الجديد برس
أحمد جمال الدين*
تساؤلات عدة شغلت بال المصريين بعد توقيع عبد الفتاح السيسي وسلمان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، رأى فيها كثيرون «صكّ» تنازل عن الجزر الخاضعة للسيادة المصرية منذ عقود، كرمى لعيون الرياض، علماً بأن هذه الجزر (صنافير وتيران) تخضع لمصر منذ الخمسينيات وتمثل نقطة عبور وسيطرة استراتيجية.
خلال زيارة الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، الجارية للقاهرة، وقّع رئيس الوزراء المصري، شريف إسماعيل، ووليّ وليّ العهد محمد بن سلمان، اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين، يوم أمس.
الاتفاقية، التي تتصف بنودها بالغموض ولم تعلن تفاصيلها حتى الآن، تقول مصادر مصرية وسعودية إنها تتضمن تقسيم استكشافات الغاز والبترول في البحر الأحمر، باستثناء المنطقة القريبة من حلايب وشلاتين، وذلك لتجنب إثارة أي اعتراضات سودانية، في ظل التأكيد الرئاسي السوداني أن حلايب مدينة تابعة تحت ولاية السودان.
لا معلومات نهائية عن تفاصيل الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بسرية في خلال اجتماعات «مجلس التنسيق المصري ــ السعودي»، المنعقد على مدار ستة أشهر ضمن تحركات السعودية للاستثمار ودعم الاقتصاد المصري بعد «توجيهات ملكية بتخصيص 30 مليار ريـال سعودي لمصر»، ما بين معونات اقتصادية ومشاريع يجري تنفيذها، وبذلك يصل إجمالي ما قدمته الرياض منذ «30 يونيو» 2013 حتى الآن إلى نحو 14 مليار دولار.
ويبدو أن هذه الاتفاقية جاءت نتاج زيارات رئيس «هيئة المساحة السعودية»، آخرها كان الشهر الماضي، واتُّفق في خلالها على تفاصيل الاتفاقية التي وقعها إسماعيل، ولكنها لا تزال بانتظار موافقة البرلمان عليها وفقاً للدستور قبل أن يصدر رئيس الجمهورية قراراً باعتبارها سارية، وذلك وسط تأكيدات من مصادر مصرية، تحدثت إلى «الأخبار»، تفيد بأن الاتفاقية «تشمل جزيرتي تيران وصنافير الخاضعتين للسيادة المصرية منذ الخمسينيات».
والزيارات التي لم تكشف تفاصيلها هي التي اتُّفق في خلالها على جميع البنود ونصوص الاتفاقية وسط توافق مصري ــ سعودي على أن تُدرَج ضمن الاتفاقات الاستثمارية التي وقعت أيضاً، لتكون اتفاقية الجزر الوحيدة التي لا يوجد نص مباشر على أي أموال أو مخصصات للجانب المصري من نظيره السعودي بشأنها.
وفي المنطقة البحرية التي شملتها الاتفاقية، كانت تيران وصنافير تخضعان للسيادة المصرية بموجب اتفاقية بين حكومتي البلدين جراء تنازع استمر مدة قصيرة قبل أن تنتهي إلى أن تكون إدارتها مصرية خالصة، كما أدرجت ضمن اتفاقية «كامب ديفيد» للتسوية بين مصر و”إسرائيل”، بعد انسحاب قوات الأخيرة من سيناء على خلفية هزيمتها في حرب 1973.
والجزر المدرجة ضمن المنطقة «ج» من الأماكن الطبيعية الأكثر إقبالاً للسياح في جنوب سيناء، حيث تُنظَّم رحلات بحرية بانتظام لها وتشهد حالة رواج كبيرة في خلال ذروة الموسم السياحي في شرم الشيخ، لكن الأهمية الاستراتيجية لهذه الجزر تكمن في أنها مدخل ومخرج لخليج العقبة، ويمكن في حال إغلاقها تعطيل الملاحة البحرية في ميناء «إيلات» ــ أم الرشراش الإسرائيلي.
ويبدو أن الاتفاق سيقر في أروقة البرلمان الموالي للحكومة، برغم الانتقادات التي تواجه نظام السيسي منذ بداية تسريب المعلومات عن الاتفاقية. حتى إن رئيس مجلس إدارة «مؤسسة الأهرام» الحكومية، أحمد النجار، قال في تصريح مقتضب يوم أمس، إن «هذه الجزر مصرية خالصة ودفع أبناء الجيش ثمنها من أرواحهم في الحرب»، وذلك وسط مطالبات بإعلان تفاصيل الاتفاق للرأي العام، خاصة مع تمسك رئيس الحكومة بالحفاظ على سرية الاتفاقية حتى إرسالها إلى البرلمان.
برغم ذلك، لا يتوقع إمرار الاتفاقية التي تطالب السعودية بتوقيعها منذ 11 عاماً في مجلس النواب بسهولة، ولكن الخطاب المرتقب لسلمان داخل البرلمان صباح غد الأحد، في سابقة هي الأولى لملوك آل سعود، قد تغير مجرى الاعتراض. ومجلس النواب يؤيد قرارات السيسي عادة، ولكن هذا لن يمنع أن تشهد أروقته انتقادات ومناقشات لاتفاقية ترسيم الحدود، خاصة أنه برزت بعض مطالبات نيابية من المعارضة لمناقشة مستفيضة حول الاتفاقية التي يرون أنها أخطر اتفاقية سيقرها السيسي منذ وصوله إلى السلطة. ويجب في حال إقرارها من الرئيس بعد إجازة البرلمان نشرها في الجريدة الرسمية.
كذلك فإن الصمت الرسمي المصري على ما تنشره وسائل الإعلام السعودية حول الجزيرتين يؤكد أنهما في طريقهما للخضوع للسيادة السعودية، خاصة أن مثل هذه المعلومات التي تعتبر من معلومات الأمن القومي المصري يصدر من الفور بيانات بتكذيب ما هو غير صحيح منها ببيانات رسمية وتصريحات من المسؤولين المعنيين، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
وكانت المطالبات السعودية بضم الجزر قد انطلقت عام 2005 في خلال حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، لكن اللقاءات بين الجانبين استمرت لسنوات دون الوصول إلى نتيجة، ثم تجددت في 2011 قبل أن تصل إلى محطتها النهائية في خلال الأسابيع الماضية. وقالت مصادر مصرية لـ«الأخبار» إن هناك «مراجعات قانونية على أعلى مستوى تمت للاتفاقية قبل توقيعها رسمياً أمس».
على جانب آخر، تطرقت مباحثات السيسي وسلمان إلى العلاقات المصرية ــ التركية وضرورة حل الخلاف بين الأول ونظيره التركي، وهو الطلب الذي أكد السيسي ضرورة أن يقابل بـ«مبادرة طيبة من الجانب التركي»، خاصة أن «مصر تحملت كثيراً»، فيما وعد الملك سلمان بالتدخل شخصياً لاحتواء الأمر في أقرب وقت، نظراً إلى «ضرورة تنسيق المواقف في خلال المدة المقبلة في ما يتعلق بعدد من القضايا الإقليمية والدولية ومواجهة الإرهاب». كذلك أخبر السيسي الملك السعودي بضرورة توقف الحملات الإعلامية التي تشنها تركيا على النظام المصري.
واللافت في المشاريع التي أعلنها السيسي وسلمان إعادة الاتفاق على إنشاء الجسر البري الذي يربط بين مصر والسعودية في سيناء، وإطلاق اسم سلمان على المشروع الجديد الذي يكلف مليارات الدولارات، ولكن هذا المشروع سبق إعلانه في عهد مبارك، وأطلق عليه اسم الملك فهد، وأعيد الحديث عنه أواخر حكم مبارك. ويواجه هذا المشروع اعتراضات كثيرة بسبب مخاطره البيئية على الحياة البحرية في البحر الأحمر الذي يمتلئ بالشعاب المرجانية، مع أن القاهرة والرياض تقولان إن مشروع الجسر سيُسهم في تسهيل حركة السفر والتجارة بين البلدين.
– الأخبار البيروتية