الجديد برس| تقرير*:
وسّعت الأحداث التي ينخرط فيها الاتّحاد الأُورُوبي حول العالم، ولا سيما الحرب الروسية – الأوكرانية، والعمليات العسكرية في البحر الأحمر، النقاش داخل أروقة الاتّحاد حول الحاجة إلى إعادة التسلّح.
ويحاول الأُورُوبيون استخلاص العبر من تلك الأحداث، ويعملون على استبدال البرامج التي استُخدمت ولم تكن فعّالة بالقدر الكافي، بأُخرى أكثر فعالية على المدى الطويل، مع الأخذ في الحسبان أن المواجهة الحالية والمستقبلية هي مع قوى تمتلك تقنيات حديثة.
وتوصّلت المداولات إلى إقرار الحاجة إلى تسريع تسليح الجيوش الأُورُوبية، غير أن خلافاً وقع في شأن وضع استراتيجية للتسليح، تنهي حالة التشرذم التي تجعل كُـلّ دولة من دول الاتّحاد البالغ عددها 27، تزوّد جيشها بشكل مستقلّ بأسلحة لا تتوافق في كثير من الأحيان مع أسلحة الدول الأُخرى.
ويقول دعاة تلك الاستراتيجية، الذين يقودهم مفوض الاتّحاد إلى السوق الداخلية، تييري بريتون، إنه ينبغي ضمان قدرة صناعة الدفاع الأُورُوبية على الإنتاج بشكل جماعي وسريع، فيما ثمة رأي آخر يتبناه عدد من دول أُورُوبا الشرقية، وكذلك ألمانيا وإيطاليا، التي لديها تقليدياً علاقات تسليح وثيقة مع الولايات المتحدة.
وعليه، يرى خبراء أُورُوبيون أن نجاح الصناعة الدفاعية الأُورُوبية يعتمد على تجاوب الدول الأعضاء، غير أن آخرين يعتقدون أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت قبل أن يتم إقرار استراتيجية جديدة. وكانت العقود التي تلت الحرب الباردة، كشفت ضعف الجيوش الأُورُوبية، والناجم عن اعتماد سياسات الدفاع لديها على القوة العسكرية للولايات المتحدة ضمن «الناتو»، لكن القلق تزايد بعد فشل تحالفَي «حارس الازدهار» الأمريكي – البريطاني و«أسبيدس» الأُورُوبي، في البحر الأحمر.
وفي هذا الإطار، علّق أدميرال بريطاني سابق على عدم قدرة بلاده على ضرب قواعد في اليمن، من السفن الحربية، بالقول إن ذلك يسلّط الضوء على ضعف القوات البحرية البريطانية وعجزها عن منافسة السفن الحربية الصينية أَو الروسية أَيْـضاً، ولا سيما أن الأسلحة الوحيدة الموجودة حَـاليًّا، والتي يمكنها ضرب سفن أُخرى أَو مواقع على الأرض، هي المدافع المتوافرة في مقدمة كُـلّ سفينة.
كما أن صحيفة «وول ستريت جورنال» رأت أن حالة الجيوش الأُورُوبية، التي كانت في يوم من الأيّام تُرهب العالم، مقلقة، وهي الآن تعاني بشكل محرج.
الأُورُوبيون متفقون على الحاجة إلى تسليح جيوشهم ومختلفون حول الاستراتيجية الواجب اعتمادها
وجاء عطل المدمّـرة الدنماركية «إيفر هويتفيلدت»، أخيرًا، ضمن سلسلة من الحوادث التي كشفت ضعف القوات المسلحة الأُورُوبية، ومن بينها فشل صاروخ نووي بريطاني في اختبار ثانٍ، وافتضاح تهالك أنظمة الاتصالات في ألمانيا بعد استخدام خط غير آمن لمناقشة مسائل حساسة، الأمر الذي تمّ استغلاله من قبل الاستخبارات الروسية، وكذلك الفشل الجلي في عمليات البحر الأحمر لرفع الحصار عن الكيان الإسرائيلي.
ويمكن إيراد ثلاثة نماذج بارزة من الفشل المشار إليه:
الدنمارك: أَدَّى خلل في النظام الصاروخي للفرقاطة الدنماركية، وارتباك في الإعلان عن الحادثة في وقتها، إلى عاصفة سياسية شارك فيها المستويان السياسي والعسكري.
وكانت مؤسّسة «أولفي» المحلية للإعلام، والمتخصّصة في الشؤون العسكرية، هي التي كشفت عن الواقعة نقلاً عن تقرير سري لقبطان السفينة.
وتسبّب الحادث بإقالة مسؤولين كبار على رأسهم وزير الدفاع، ترويلز لوند بولسن، ورئيس الأركان، الجنرال فليمنيغ لينتفر، الذي فشل في إبلاغ وزارة الدفاع بأن السفينة تعرّضت لعطل لمدة نصف ساعة في أنظمتها الصاروخية ورادارها، خلال هجوم بطائرة مسيّرة يمنية الشهر الماضي.
وأدى هذا الفشل إلى عجزها عن الدفاع عن نفسها بشكل فعّال، ما أثار قلقاً كَبيراً في الدنمارك حول سلامة قواتها البحرية.
وعلى إثر ذلك تمت إعادة الفرقاطة على عجل، فيما أعلن وزير الدفاع أنه فقد الثقة في الجيش، قائلاً: «إننا نواجه حتمية تعزيز قوات الدفاع الدنماركية، وهذا يفرض متطلبات كبيرة علينا».
ألمانيا: بعد أَيَّـام قليلة من وصول الفرقاطة الألمانية «هيسن» لتنفيذ مهامها، تصدّرت أحداث البحر الأحمر عناوين الصحف الألمانية، وخُصُوصاً مع تأكيد الجيش الألماني أن فرقاطته تمكّنت من إسقاط طائرتين مسيرتين أطلقتهما حركة «أنصار الله».
غير أن «فرحة» إسقاطهما لم تدم طويلاً، إذ اعترفت وزارة الدفاع الألمانية بأن «هيسن» أطلقت النار بالخطأ على طائرة مسيّرة أمريكية، من دون أن تتمكّن من إسقاطها.
وجرت عقب الحادث مداولات كثيرة في الأوساط العسكرية الألمانية حول فعالية «هيسن» وجاهزية البحرية الألمانية، إذ وصف نائب الأدميرال، جان كريستيان كاك، الانتشار في البحر الأحمر بأنه الأخطر منذ عقود، مؤكّـداً الحاجة إلى تحديث الأسلحة الألمانية.
وكشف أن البحرية بدأت فعلاً في تحديث رادار سفن «ساكسونيا كلاس» هذا العام، وسيستمر ذلك حتى عام 2028، كما أعلن أن «هيسن» تلقّت نظام سلاح أَسَاسياً جديدًا، طُوّر بعد اختبار إطلاق نار فاشل عام 2019، ظلت على إثره فرقاطة الصواريخ الموجهة مُجَـرّدة من ترسانتها الصاروخية الأكثر أهميّة حتى نهاية 2023، وفقاً لمكتب المشتريات الاتّحادي التابع لوزارة الدفاع.
ورغم الحديث عن التحديثات، فإن الألمان يدركون أنهم أمام مشوار طويل وشاق، وفقاً لما لمّح إليه كاك بالقول إنه «لسوء الحظ، لم نصل بعد إلى المكان الذي نستطيع فيه شراء الذخيرة».
وأضاف: «بمُجَـرّد النظر إلى استهلاك الذخيرة الحالي لشركائنا، أشعر بقلق بالغ بشأن قدرة وحداتنا على التحمّل».
ووفقاً لتقارير ألمانية، فإن سير العمليات في البحر الأحمر يواجه مشكلات منها عدم وجود خط إمدَاد، ما يضطر الفرقاطة للعودة إلى الميناء.
بريطانيا: أما المشاركة البريطانية في «حارس الازدهار»، فقد تعرّضت لانتقادات لاذعة من قبل أعضاء بارزين في مجلس العموم ومسؤولين عسكرين سابقين، حَيثُ تبيّن أن المدمّـرة «إتش أم إس دايموند» المتمركزة في البحر الأحمر، غير قادرة على ضرب أهداف برية في الأراضي اليمنية.
واعتُبرت تلك المشكلة في الوسطين السياسي والعسكري «فضيحة مخزية»، ذلك أن لندن مضطرة الآن إلى إرسال طائراتها لآلاف الأميال؛ مِن أجلِ تنفيذ المهمات، ما يترك للولايات المتحدة مهمة تنفيذ غالبية الضربات ضد «أنصار الله».
وحذّر الرئيس السابق للجنة الدفاع في مجلس العموم، توبياس إلوود، من أن الوضع لا يمكن تحمّله، واصفاً إياه بالكارثي، وحث وزير الدفاع، جرانت شابس، على إجراء مراجعة عاجلة.
وقال: «لا يمكننا الاستمرار بأسطول بحري صغير جِـدًّا عاجز عن إطلاق النار على الأرض من مسافة بعيدة».
* الأخبار البيروتية