الجديد برس – متابعات
تتصاعد الضغوط الدولية على المملكة العربية السعودية بسبب الحرب التي تخوضها في اليمن، وجاء القصف الاخير الذي نفذته طائرات تابعة للتحالف العربي الذي تقوده، وادت الى حدوث “مجزرة” في سوق شعبي راح ضحيتها اكثر من 120 شخصا من بينهم 24 طفلاً لتضع المملكة وقيادتها، وأعضاء التحالف العربي في موقف حرج للغاية.
اعلنت مفوضية الامم المتحدة العليا لحقوق الانسان امس الجمعة، ولأولِ مرة بهذه الحدة والوضوح، ان التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن تسبب بمقتل عدد من المدنيين “أكثر بمرتين” مما تسببت به القوات الاخرى المشاركة في النزاع “مجتمعة”.
وصرح المفوض الاعلى زيد رعد الحسين “قصفوا اسواق، ومستشفيات، وعيادات، ومدارس، ومصانع، وقاعات استقبال لحفلات الزفاف، ومئات المساكن الخاصة في قرى ومدن بما فيها العاصمة صنعاء ورغم التحذيرات الدولية الا انها تتواصل في وتيرة متصاعدة وغير مقبولة”.
وهذه هي المرة الاولى، على حد علمنا، التي يتحدث فيها مبعوث دولي بكل قوة عن “مجازر” ترتكبها قوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن، ويدين السعودية بهذه القوة، حتى ان زميله المتحدث باسم المفوضية روبرت كوافيل قال للصحافيين اليوم “ان طاقم حقوق الانسان الذي زار سوق الخميس، حيث وقعت المجزرة، لم يعثر على دليل بحصول مواجهات مسلحة او وجود هدف عسكري مهم في القطاع وقت القصف الجوي، باستثناء وجود نقطة تفتيش على بعد 250 مترا من السوق”، في رد على قول المتحدث باسم التحالف العميد الركن احمد العسيري ان الغارة استهدفت تجمعا لمسلحين.
ولا نستبعد ان تكون هذه الادانات الدولية هي التي تقف خلف اعلان العميد عسيري المفاجيء امس الاول، الذي قال فيه “ان العمليات العسكرية الكبيرة اوشكت على الانتهاء وان التحالف يعمل على خطة بعيدة الامد لجلب الاستقرار لهذا البلد حتى لا تتحول اليمن الى ليبيا اخرى”.
حديث منظمة دولية بحجم لجنة الامم المتحدة لحقوق الانسان عن مجازر، واتهام التحالف بالمسؤولية عن ثلثي القتلى، او اكثر، الذين يزيد عددهم عن عشرة آلاف شخص، يرتقي الى مستوى “جرائم الحرب”، الامر الذي سيترتب عليه اعباء قانونية كبيرة من بينها تعويضات مالية بعشرات، وربما مئات المليارات، وعقوبات دولية ايضا.
لا نعتقد في هذه الصحيفة “راي اليوم” ان تأكيدات العميد العسيري بأن التحالف الذي تقوده بلاده ستحقق استقرار اليمن وتمنع تحوله الى ليبيا اخرى لسببين: الاول: ان اليمن تحول فعلا الى ليبيا اخرى، ان لم يكن اسوأ، اذا نظرنا الى حالة الفوضى الدموية التي تسود اراضيه، والثاني: ان الغالبية الساحقة من المدن والمناطق التي استعادتها قوات التحالف العربي من التحالف “الحوثي الصالحي” اصبحت الآن تحت سيطرة تنظيمي “القاعدة” و”الدولة الاسلامية”.
وحتى المفاوضات التي تخوضها المملكة العربية السعودية حاليا مع حركة “انصار الله” الحوثية، وممثليها في الرياض، التي كانت تتهمهم بالامس بأنهم “مجوس″ وكفرة” و”عملاء ايران”، ونجحت في تحقيق تهدئة او هدنة على الحدود مع اليمن، وازالة آلاف الالغام، هذه المفاوضات، والهدنة التي انجزتها، ربما حلت مشكلة على الحدود السعودية، ولكنها قد تخلق مشاكل اكثر خطورة مع حلفائها، وخاصة في الامارات التي قد يهمش هذا الاتفاق دورها، ويظهر ان كل همّ السعودية هو تأمين حدودها، والتراجع عن الاهداف الاخرى لـ”عاصفة الحزم”.
لا شك ان لجوء السعودية الى دق اسفين الخلاف بين الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح خطوة على درجة كبيرة من الذكاء، ولكنها قد تعطي نتائج عكسية، لانها ستؤجج الصراع في اليمن، داخليا، بين الحلفاء الذين يقاتلون تحت اجنحة الطائرات السعودية الذين ربما لا يحبذون التقارب السعودي مع انصار الله ، او شريحة كبيرة منهم، ثم بين انصار الله والرئيس صالح، وخارجيا، بين السعودية وبعض اعضاء تحالف “عاصفة الحزم”، ولا نستبعد ان تكون الزيارة المفاجئة التي قام بها امير قطر الشيخ تميم بن حمد الى الامارات ولقائه مع الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي لها علاقة بطريقة او باخرى بتطورات اليمن هذه.
ما يحتاجه اليمن هو مصالحة وطنية تركز على التعايش وعدم الاقصاء لاي مكون من مكوناته السياسية والاجتماعية والقبلية، وعلى اساس الحل السياسي، وليس العسكري الذي بدأ يرتد عكسيا على اصحابه، وخاصة التحالف العربي بقيادة السعودية.
التفاهمات الحالية بين السعودية و”انصار الله” الحوثيين خطوة مهمة وايجابية، حققت بعض النتائج من بينها التهدئة الحوثية، وتحقيق تقدم لقوات التحالف وانصارها في تعز، وهي نتائج تعود بالاساس لخلافات بين قيادات عسكرية تابعة للرئيس صالح والحوثيين لها علاقة باتفاق التهدئة، حيث توقف الحوثيين عن القتال، حسب ما اكد لنا مصدر يمني موثوق، ولكن هذا الخلاف تمت تسويته، وتمكنت قوات انصار الله وصالح بعد عودة التنسيق فيما بينها من استعادة نسبة كبيرة من الاراضي والمواقع التي خسرتها في المدينة.
خطة المبعوث الدولي اسماعيل ولد الشيخ التي يحملها الآن الى اطراف النزاع، وتنص على ثلاث مراحل، اولها وقف اطلاق النار ونزع الالغام، وثانيها وقف اطلاق الصواريخ الباليستية (سكود)، وثالثها، تطبيق قرار مجلس الامن رقم 2216، وما ينص عليه من انسحابات، هذه الخطة قد تكون مخرجا ملائما للازمة، اذا صدقت النوايا، وصمدت التهدئة، ولينت السعودية وحلفاؤها مواقفهم.
حتى تنجح هذه الخطة يجب ان تتوقف طائرات “عاصفة الحزم” عن ارتكاب مجازر جديدة، وان تتوقف قيادتها السياسية عن سياسة “فرق تسد” في اليمن، وان تعمل بجدية من اجل حل سياسي تتعهد بعده بتعويض اليمنيين ماديا عن الدمار الذي لحقته في هذا البلد الفقير المعدم، والتعاطي معهم، اي اليمنيين بطريقة أكثر تواضعاً وأقل غطرسة.