الجديد برس
يمكنُ القولُ إن اجتماعَ منظمة التعاون الإسْـلَامي في اسطنبول على مستوى القمة كان من أَكْثَر الاجتماعات فشلاً. وقد ظهرت شائعات كثيرة تتحدّث عن مصالحات وتقاربات بين مختلفين، لكن مسار القمة وخطاباتها ولقاءاتها أظهرت عكس ذلك.
فتركيا تحديداً كانت من أَكْثَر الدول انتقاداً لمنظمة التعاون الإسْـلَامي، بسبب عدم تقديم دولها الغنية، وقد سمّى الرئيس رجب طيب أردوغان أَكْثَر من مرة دول الخليج(الفارسي)، ومنهم السعودية، مساعدات لمسلمي ميانمار وأيضاً لقطاع غزة.
وكان انتقاده الأَكْبَر للمنظمة في عهد أمينها العام السابق إكمال الدين إحسان أوغلو، عندما لم تندّد المنظمة بما أسماه اردوغان «انقلاب» الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على الشرعية التي كان يمثلها الرئيس السابق محمد مرسي. وكان أردوغان يستهدف بشدة الملك السعودي الراحل عبدالله، الذي حصلت في عهده تلك الأحداث. بل إن ترشيح إحسان أوغلو للرئاسة التركية بوجه أردوغان، في صيف العام 2014، إنما كان وفق المراقبين بتشجيع من السعودية.
اليوم يقف أردوغان والأمر لم يتغيّر. لم يتغير موقف المنظمة من الفلسطينيين وعجزها عن دعمهم، ولم تساهم المنظمة في أية مدفوعات هنا أَوْ هناك للمسلمين في العالم. لم يجد أردوغان سوى صبّ جام غضبه على النظام الدولي الذي يحصر مصير العالم بين شفتي خمسة أعضاء دائمين في مجلس الأمن، وكلهم غير مسلمين.
لكن انتقادات أردوغان هذه لم تحجب تذاكيه في المواقف، خُصُـوصاً من القضية الفلسطينية وإسرائيل. غاب الخطاب المتشدد ضد إسرائيل. ربما لم يكن مناسباً إخبار المنظمة عن قرب إعادة تطبيع العلاقات، التي لم تنقطع في الأَسَـاس، مع إسرائيل، علماً أن هذا لا يزعج أبداً عدداً كبيراً من أعضاء المنظمة.
لم تبذل منظمة التعاون الإسْـلَامي في اجتماعها في اسطنبول أي جهد جدي من أجل رأب الصدع بين بعض دولها. لم تتشكل حتى لجنة للمصالحات تدور على العواصم، وتحمل مقترحات جدية، لا بين السعودية وإيران، ولا بشأن الحرب في سوريا وفي العراق والـيَـمَـن. أما العلاقة بين تركيا ومصر فتلقت من جديد ضربة لم تكن في حسبان البعض، وهو أن وزير خارجية مصر سامح شكري، وباسم الرئيس عبدالفتاح السيسي «قال كلمته ومشى»، مغادراً تركيا من دون حتى أن يشارك في الصورة التذكارية، ولا في الاستماع إلَى كلمة أردوغان وبالكاد بلغت إقامته في اسطنبول الساعتين.
ولم تجد المنظمة بدلاً من ذلك سوى الإمعان في التنكّر لهويتها عندما عملت على تركيز الهجوم في بيانها على إيران، والأقبح من ذلك تصنيف «حزب الله» كمنظمة إرْهَـابية. غاب انتقاد إسرائيل عن خطاب أردوغان وغيره، وحضر العداء لإيران وَ«حزب الله» في البيان الختامي، في مفارقة ليست سوى ورقة نعي لهذه المنظمة التي يريدون تمثيلها في مجلس الأمن.
تتحمّل تركيا جزءاً كبيراً من مسؤولية تصعيد الحملة على إيران؟ البعض رأى، وأنقرة أيّدت ولم تعترض على ما سُمي بتدخل إيران في الشؤون الداخلية للدول العربية. أمر يثير السخرية والاستهزاء من جانب دولة مثل تركيا باتت استراتيجيتها الأَسَـاسية التدخل في شؤون الدول الأُخْــرَى، الإسْـلَامية تحديداً، سواء في سوريا أَوْ غيرها. بل ماذا يفعل الأتراك في بعشيقة في العراق، رغم أن الحكومة العراقية طلبت رسمياً منهم الانسحاب لأنهم جاؤوا من دون طلب؟ وماذا تفعل المعارضة السورية المسلحة على الأراضي التركية؟ أليس هذا تدخلاً بل عُـدْوَان تركي على سوريا؟ أي قرار دولي سمح لها بذلك؟ لماذا لا تدرج هذه الحالات، وهي مجرد غيض من فيض، في بيان منظمة التعاون الإسْـلَامي؟
أما اقتراح تصنيف «حزب الله» تنظيماً إرْهَـابياً في مؤتمر منظمة التعاون الإسْـلَامي، فهذا له مع تركيا قصة أُخْــرَى. فموقف أنقرة من «حزب الله» اللبناني كان سباقاً على مواقف باقي الدول الإسْـلَامية، وكان جزءاً من الموقف التركي من محور المقاومة من سوريا إلَى إيران والعراق.
لا نبالغ بالقول إن «حزب الله»، بدوره الرئيسي في معركة القصير في ربيع العام 2013، كان أحد أهم عوامل إلحاق الهزيمة بالمشروع التركي، ومَن معه، في سوريا.
معركة القصير من المعارك المفصلية في الحرب السورية، كما هي معارك سلمى في ريف اللاذقية ومعركة تدمر وكما ستكون معركة حلب. لذا لا ينسى الأتراك لـ «حزب الله» دوره في الحرب السورية.
باستثناء «ديفرسوار عرسال» فَإن معركة القصير فتحت الباب أَمَـام إغلاق معظم الحدود اللبنانية أَمَـام موجات الدعم للمجموعات المسلحة في الداخل السوري. ضاق حينها هامش المناورة التركية الذي انحصر بالحدود التركية.
معركة القصير كانت سبباً لكي يطلق بكر بوزداغ نائب رئيس الحكومة التركية حينها، أي في 26 أيار 2013، كلاماً حاداً بحق «حزب الله». قال بوزداغ، الذي يشغل الآن منصب وزير العدل، في ندوة لوقف «خيرات» في أنقرة: «يجب أن يكون واضحاً أن حزب الله يجب أن يغير اسمه. هو ليس حزب الله بل حزب الشيطان».
ولا أحد يمكن أن ينسى كلام أردوغان عن الشيعة بتأريخ 12 آذار 2014 على إحْـدَى المحطات التلفزيونية التركية، عندما اتهمهم بالنفاق والكذب والتقية. وقد لاقى هذا الكلام غير المسؤول من رئيس الحكومة التركية حينها ردود فعل مستهجنة في إيران ولبنان والعراق. ولا ندري كيف يلتقي كلام أردوغان هذا عن الشيعة، والذي رفض الاعتذار عنه، مع كلامه هو نفسه أمس في اجتماع اسطنبول حول خطر المذهبية على وحدة المسلمين؟
اليوم مع قرار منظمة التعاون الإسْـلَامي اعتبار «حزب الله» إرْهَـابياً، وموافقة أنقرة على هذا القرار، لم تفعل تركيا سوى تأكيد المؤكد، بل التشاوف بأنها سبقت الجميع إلَى ذلك، وبتصنيفات أبشع قبل ثلاث سنوات.
إذا كانت بعض الدول العربية أَوْ الإسْـلَامية تخضع للإغراءات المادية، لأنها في الأَسَـاس لم تستطع أن توفر تنمية وخبزاً لشعوبها، فَإن تركيا بموقفها الجديد من «حزب الله» تنسف خشبة أُخْــرَى في جسر علاقاتها مع مكونات أَسَـاسية في المنطقة. وهي تضع نفسها أَيْضاً في موقع الطرف من التوازنات الداخلية اللبنانية، وما يترتّب على ذلك من نتائج، حتى على العلاقات الثنائية.
ولا يُخفى على قادة «حزب العدالة والتنمية» أن لـ «حزب الله» ودوره في النضال ضد إسرائيل، ورغم كُلّ محاولات تشويه صورته بسبب الحرب في سوريا، جمهوراً كبيراً في تركيا، بين الأتراك والأكراد وبين العلمانيين والإسْـلَاميين وبين السنة والعلويين على حد سواء. وفي هذا الموقف التركي السلبي من الحزب تأكيد على صورة تركيا التي لا تبارح العقل العربي، وهي صورة تلك المتحالفة مع إسرائيل والمساعدة على ترسيخ وجودها واحتلالها للأراضي الفلسطينية.
تؤكد منظمة التعاون الإسْـلَامي أنها لم تعد قادرة على أن تحمي مصالح المسلمين في العالم، ولا وحدتهم ولا كرامتهم. وهي بهذه المواقف المتخاذلة من قضية المسلمين الأوْلَى في فلسطين، وبهذه البيانات المثيرة للتفرقة بين المسلمين ودولهم، إنما توجه الإساءة الأَكْبَر للإسْـلَام في القرن الحادي والعشرين.
* محمد نور الدين- السفير اللبنانية