الجديد برس:
ذكرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، أن “إسرائيل تعيش ورطةً خطيرة، على خلفية الانقسامات الداخلية الشديدة التي يعيشها المستوطنون، والفشل في تحقيق أهداف الحملة العسكرية في قطاع غزة، مع احتمال توسع الحرب”.
وأضافت المجلة أنه “علاوةً على ذلك، ألحق سلوك “إسرائيل” الأخير ضرراً خطيراً بصورتها العالمية، وأصبحت منبوذة عبر وسائل لم تكن متخيلة في السابق. فبعد أكثر من عشرة أشهر، أهدرت حملة الإبادة الجماعية، التي شنتها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، بالإضافة إلى العنف المتفاقم من جانب المستوطنين في الضفة الغربية، تلك الموجة من الدعم العالمي”.
وأضافت “فورين بوليسي” أن “الدعم في الولايات المتحدة لأفعال إسرائيل يتراجع بصورة حادة، ويعارض الأمريكيون الأصغر سناً رد إدارة بايدن المتهاون على أفعال إسرائيل”.
وقال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إران عتصيون، في منشورٍ له في “أكس”، إن “إسرائيل” تواجه وضعاً استراتيجياً “خطيراً متعدد الأبعاد، فهناك فجوة بين الواقع وتصور الواقع، وبين الجمهور الإسرائيلي ومعظم أعضاء الحكومة والائتلاف، إنها فجوة ضخمة وخطيرة للغاية”.
ولفت عتصيون إلى أن نتنياهو “يسعى لإشعال حربٍ إقليمية شاملة، ويجبر إيران على الانجرار إليها”، مشدداً على أن الإدارة الأمريكية “وصلت إلى نقطة ضعف تاريخي نتيجة تراكم عمليات وظروف مؤسفة”.
وقالت المجلة إن إلقاء اللوم على نتنياهو يتجاهل مشكلةً أعمق، فالتأكّل التدريجي في التفكير الاستراتيجي لـ”إسرائيل” “جرى على مدى الأعوام الخمسين الماضية”، مضيفةً أن “إنجازات إسرائيل وبراعتها التكتيكية، خلال العقدين الأولين من عمرها، تميل إلى حجب مدى المساعدة التي قدمتها الخيارات الاستراتيجية الرئيسة التي اتخذتها منذ عام 1967 في تقويض أمنها”.
نقطة التحول كانت انتصار “إسرائيل” في حرب 1967. لم تكن النتيجة معجزة كما بدت في ذلك الوقت (من بين أمور أخرى، توقعت الاستخبارات الأمريكية أن تفوز “إسرائيل” بسهولة)، لكن سرعة هذا الانتصار ونطاقه فاجآ كثيرين، وساعدا على تعزيز الشعور بالغطرسة الذي قوض الحكم الاستراتيجي لـ”إسرائيل” منذ ذلك الحين.
وكان الخطأ الرئيس، كما زعم علماء “إسرائيل” المتبصرون مراراً، هو القرار بالاحتفاظ بالضفة الغربية وغزة واحتلالهما واستعمارهما بالتدريج، كجزء من جهد طويل الأمد لإنشاء “إسرائيل الكبرى”.
الغزو المشؤوم للبنان
و”كانت العلامة الواضحة التالية على تأكّل الحكم الاستراتيجي الإسرائيلي هي الغزو المشؤوم للبنان في عام 1982. كان الغزو نجاحاً عسكرياً قصير الأمد، لكنه أدى إلى احتلال الجيش الإسرائيلي لجنوبي لبنان، الأمر الذي أدى بدوره بصورة مُباشرة إلى إنشاء حزب الله، الذي أجبرت مقاومته متزايدة القوة “إسرائيل” في النهاية على الانسحاب من لبنان في عام 2000. ولم يوقف إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان المقاومة الفلسطينية: بل إنه مهّد الطريق للانتفاضة الأولى في عام 1987، وهي إشارة واضحة أخرى إلى أن الفلسطينيين لن يتركوا وطنهم، ولن يخضعوا للقهر الإسرائيلي الدائم”.
وعلى الرغم من أن الإسرائيليين بعيدو النظر، وأنهم أدركوا أن القضية الفلسطينية لن تختفي، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ظلت تتصرف عبر وسائل جعلت المشكلة أسوأ. وهناك مثال أخير واضح على قصر النظر الاستراتيجي الإسرائيلي يتمثل بمعارضتها الشديدة للجهود الدولية للتفاوض على حدود البرنامج النووي الإيراني.
ولأسباب استراتيجية وجيهة، تريد “إسرائيل” أن تظل الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية، ولا تريد أن ترى إيران، خصمها الإقليمي الأبرز، تحصل على القنبلة.
ولفتت المجلة إلى أن أحد العوامل المهمة هو الشعور بالغطرسة والإفلات من العقاب، والذي يأتي من حماية الولايات المتحدة واحترامها لرغبات “إسرائيل”.
فإذا كانت أقوى دولة في العالم تدعمك بغض النظر عما تفعله، فإن الحاجة إلى التفكير بعناية في أفعالك سوف تتضاءل حتماً. بالإضافة إلى ذلك، فإن ميل “إسرائيل” إلى رؤية نفسها ضحيةً فقط، وإلقاء اللوم على كل معارضة لسياساتها على معاداة السامية، لا يساعد، لأنه يجعل من الصعب على القادة الإسرائيليين وجمهورهم إدراك كيف قد تؤدي أفعالهم إلى إثارة العداء الذي يُواجهونه.
كما أن تصرفات “إسرائيل” تُهدد آفاقها في الأمد البعيد. لذا، فإن أي شخصٍ يُريد لها مستقبلاً مشرقاً لا بد من أن يشعر بالقلق بصورة خاصة إزاء تراجع حكمها الاستراتيجي.
لقد ألحق سلوكها الانتقامي قصير النظر ضرراً هائلاً بالفلسطينيين الأبرياء لعقود من الزمان لا يزال يفعل ذلك حتى اليوم. ومع ذلك، فإن فرصها في إنهاء المقاومة الفلسطينية ضئيلة جداً، ختم تقرير المجلة.