التحري ، فقط كانت هذه المسرحية معده مسبقاً لحاجة في نفس المخرج !
ثم يحدث بدون مقدمات ان تظهر حملة اعلامية منظمة بهاشتاغ “راتبي قبل النبي” وليس الحديث هنا عن وقاحة عنوان الحملة، ولكن عن المواد المنتجة والمعدة مسبقاً لفيديوهات ومقاطع هدفها اما : تلميع طرف او التحريض ضد طرف مع قصص يومية عجيبة تظهر من العدم.. معلم ينتحر من الجوع، برلماني يعمل فوق تكسي بسبب الوضع تذكرنا بالمانشيتات في غلاف جريدة المستقلة الصفراء التي كانت تصدر في الماضي !
في زاوية مختلفة من المشهد
تتقدم بارجات امريكية الى المياه اليمنية الإقليمية..
يعلن برنامج الغذاء العالمي ايقاف كل المساعدات للفقراء اليمنيين فجأة بدون مقدمات
تحط قوات امريكية في سيؤون، ويقوم المارينز الأمريكي بزيارة إلى ثانويتي البنات والأولاد في العرفة.
يحذر مبعوث امريكي من استحالة صرف مرتبات اليمنيين ويصفها بأنها طلبات معقدة.
يزداد حصار المطار والميناء وتتم محاولات تهريب غاز ونفط يمني لصالح طرف اجنبي !
انتهى المشهد..
قد يظهر لوهلة للمتابع السطحي ان كل ما حدث اعلاه هو اعمال عشوائية او صدف بلا ميعاد..
ولكن عند امعان النظر قليلاً ستسأل نفسك اسئلة بديهية؟
لماذا اشتعلت هذه الحملة عند احتدام النقاشات والتهديدات بين حكومة صنعاء والسعودية على دفع مرتبات اليمنيين؟
من يمول هذا العمل ويخطط له؟
كيف يتم التنسيق بين كل هذه الاطراف المتحاربة في أرض الواقع، والمتخاصمة اصلاً والمتباينة؟
من يحاول ان يخلق تكامل بين اذرع هذه الحملة نقابية وحقوقية وبرلمانية وسياسية وإعلامية ؟
من ينتج المواد ومن يؤلف القصص؟
من يرسل الاخبار اولاً بأول للعربية والحدث واسكاي نيوز للنشر ؟
كيف تتحول اتفه التوافه المتعلقة بهذا الأمر الى قضايا رأي عام؟ يغرد بها الناشطون وتحشد لها الحملات وتصدر لها البيانات وتجهز لها حملات التضامن وتغطيها القنوات وتمول محتوياتها في التواصل الاجتماعي؟
اذن فكل ما سبق ليس عمل عشوائي ولا صدف بريئة !
لابد ان هناك مايسترو ولكن خفي يحرك أطراف اللعبة عن بعد كما تحرك دمى الأرجوز.. يحاول ان يظهر ان ما يحدث هو غليان شعبي ومواقف ذاتية وفردية تصادف ان حدثت في نفس الوقت ولا يريد من احد أن يفهم ان ما يحدث هو عمل مدفوع الأجر وممول من الخارج ومخطط له!
ولكن الحكاية اكبر من هذا..
قبل ايام ظهر الرئيس مهدي المشاط متحدثاً عن خطة للسفارة الامريكية تعمل على توتير الاجواء في المناطق الحرة ورفع نسبة السخط وافتعال المشكلات اسمها الخطة باء بعد فشل الخطة ألف واشار الرئيس ان هذه الخطة ترفع يافطة الشفافية ككلمة حق يراد بها باطل.
اذن هناك ممول وهناك مخطط وهناك منفذ جميعهم مرتبطون ببعض ويتبادلون الادوار مهما حاولوا اظهار غير ذلك!
وهنا اعود الى السؤال الذي بدأت به هذا الحديث !
ماهي الحرب الهجينة؟ هي ببساطة حرب بلا مدافع بلا رصاص
هي حرب جنودها الطابور الخامس ومدافعها التواصل الاجتماعي ووقودها القنوات الفضائية والمنظمات الوهمية.
هي حرب تحاول ان تضرب المجتمع ببعضه البعض لمصلحة طرف خارجي وتستخدم لأجل ذلك كل اساليب التزييف والتحشيد والتحريض والتفريق مهما كلف الثمن!
لقد شاهدنا ثورات ملونة من قبل في ايران ولبنان والعراق بنفس الطريقة وهناك رابط عجيب واحد مشترك بين كل من سبق “الخصومة مع امريكا” وهناك تشابه في ادوات التنفيذ الموجهة من الخارج حسب الخطة !
ملاحظة صغيره فقط بشأن كل هذا :
اعتقد ان مشكلة الاغبياء والخونة المتورطين في هذا العمل انهم لم يحسبوا حساب ان يتركهم الامريكي في منتصف الطريق كما فعل مع آخرين قبلهم، مشكلتهم اكثر انهم لم يفكروا ان المستقبل المنظور الوحيد امامهم سواء نجحت خططهم او فشلت هو الفوضى والدم.
بالطبع الفوضى والدم، لان المرحلة التالية بعد التحريض الاعلامي تأتي مرحلة الاستهداف الامني ثم الفوضى الخلاقة والتي اذا اشتعلت نارها ستحرق الجميع.
هل فكر المشاركين في مصير أبطال 2 ديسمبر وكيف انتهى بهم المطاف؟
نقطة اخيرة: هل فكر كل اللاعبين في هذه اللعبة الخطيرة انه ربما واقول فقط ربما ان العصفورة ذاتها التي نقلت الى المشاط تفاصيل ومحتوى خطة المايسترو في السفارة الامريكية ربما انها نقلت له معلومات عن فرق العمل التنفيذية لهذه الخطة في الميدان بالاسم والصفة وكم مستحقات كل واحد منهم وما هو دوره؟
هل يدرك هؤلاء انهم اصبحوا جنوداً مع امريكا ضد بلدهم؟
هل سيتحمل المنخرطون منهم ردود الفعل والتبعات المرتبة على هذه الخيانة؟ اتمنى انهم حسبوا لهذا الاحتمال حساب!
فكما قال حسني مبارك عميل امريكا المخلص من قبل : “المتغطي بأمريكا عريان”
والسلام ختام.
*المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب فقط