الجديد برس: بقلم/ إبراهيم ناصر الجرفي
قد يستغرب البعض من العنوان لكن لا داعي للاستغراب ، فتجارة الحروب تجارة رائجة ومكاسبها كبيرة جداً وإن كان المستفيد منها هم قلة من البشر ( تجار الحروب ) ، يكفي ان نعرف حجم صفقات الأسلحة التي تتم كل عام لنعرف حجم المساحة الواسعة التي تشكلها هذه التجارة في خريطة الاقتصاد العالمي ، كما لا يخفى على أحد الميزانيات الكبيرة التي تخصصها حكومات الدول لوزارات الدفاع والحرب ، ومن المؤكد بأن الكثير منا قد سمع عن سباق التسلح بين الدول الكبرى ، ذلك السباق الذي سخرت له كل الامكانيات وفتحت له كل الحسابات المالية بدون حساب ، والذي يكلف البشرية مبالغ وثروات مالية خيالية ، لو تصرف على شعوب العالم لأغنتهم ، ولقضت على الفقر في كل بقاع المعمورة ، وللأسف الشديد بفضل ذلك السباق المحموم في مجال التسلح ، تم انتاج أسلحة فتاكة منها على سبيل المثال القنابل الهيدروجينية ، والتي لها قدرة تدميرية هائلة تعادل مئات المرات القدرة التدميرية للقنابل النووية ، بمعنى ان البشر ينفقون الثروات والأموال الطائلة لصناعة أسلحة قد تنهي وجودهم على كوكب الأرض ، وهل هناك جنون اكثر من هذا الجنون ..!!
وكم أشعل تجار الحروب الدوليين من الحروب بين الدول لبيع أسلحتهم ومنتجاتهم العسكرية والقتالية ، وكم أثار تجار الحروب المحليين من الحروب داخل بلدانهم لاستثمارها وجني المكاسب والثروات الكبيرة منها ، فبمقدار ما تتجرع الشعوب من مصائب وكوارث ، يحصد تجار الحروب الثروات والفوائد ويبنون الامبراطوريات المالية ، ففي زمن الحروب يظهر الاستغلال في أبشع صوره ، ويكشر تجار الحروب عن أنيابهم لنهب وسلب ما في أيدي المواطنين ، فبمبرر الحرب ترتفع الأسعار أضعاف أضعاف ، وبمبرر الحرب تختفي المواد الضرورية من الأسواق وتباع في الأسواق السوداء بأسعار مضاعفة ، وهكذا يتم التجارة بالحروب على المستوى الدولي والمحلى ، ومن اجل ذلك وحتى لا تتوقف هذه التجارة الرائجة ذات الأرباح الخيالية ، يقف تجار الحروب الدوليين والمحليين ومن خلفهم أمراء الحروب الداعمين لهم او المشاركين لهم حجر عثرة أمام أي تسويات أو مبادرات يمكن ان تسهم في وقف الحروب وتحقيق السلام في المناطق المشتعلة حول العالم ، فتراهم وهم يبادرون إلى إفشال كل مساعي السلام ، تارةً من باب الحرص على الوطن وتارةً من باب الدفاع عن الدين وهكذا ..!!
رغم أن لا دين ولا وطن يهمهم بقدر حرصهم على استمرار تجارتهم واستمرار جنيهم للأموال والثروات الطائلة التي تدرها عليهم تجارة بيع الأسلحة خلال فترات الحروب ، وهناك نوع آخر من تجارة الحرب وهي متاجرة السلطات الحاكمة بالحرب ، فقد تستثمرها لتمرير سياساتها وفرض أجنداتها وأفكارها بالقوة ، وقد تستثمرها لقمع وكبت المعارضين لها والبطش والتنكيل بهم ، ولمصادرة الحقوق والحريات وتغيير وتبديل القوانين واللوائح المتعارضة مع سياساتها ، فليس هناك من فرصة أفضل من فرصة الحرب لتنفيذ السلطات الحاكمة لمخططاتها وبرامجها ومشاريعها ، وما لا تستطيع السلطات الحاكمة القيام به في زمن السلم يمكنها القيام به في زمن الحروب ، كيف لا وفي زمن الحروب تتعطل القوانين والأنظمة واللوائح لتسري بدلاً عنها الأحكام والقوانين العرفية والمزاجية ، ليصبح المسئول هو النظام وهو القانون ، لا سلطة فوق سلطته ولا احد يستطيع ان يحاسبه أو يعاقبه ، لذلك كانت وستظل تجارة الحروب هي التجارة الأكثر ربحية والأكثر رواجاً والأكبر استثماراً عند تجار الحروب سواء الدوليين أو المحليين أو عند السلطات الحاكمة ، كل ذلك رغم نتائجها المأساوية والكارثية على الشعوب ، وهكذا هو حال الدنيا فمصائب قومِ عند قومِ فوائد ..!!
وبذلك فإن كل من يشجع على الحروب والصراعات على كل المستويات ، وكل من يشارك في نشر ثقافة القتل والقتال والعنف والكراهية بين البشر ، ليس أكثر من مروج يستخدمه تجار الحروب للترويج لتجارتهم ، فكما أن لكل تجارة ولكل سلعة مروجين يروجون لها ويشجعون الناس على شرائها واقتنائها واستهلاكها ، فإن دعاة الحروب والصراعات في كل مجتمع وفي كل زمان ومكان ليسوا أكثر من مروجين عند تجار الحروب ، يعملون في خدمتهم ويروجون لتجارتهم ، ونظراً للميزانيات الضخمة التي يخصصها تجار الحروب للدعاية والاعلان والترويج لتجارتهم ، ها هي ثقافة الكراهية والقتل والقتال هي من تسيطر على ثقافة معظم المجتمعات البشرية ، بل لقد وصل الحال في بعض تلك المجتمعات إلى التفاخر بالقتل والقتال وسفك الدماء وانتهاك الأعراض ومصادرة الحقوق والحريات ، وتحويل تلك الجرائم البشعة والانتهاكات الفظيعة إلى بطولات ، إنه الترويج لتجارة الحروب والتشجيع عليها ، فلا تكن أخي المسلم ، أخي في الإنسانية مروج لتجارة الموت والقتل والقتال وسفك الدماء ، وكن داعية للسلام والتعايش السلمي في مجتمعك المحلي والوطني ، وكن من دعاة السلام في مجتمعك الإنساني ، كن من دعاة السلام والخير لكل البشر ، كن من دعاة حقن الدماء وصيانة الأعراض وحماية الحقوق والحريات الإنسانية ، كن مصدر للخير ولا تكن مصدر للشر ..!!