المقالات

لماذا أمريكا بالتحديد؟!

الجديد برس

بقلم / جمال الظاهري

ركزت الثورات العربية على الفساد والفقر وانعدام الحريات، ولم تهتم بالهيمنة الغربية على الدول أو الاحتلال الإسرائيلي، مع هذا كان انطلاق الثوار ضد الديكتاتوريات المدعومة من الغرب رسالة كافية عنت لهم تهديداً فعلياً وللنظم التي توطدت علاقتها به وصارت استراتيجية.

ليس صحيحاً بأن منطقتنا العربية وعديد دولها دول مستقلة وصاحبة سيادة كاملة على ترابها، فقط ظاهريا هي كذلك وعلى هذا الاساس هي ممثلة في جميع المحافل الدولية ولكن؟

ومن هذا الواقع يصح لنا أن نقول بأن جميع الشعوب العربية وبلا استثناء لديها شعور حقيقي أزداد ووصل حد اليقين في الاعوام الاخيرة بأنها غير مستقلة وأنها لا تزال مستعمرة، وبالتحديد بعد موجة (الثورات الربيعية) 2011م، ولهذا الشعور ما يبرره نتيجة لما صاحب ثوراتها من احداث ومواقف دولية صبت في مجملها في خدمة هيمنة ومصالح الدول الاستعمارية وعلى حساب مصالح هذه الشعوب.

منذ البداية التونسية وما تلاها من تدحرج وسقوط بعض الانظمة العربية وغرق أخرى في اتون صراعات اكلت الاخضر واليابس ودمرت ما كان قد تحقق لها على قلته، كان واضحاً بأن هناك من يدير الاحداث من وراء الستار، وكانت الشعوب تساق بملء ارادتها في الاتجاهات التي ارادها من لا يريد الخير لهذه الشعوب.

المستعمر القديم بارك ما تقوم به هذه الشعوب وزاد في تزيين احلامها، وعملائه في المنطقة غذوا ومولوا كل ذاك الاندفاع العاطفي المليء بالأحلام والبعيد عن واقعية الادارة للشعوب التواقة للتغيير إلى الافضل.

كان المال الخليجي حاضراً في كل تفاصيل تلك الثورات بعلم هؤلاء الثوار وبغير علم للبعض منهم، كانت أدوات البطش والتنكيل المصنوعة على يد المستعمر القديم حاضرة بجميع مسمياتها – اسلاميين من اغلب الطيف الاسلامي – جهاديين سلفيين معتدلين متشددين صوفيين الخ, وكان الليبراليون ايضاً حاضرون إلى جانب الاشتراكيين والقوميون والرجعيون والتقدميون الغالبية من المكونات المنتظمة والمؤطرة كانت موجودة, فيما وحدها الشعوب كانت غائبة.

كانت منذهلة ولكنها كانت عالقة .. بل وغارقة في حلم اليقظة التي لطالما حلمت به وفي نفس الوقت كانت عالقة في حبائل الرهبة وربما الخوف من العاقبة؟! لأنها لم تستطع أن تقف متفرجة وفي نفس الوقت كانت غير مدركة ولا تعرف خط سيرها ولا من يحدد اتجاهها, ومع هذا وذاك استسلمت وبقيت متفرجة ومنتظرة للنتيجة التي ستسجل باسمهم زوراً وبهتانً؟

كان الصديق والقريب الثائر والإنقلابي والباحث عن العمل وعاشق الفرجة وكل الالوان حاضرة وكان الشيطان حاضراً، كان الصياد حاضراً بشبكته وكانت الاسماك مزهوة وسعيدة بتمكنها من الدخول في مجرى التيار القوي الذي سيساعدها على الوصول إلى وجهتها بأقل جهد وبلا عناء.

كان السمسار وجلابيه حاضرون وكان القبطان يسير على مهل غير مستعجل يوجه الدفة يمنة ويسرة ويراقب الزحام من قمرة القيادة ويصفق وحين تخفت الاصوات والصخب أو يغيب منظر التدافع يوجه الدفة بقوة يمنة أو يسرة ويطلق صفارة السفينة بقوة ويوجه مساعده بنصب حلبة صغيرة في سطح السفينة ويرصد جوائز ويطلب من الشباب التنافس للفوز بالجائزة, وبهذا يضمن أن تستمر حالة السهر والحركة التي يخشى إن اختفت أن ينال منه ومن مساعديه النعاس, وحينها يفقد الوجهة والسيطرة هذا إن لم تصدم سفينته بجبل أو يجرها تيار إلى اعماق المحيط.

كانت دول الاستكبار والاستعمار المباشر حاضرة وكانت ادواتها وصنائعها حاضرون وبقوة وكان المستعمر (القديم بالثوب الجديد) هو المسيطر على الدفة وكان الصنائع والاتباع هم من يغذوان ويعملون على استمرار البهجة واستدامة المعارك في تلك الحلبات المتنقلة، ولا تزال الشعوب حتى يومنا هذا بلا نوم ولكن جديدها أن بدأت تسأل عن الوجهة وعمن ينضم تلك المنافسات ومن يدفع اثمان الجوائز ومن يحصدها.

لذا حين نقول امريكا تقتل الشعب اليمني فإننا ندرك أنها ايضاً من قتلت الشعب العراقي والليبي والسوري، وندرك أن اموال مشيخات الخليج وممالكها هي من تمول وتدفع لاستدامة هذا القتل والتدمير.

لماذا تفعل ذلك لأسباب كثيرة اقلها الابقاء على ممالكها وحكامها وضمان عدم استبدالهم أو الاستغناء عن خدماتهم لأنهم يدركون بأن دولتهم اقيمت لغاية وحين تنتهي الغاية من وجودها ينتهي ملكهم وتزول عروشهم.

وبما أن الشعوب بدأت تسأل وبدأت تفتش وتبحث عن الحقيقة فإنه من اللازم اشغالها واغراقها في دوامات الصراع، وتصوير عواقب ونتائج هذا الصراع بأبشع الصور كي تقدم مادة دسمة لشعوب هذه الممالك والمشيخات وحينها تكون النتيجة أن تستمر شعوبهم في الخضوع وعدم التطلع لأي تغيير أو محاسبتهم على ما بددوه أو اقترفوه من جرم في حقهم افراداً أو جماعات.

فعلا لا يزال المستعمر هو الفاعل الاقوى وهو من وجه مسار هذه الثورات وبما يخدم استمرار الهيمنة والسيطرة على ثروات المنطقة، مستفيدة من انظمة هي من صنعتها ودول استحدثتها ولم يكن لها وجود تم تبنيها ودعمها وتمكينها في اهم الجغرافيات التي تحتوي على اهم الثروات النفطية على المستوى العالمي وفق مقاييس تبقيها في حالة من الضعف والحاجة للرعاية من قبل الدول الاستعمارية.

ولكن في المقابل هناك مارد قادم ستتحطم تحت اقدام جباله وعلى بوابات وديانه آمالهم وأطماعهم وستبتلع الصحاري كل احقاد صنائعهم وعملاء العملاء.

[email protected]