الجديد برس
بقلم / يحيى المحطوري
لم تكن داعشُ العراق وليدةَ يومها.. وما جرى ويجري في سوريا ليس مجرد صدفة.. بل خطوات أَمريكية أُعِدَّ لها مسبقاً لمواجهة محور الممانَعة في المعركة الكُبرى في المنطقة.
حيثُ استغلت أَمريكا العلاقات المفتوحة بين سوريا والسعودية وتركيا؛ لزراعة العصابات التكفيرية في مختلف أنحاء سوريا.. على سنة من تلك العصابات التي رسمت الصورة الأولى لاحتلال فلسطين في منتصف القرن الماضي.. وهي ما ظهرت عليه تلك العصابات في أدائها وسلوكها وطريقتها في تقطيع النسيج الاجْتمَاعي لأي بلد مستهدف.
خطّطت أَمريكا لهذه الخطوات جيداً.. في مشروع الفوضى الخلّاقة لولادة شرق أوسط جديد، أرادت منه تغيير أنظمة المنطقة على طريقة الديمقراطية الأَمريكية الهادفة لتقسيم المقسم وتفتيت ما تبقى من أنسجة متماسكة لدول الشرق الأوسط سواء جغرافيا ومجتمعياً..
وفي ظروف الربيع العربي المفاجئة لأَمريكا نوعاً ما، واجهت الإدارة الأَمريكية رياح التغيير في 2011م بإجراءات متفاوتة وبمعايير متباينة اعتماداً على مصلحتها وعلى الطريقة المناسبة للحفاظ عليها بما يتناسب مع كُلّ بلد.
وفي سوريا واستناداً إلَـى تلك الظروف وجدت أَمريكا نفسها مضطرة لاستخدام ورقة تلك العصابات التي تعدها – ولو قبل نضوجها الكامل -.. لاستغلال عواصف الربيع لصالح مشروعها وللاستفادة من الجو العام في صناعة المبررات لدعم تلك المجاميع الدموية والعصابات الإجْـرَامية.. وتوفير الغطاء الدولي والدعم الخليجي اللازم لتمويل تلك الثورة الزائفة.
ولحُسْن الحظ فقد اصطدمت هذه المؤامرةُ بصلابة النظام السوري واقتصاده القوي وجيشه الصامد.. وفشلت المؤامرةُ في تحقيق كُلّ أهدافها.. بفضل دعم حلفاء سوريا الكبير ووقوفهم إلَـى جانبها في هذه المحنة.
داعش العراق.. تستخدمها الإدارةُ الأَمريكية اليوم لمعاقبة العراق لوقوفه إلَـى جانب سوريا في مرحلة هامة وحسّاسة.. خلافاً للرغبة الأَمريكية.. في سلسلة من الخطوات الأخرى لمعاقبة حزب الله وحركات المقاومة الفلسطينية وكل الحركات المناهضة للمشروع الأَمريكي في المنطقة.. وللحد من استفادة حلفاء سوريا من ثمار الانتصار في تعزيز مواقعهم على المستويات المحلية.. أَوْ قدرتهم على الحضور في القضايا الإقليمية والدولية بفاعلية أكبر..
يؤكد ذلك الظروف والعوامل التي ساعدت الإدارة الأَمريكية على كُلّ ذلك.. والمتمثلة في قُدرتها على اختراق الجيش العراقي.. وقصور النظام العراقي في التعامل الصحيح مع خصومه.. وتقصيره في احتوائهم مجتمعياً.. وخطأه الكبير في التعامل معهم باستعلاء المنتصر.. بعد مرحلة الاحتلال الأَمريكي للعراق.. مما هيأ بيئة خصبة لإعادة إنتاج هذه العصابات واستخدامها للتأثير على قرار العراق وقدرته في التأثير على بقية المنطقة..
والعامل الأبرز هو تفريط النظام العراقي في الاستفادة من الفترة الماضية للتحرر من الخوف من أَمريكا وتفويته للفرص التي سنحت لبناء نفسه بَعيداً عن القبضة الأمنية الأَمريكية.. وعدم اهتمامه بتعزيز عوامل القوة التي تجعله قادراً على المواجهة وأكثر حفاظا على القرار السيادي للعراق..
والجميعُ يتابع وضع العراق باهتمام كبير في انتظار ما تخبأه الأيام لهذا البلد المنكوب.. وما مدى قدرة النظام على الصمود.. وما هي فرصه المتاحة لحسم الصراع.. وحجم الدعم الذي سيقدم له من دول الجوار.. وخُصُوْصاً في إطار تراجع دور إيران الإقليمي وما تقدمه من تنازلات في كُلّ الملفات الخارجية المحيطة بها لمصلحة ملفها النووي ورفع العقوبات المفروضة عليها لتهدئة الداخل الإيراني الذي يعاني اقتصادياً جراء مواقفه وما يترتب عليها من آثار.
دواعش الـيَـمَـن بدورها ليست حالة جديدة.. فقد عكفت السعودية على بنائها ودعمها طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن عبر شراء الولاءات القبلية.
والسيطرة على القرار السياسي والدعم الهائل لأجنحة النظام السابق وخُصُوْصاً حزب الإصلاح الذي تمكن من بناء ثكناته التكفيرية المسماة بدور القرآن في كُلّ مناطق البلد لمسخ هوية أبناء البلد وتغيير ثقافتهم المعتدلة.. ولسحق التعايش المعروف فيما بينهم على مدى قرون من الزمن..
إضافة إلَـى شراء الولاءات العسكرية واستمالة قيادات الجيش وتغيير عقيدته القتالية وبناء ثقافة مقاتليه على أساس طائفي وهّابي حاقد..
وعلى الرغم من أن هذه الدواعش حظيت بكل تلك الفرص للنجاح.. إلا أنها لم تتمكن من تلبية طموحات المملكة وتحقيق آمالها في الجار الأكثر تأثيرا على أمنها واستقرارها.. ووجدت أنها أهدرت ملياراتها دون أن تتمكن من الوصول إلَـى النتائج المطلوبة..
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما هو السبب ؟؟ وكيف ضاعت جهود كُلّ تلك السنين؟.
وللإجابة على ذلك.. علينا أن ندقق في الواقع الداخلي للـيَـمَـن وفي تأثير أنصار الله كأبرز الحركات الصاعدة على مستوى المنطقة.. على تغيير موازين القوى.. وكيف تمكنت من بناء نفسها.. ومن الاستمرار والنهوض في ظل تلك الظروف القاهرة.
وكيف تمكنت من إيقاف مشروع دواعش الـيَـمَـن وإفشاله.. وكيف استطاعت تحقيق الانتصارات المتتالية في كتاف ودماج وحاشد وحرض وعاهم والجوف وأرحب وعمران.. وها هي اليوم على مشارف صَـنْـعَـاءَ.
ولمعرفة سر نجاح أنصار الله بشكل صحيح.. يجب الرجوعُ إلَـى تفاصيل منهجها ومشروعها المتكامل ومواصفات قيادتها الحكيمة وقدرتها على التعامل مع كُلّ الظروف والمتغيرات والاستفادة منها في بناء المجتمع والارتقاء به على الرغم من كُلّ الظروف الصعبة..
كما أن ظروفَ الربيع العربي.. أسهمت بشكل كبير في إتاحة الفرصة لصعود أنصار الله ولقدرتهم على التحرك والنشاط الثقافي الواسع.. والتحرك الاجْتمَاعي الفاعل والمشاركة السياسية المؤثرة في مؤتمر الحوار الوطني وما آلت إليه مخرجاته..
كما أن صراعَ أجنحة الخليج على ملفات المنطقة وتسابقها في الرغبة على السيطرة على كُلّ تلك الملفات للمحافظة على فرص بقائها أمام مشروع أَمريكا للشرق الأوسط الجديد الذي لن يرحم أحداً.
هذا الأمرُ أسهَمَ في فقدان السعودية للسيطرة على بعض دواعشها في الـيَـمَـن.. وعجزها عن توظيفها لصالحها في معركتها الإقليمية.. في ظل التوجه القطري لإغراء بعض حلفاء المملكة من أجل النكاية بها بسبب انفرادها في السيطرة على وضع الـيَـمَـن عبر المبادرة الخليجية.. واحتضانها للأطراف بَعيداً عن التأثير القطري..
في ظل كُلّ تلك المتغيرات.. حسَمَ أنصارُ الله المعركة بشكل خاطف مع مجموع هذه الدواعش وتمكن من إفشال مخططاتها ودحرها من معظم مناطق شمال الـيَـمَـن.. وهي الآن تواجه في عمق مراكز قوتها التي تفقدها تدريجياً.. دون أن تتمكن من الدفاع عن جُغرافيتها التي عملت على السيطرة عليها طوال العقود الماضية..
وفيما يتعلق بالموقف الأَمريكي.. فهو يسعى إلَـى عزل التغنج الخليجي عن التأثير على تأجيج الصراع بين خصوم أنصار الله.. لذلك يفضل التعامل مع هادي رأساً ودعم مواقفه علَناً.. بَعيداً عن الوصي الخليجي أياً كان.. وهذا ما يفضله هادي الذي يبيت في أحضان أَمريكا ليلاً ونهاراً..
كما أن الإدارةَ الأَمريكية فقدت ثقتها في كُلّ الدواعش الـيَـمَـنية التي أثبتت الأحداث عجزها عن مواجهة أنصار الله سياسياً أَوْ عسكريا.. فهي تفضل أن تخطط بشكل دقيق في ظل تحرك أمني واقتصادي وسياسي وعسكري وبخطواتٍ متزامنة في الشمال والجنوب.. تحاشياً لأي فشل محتمل سيكون وقوداً لأنصار الله في صناعة انتصاراتٍ جديدة..
وفي ظل هذا التخطيط الدقيق لتفجير الوضع على طريقة دواعش الشام التي تم إنتاجُها من إعادة ترميم لتنظيمات سابقة مستهلكة سياسياً وعسكرياً.
تحاول الإدارة الأَمريكية إعادة إنتاج داعش جديدة على أنقاض تنظيماتها العميلة التي عجزت عن تلبية طموحاتها.. وباتت تتجرع الهزائم يومياً.. وأصبحت محترقة ومكروهة على المستوى الشعبي ولا تشرف العلاقة معها على المستوى الإقليمي والدولي..
وأداءُ كُلّ الأطراف الـيَـمَـنية في تنفيذ تفاصيل المخطط الأَمريكي يثبت بوضوح أن غرفة العمليات الرئيسية أصبحت في السفارة الأَمريكية في سعوان..
وبالعودة إلَـى أنصار الله الذين يواصلون تقدمهم إلَـى الأمام.. على حساب نفوذ تلك الأطراف.. مما أدّى إلَـى إعاقتها جزئياً.. في تنفيذ الدور المطلوب منها بشكل دقيق.. ويؤدي إلَـى تضارب أدوار هذه القوى نتيجة الارتباك الكبير الذي تنتجه هزائمها المتتالية أمام أنصار الله..
الأهَــمُّ من كُلّ ذلك.. هل سنشهد ولادة داعش جديدة قريباً.. في ظل تسارع الخطوات الأَمريكية لإطلاق داعشها في الـيَـمَـن مستفيدة من أشلاء الدواعش المهزومة حاليا؟.
هذا ما تشير إليه كُلّ الأحداث الأخيرة.. من إزاحة القاعدة من الجنوب إلَـى الشمال.. وتعزيزها بالجيش الرسمي براً وجواً.. وتأمين الغطاء السياسي لها.. وعزل قرار البلد عن المحيط الإقليمي والدولي.. وتهيئة الأجواء لهذه العصابات في كُلّ المناطق الحساسة..
إضافة إلَـى بناء القواعد العسكرية الأَمريكية الضخمة في مناطق حسّاسة من الـيَـمَـن.. والعمل الدؤوب والمكثف لأجهزة الاستخبارات الأَمريكية لبناء خلاياها السرية في العاصمة بعد بناء مستوطنة السفارة الهائلة وبعد إكمال السيطرة على قرار البلد بشكل كامل..
إضافةً إلَـى ما تحظى به المجاميع التكفيرية من دعم وإسناد في تحركاتها الكثيفة المحيطة بالعاصمة صَـنْـعَـاءَ للسيطرة على مداخلها والمعسكرات المتواجدة فيها..
كلُّ ذلك يؤكد أن غرفة العمليات الأَمريكية تدير كُلّ الأطراف.. وتنسق أدوارها المختلفة.. وتحتفظ بالقرار الحاسم والأخير في كُلّ ما يدور في البلد.. في انبطاح مُخْـزٍ من هادي الذي سيكون أول من يحترق بنيران هذه المؤامرة.
وفي ظل كُلّ ذلك.. هل سيستيقظ اليمنيون يوماً على داعشهم التي لن تتورع عن سفك الدماء وهتك الحرمات ولن تستثني أحداً.. ولن ترحم أبداً؟!.
حينها سيدرك الجميع أهميةَ دورِ أنصار الله.. ومواقفهم الوطنية وعملهم العظيم في مواجهة هذه المؤامرات وفي الحد من آثارِها..
وأنهم حجر العثرة الوحيد في مواجهة المؤامرة الأَمريكية التي تتعطش لدماء كُلّ الـيَـمَـنيين ولا تفرق بين أحد منهم..
وأن مشروعَهم القرآني المتكامل والناجح هو الأمل الوحيد للخلاص.. والحل الوحيد لمواجهة الدواعش التكفيرية الإجْـرَامية القديمة والجديدة..
ولذلك نقول: أيها الـيَـمَـنيون.. حان وقت الاستيقاظ قبل فوات الأوان.