الجديد برس : مجلة الهدهد
حاوره/ أمة الملك الخاشب
تتشرف مجلة الهدهد أن يكون ضيفها في هذا العدد شخصية سياسية فذّة ولها مواقفها المشرفة في كل قضايا الوطن العربي، وتشكر مجلة الهدهد الضيف الكريم النائب اللبناني السابق الأستاذ ناصر قنديل رئيس تحرير صحيفة البناء على تشريفه للمجلة بأن يكون ضيفا عليها لتناقش معه مستجدات الأحداث، وتطلع القراء الكرام على رؤيته وقراءته للأحداث الجارية على اليمن وعلى المنطقة العربية كلها.
*بما أننا نعيش ذكرى يوم القدس العالمي وتحييه العديد من الشعوب الإسلامية والعربية هل برأيكم ستكون آثار وخصوصيات إحيائه هذا العام لها أهمية وأثر أكثر من ذي قبل خاصة والأمة تعيش هذه التحديات والظروف الخاصة بالعدوان على اليمن والحرب على سوريا وما يحدث في العراق وليبيا؟
يحل هذه السنة يوم القدس العالمي في ظروف تختبر ما تختزنه الأمة من مكانة لفلسطين قياسا بما تخضع له من مشاريع تسعى لجعل الاهتمامات بيوميات العيش تستهلك كل الطاقات، وتحتل العقل والوجدان والأهم أنه بعد عاصفة ما عرف بالربيع العربي تختبر الأمة قدرتها على إثبات أنها أمة تتقدم قضية الاستقلال جدول أعمالها رغم توقها العميق للديمقراطية إلا أنها تستشف مع تجارب السلطة التي أنتجتها ثورات الربيع العربي باسم الديمقراطية أن لا ديمقراطية حقيقية تكتمل بدون الاستقلال، وأن المرجعيات الخفية لقادة السلطات الجديدة ليست مجرد أدوات استتباع بل مشاريع تخلف فكانت صحوة عربية بوجه هذه السلطات تصحح مسارها وهي تكتشف أنها عندما تفعل ذلك لن تصطدم فقط بمشاريع تزوير الإرادة الشعبية بل بمشاريع الهيمنة الأجنبية ومكانة إسرائيل فيها وهذا يتكفل عمليا بالربط الجمعي لخيوط القضايا المتشابكة الديمقراطية، وإعادة بناء سلطة الشعب بقضية الاستقلال، الوطني بقضية فلسطين …وهنا قيمة الخبرة الخاصة والمميزة للشعبين اليمني والسوري حيث تبدو عملية الترابط حية في عقول وقلوب الناس ، فعندما ينتفض اليمنيون لتكوين عادل ومنصف وصادق لحكم بلادهم يجدون أنفسهم فجأة بوجه عدوان سعودي يحمل كل بقايا التخلف في انظمة الحكم وكل قيود التبعية ومن ورائه تحضر أميركا وتستحضر إسرائيل، ويظهر كل شيء جليا واضحا لا يحتاج إلى تحليل.
فالإسرائيلي يستعرض طياريه الذين يشاركون في قصف اليمن على صفحات صحفه والأميركي يقدم الحماية والرعاية اللازمتين ديبلوماسيا وقانونيا في المحافل الدولية ويمد بما تحتاج الحرب من عتاد وذخائر محرمة ويوفر الحضور اللازم في المحيطات والبحار لتوفير كل شروط استفراد المجرم بالضحية؛ يكشف اليمنيون ويكتشفون ربما أكثر من سواهم حجم ومعنى الاحتفال بيوم القدس هذه المرة بكونهم يقولون إننا هذه المرة نحتفل ضمنا بمعنى حرب استقلالنا الذي لا ديمقراطية بدونه والذي لن يكتمل إلا بشحذ روح المقاومة والنصرة لفلسطين وبقدسها .فكل حروب المنطقة تؤدي إلى فلسطين وكل ثورات المنطقة الصادقة تصطدم بالسعودية.
* في ظل الأوضاع التي تشهدها المنطقة العربية وتكشف الكثير من الحقائق التي كانت تدار من خلف الكواليس وفضح مواقف الأمم المتحدة، كيف تقرأون باختصار رؤيتكم للأحداث بعد شهر رمضان، وهل لا زال مصير مفاوضات الكويت مجهولا
رغم طول مدة المفاوضات التي أصبحت تقارب الشهرين؟
شكلت الحقبة السعودية عنوانا تاريخيًا لتزواج مشروعي الهيمنة الأميركية والعدوان الإسرائيلي في المنطقة، وهذا ما يكشفه كون السعودية لم تخض في تاريخها إلا حربين، والحربان في اليمن وخلال نصف قرن بينهما يظهر أنهما حربان لحساب أميركا وإسرائيل فالحرب الأولى التي مهدت لحرب العام 1967 وإنهاء ظاهرة جمال عبد الناصر وخاضت السعودية غمارها في اليمن ضد الناصرية وضد عبد الناصر بشعارات وتحالفات لا تشبه حربها الراهنة لكن الحرب الأولى كانت حرب التمهيد لحقبة الهيمنة التي أنتجت كامب ديفيد واجتياح لبنان واتفاقيه أوسلو والحرب، الثانية كانت حرب الانتقام لفشل احتلال لبنان والانسحاب من جنوبه ومن قطاع غزة وفشل أميركا في حربي العراق وأفغانستان، وفشل عدوان تموز2006 على المقاومة في لبنان، وحروب غزة 2008 و2012 بحيث صار النصر السعودي في اليمن هو التقاط الأنفاس الوحيد المتاح للحلف الثلاثي الأميركي الإسرائيلي السعودي منعا لوقوع الهزيمة المدوية إذا خرج اليمن عن السيطرة، وبالمقابل يشكل صمود الشعب اليمني وقواه الوطنية وجيشه ونخبه الفرصة الفاصلة لشعوب المنطقة لإعلان نهاية الحقبة السعودية التي تزاوج ظهورها مع صعود العصا الإسرائيلية، وثبت أنه لا يكتمل كسر العصا الإسرائيلية بدون تهشيم الحقبة السعودية وإسقاط عنوانها وهذا يعني بدء عهد الشعوب من بوابة اليمن.
ماذا يعني استمرار الحوار والمفاوضات مع استمرار العدوان على اليمن واحتلال أرضها واستمرار تدفق القوات الغازية إليها؟
إن الشعب اليمني وقواه الوطنية ليسوا من أعلن الحرب، ولا من أغلق التفاوض ولم يكن على جدول أعمالهم لا تغيير الحكم في السعودية ولا الإمساك المنفرد للحكم في اليمن فمشروعهم قبل دخول صنعاء وبعدها وقبل الحرب العدوانية وبعدها وقبل مشاورات الكويت وبعدها هو هو، مشروع العلاقات القائمة على حسن الجوار وعدم التدخل والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة فيما يخص العلاقات السعودية اليمنية ، والذهاب لحوار ينتج حكومة توافقية تمهد لإعادة توحيد الجيش ولدستور جديد تجري على أساسه إعادة تكوين السلطة عبر انتخابات رئاسية ونيابية، ومن ماطل وسوّف وراهن على إسقاط هذه المطالب بالحرب هم حكام الرياض ومن ومعهم من اليمنيين ، فالذهاب إلى مبدأ التفاوض هو تسليم ضمني من أصحاب الحرب بفشل حربهم ، ولو كانوا يماطلون لعجزهم عن تحمل فاتورة السلام بعدما رفعوا سقوفهم عاليا كما فعل من قبلهم الإسرائيلي في حرب تموز 2006 على المقاومة في لبنان بجعل شعارات الحرب الاستئصال والاجتثاث والسحق فيصير قبول الحل التفاوضي كمبدأ إعلان فشل للحرب ، أما عن آفاق المشاورات الكويتية فالواضح أن رهان الحرب قد خسر ولا أفق لترميميه وإنعاشه ، لكن التسليم بالحقائق الأصلية للصراع في اليمن، وتلك التي أكدتها الحرب ومعها التسليم بأن شركاء السعودية في اليمن ظهروا أصفارا بدون الحرب وسيعودون كذلك بعد أن تتوقف ، بينما ظهر تنظيم القاعدة شريكا وحيدا يعتمد عليه ، كلها تعقيدات وإشكالات يعيش الحلف المقابل تحت وطأتها ما يجعل التناقض بين العجز عن الحرب والعجز عن السلام يطيل أمد التفاوض بما يشبه ما حدث في مفاوضات السلام الفيتنامية التي لم تصل لنتائج حاسمة إلا مع تطورات حاسمة في الميدان. .
* الاقتصاد السوري الآن في تنامي وازدهار وصمود رغم كل ما تواجهه سوريا من تحديات ومؤامرات فما هو سر هذا الصمود الاقتصادي في سوريا؟ وهل ترون أن اليمن قادر على أن يواصل صموده الاقتصادي أيضا رغم كل ما يتعرض له من عدوان وتدمير ممنهج لكل بناه التحتية؟
الشعبان اليمني والسوري متشابهان في القدرة على المثابرة والإنتاج وتحمل الضغوط، وربما يمثلان نموذجا متقدما على هذا المستوى بين الشعوب العربية واقتصاد الحرب وسياسات التقشف التي تعتمدها القيادات المسؤولة عن تسيير شؤون الدولة في اليمن عامل مهم في تحمل طول زمن الحرب لكن الحقيقة أن ظرف اليمن أشد قساوة من الظرف السوري سواء بالنسبة لحجم الحصار الظالم من كل الجهات على اليمن أو لكون الدولة في سوريا هي الجهة التي تمثل خيار المقاومة بما يوفره الإمساك بصفة الشرعية الدستورية من سلطة تحريك المال وإدارة التجارة والإشراف على المؤسسات بينما تضطر القوى الوطنية اليمنية إلى التدخل الجراحي في عمل مؤسسات الدولة حرصا على عدم الظهور بصورة السعي للاستفراد بالسلطة وإبقاء فرص التصالح قائمة ، لذلك لا يمكن أن نتوقع من الشعب اليمني وقواه الوطنية النجاح في توفير فرص نموذجية للحياة بل قدرة على الصمود حتى ينضج الفريق الآخر لقبول التسويات والتسليم بالحقوق ، وهذا يحكمه بالمقابل نزيف الفريق الآخر ماليا وبشريا ونزيف معنوياته ونزيف رصيده السياسي والدبلوماسي، وكلها عناصر بائنة أمامنا أقله ما بدأ يظهر من مواقف دولية ضاغطة ومن نفاد لموارد الخزينة السعودية، ومن تعالي الدعوات لوقف الحرب داخل صناع القرار الخليجي من البيت السعودي إلى الإمارات والمسعى الكويتي للوساطة هو في كل حال أحد هذه التعبيرات ، ففي لعبة توازن الصمود وقدرة التحمل بات واضحا أن الكفة راجحة بقوة لصالح شعب اليمن وقواه الوطنية رغم قساوة الظروف وجسامة التضحيات والمعاناة.
تجدون اللقاء على الرابط التالي :
http://www.alhudhud.net/?p=22113