الجديد برس : ابراهيم الهمداني
لا يخفى على أحد طبيعة التاريخ الدامي والمجازر الوحشية، التي تأسست عليها مملكة ال سعود، ونتيجة لها فرضوا سيادتهم ملوكا على أبناء الجزيرة العربية، بما أشاعوه فيهم من الرعب والقتل والدمار، ولا يخفى – أيضا – الدور البريطاني الماسوني في تأسيس تلك المملكة بالقوة، بعد رفضها من قبل وإسقاطها مرتين، ولسنا بحاجة إلى إثبات ولاء ملوك ال سعود – منذ المؤسس – لبريطانيا واليهود، وتعهدات المؤسس الخطية لهم بالحماية والرعاية والولاء المطلق، وعدم الخروج عن أمرهم قيد أنملة، ووعده القاطع بمنح فلسطين لليهود المساكين حسب وصفه، فعلاوة على تلك الحقائق والوثائق التي نشرت بهذا الخصوص، فإن سياستهم في المنطقة وتحالفاتهم مع إسرائيل مباشرة دون وسيط، قد خرجت عن طابع السرية المتبع سابقا، وأصبحت ذات طابع علني رسمي، دون مراعاة لأدنى قدر من مشاعر المسلمين، الذين يرون فيها حامي حمى الإسلام والذائد عن مقدساته، ويرون في الكيان الصهيوني عدواً دينياً ووجودياً.
اعتمدت مملكة ال سعود على الإرهاب والقتل والتدمير والتوحش، منهجاً وفكراً وسلوكاً، وتقديم ذلك النهج كمرتكز أساس لمشروعهم الإحيائي، ذي الصبغة الدينية، الذي اتخذ فيما بعد صورة المذهب الوهابي، الذي قدمه العميل الماسوني محمد بن عبدالوهاب، بإيعاز من وزير المستعمرات البريطانية مستر هيمفر، ولم يقدم هذا المذهب بوصفه مذهبا مستقلا متطرفا، بل قدم بوصفه امتداد لنهج السلف الصالح والسنة النبوية المطهرة، أي أنه خلاصة مجموع مذاهب السنة الأربعة، بينما هو في الحقيقة يعد الترجمة الفعلية لرؤية السير هيمفر، الذي حدد الخطوط الرئيسة لهذا الاتجاه الديني الطارئ – والذي سيتخذ فيما بعد طابعا سياسيا أيضا – المتمثلة في تكفير المسلمين وإشاعة التشدد بحجة التمسك بالدين الإسلامي، وممارسة القتل بأبشع الوسائل والتنكيل والتوحش المفرط، بحجة الردع والزجر وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية، وغير ذلك من الأسس التي قررها هيمفر، وأوعز لابن عبدالوهاب بانتهاجها، وهي في مجملها تهدف الى تشويه صورة الإسلام كدين، وفكر العربي المسلم كأنسان، وتحويله الى وحش كاسر وإرهاب مدمر باسم الدين، بحيث تتم بواسطته عملية إخضاع وتدجين الشعوب، وإدخالها في دائرة العنف والخوف والإرهاب، بما من شأنه تسهيل تمرير المخططات الاستعمارية الإمبريالية والصهيونية على وجه الخصوص، وتوفير الحماية اللازمة لمملكة إسرائيل من مخاطر صحوة المسلمين، وانتفاضتهم ضد هذا الوجود الغاصب، ولذلك لم يكتفوا بتعطيل الدور الريادي للزعامة الدينية الروحية ممثلة بملوك ال سعود، بل عمدوا الى تحويل أولئك الملوك الى جنود لخدمتهم وحمايتهم.
إن النظر في الأسس الدينية والفكرية التي قام عليها المذهب الوهابي، يؤكد اعتماده على رؤى مغلوطة ومفاهيم متشددة، وأحاديث موضوعة وفي أحسن الأحوال ضعيفة، وهذه بدورها تنتمي الى المرويات الإسرائيلية، الدخيلة على الدين الإسلامي الحنيف، الموصوف بشمولية الرحمة للعالمين دون تمييز أو استثناء، وهذا ما يخالف طبيعة تلك الرؤى والأفكار والمقولات الإسرائيلية، التي وُضِعت أساسا لتحدد طبيعة علاقة اليهودي بالأغيار (الغوييم)، التي لا تجيز له فقط، بل تبيح له خداعهم والانتفاع بهم، وسلبهم حقوقهم واستعبادهم، قتلهم بدم بارد – إن أراد اليهودي ذلك ورغب فيه – شأنهم شأن الحيوانات، لا قيمة لهم ولا معنى لوجودهم، إلا بمقدار انتفاع شعب الله المختار بهم، وإفادته منهم، وليس على اليهود أدنى التزام أخلاقي أو إنساني تجاه أولئك الأغيار، كما حكى عنهم جل وعلا بقوله: “…….. ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون” .
إن النظر في طبيعة الفكر الوهابي، وما يطرحه من حلول وتصورات وآليات تنظم حياة المجتمع، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، حقيقة الإسقاط الايديولوجي الموازي، في استنساخ الفكر اليهودي الراديكالي الأصولي المتشدد، ذي الخطاب المتعالي والأنا المتضخمة، والسلطة القاهرة المطلقة، وإعادة إنتاجه وتقديمه للمجتمع العربي المسلم، كمذهب ديني إسلامي، يبني رؤاه واجتهاداته على الموروث الديني والاجتهادات الفقهية التي تزخر بها مذاهب السنة والجماعة حسب زعمهم، بينما هي لا تعدو كونها – كما أسلفت – من حيث المرجعية الدينية، تكريس للمرويات الإسرائيلية المتعصبة المتشددة، المرتكزة على أساس التعالي والعنف والإرهاب والتسلط، وتبرير قبح الوسيلة بأهمية الغاية، وتحقيق السيادة والهيمنة كحق إلهي، وتجسيد للرغبة السماوية بمختلف الوسائل، وفي مقدمتها المال والقوة والجنس، وهذه هي القاسم المشترك – في طبيعة الفكر والسلوك – بين الصهيونية وال سعود، بوصفهما منظومتان سياسيتان تنتميان الى ذات الصبغة الدينية، والطابع الأصولي المتشدد الإرهابي.
ليس من قبيل المصادفة أن ينشأ الكيان الصهيوني والكيان السعودي بالتزامن في وقت واحد، ويستقيان من ذات الفكر الأصولي الإرهابي المتشدد، وأن يمارسا السياسة في المنطقة، من خلال اعتناق المكيافيللية مبدأً، والإرهاب نهجا وموقفا، ووسيلة لبلوغ أعلى مراتب السيادة والهيمنة، والشواهد على ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى، سواء مجازر الكيان الصهيوني بحق أبناء فلسطين ولبنان، أو مجازر ال سعود بحق أبناء شبه الجزيرة العربية، منذ تأسيس هذين الكيانين حتى الآن، سواء كان ذلك بصورة مباشرة، أو من خلال اشعال الفتن والحروب في المنطقة وتبني دعم وتسليح الجماعات المتطرفة، التي تعتنق ذات المبدأ والرؤية والموقف، حتى يمكن القول إن طبيعة الإجرام والتوحش والعنف والمجازر، وآليات التخطيط والتنفيذ والتفكير – لدى هذين الكيانين – تكاد تكون واحدة في الفكر والسلوك، يضاف الى ذلك النزعة التوسعية الاستيطانية، التي تعد هاجسا مشتركا بين مملكتي ال سعود وال يهود.
لم تعد مبررات القتل والتدمير الشامل والذبح والإبادة الجماعية، ذات أهمية في عرف وأدبيات هذين الكيانين الإرهابيين، فمن تهمة معاداة السامية، الى جريمة التشيع لآل البيت، وصولا الى إلصاق تهمة الإرهاب على الاخر
المقاوم لهما، حتى أصبحت هذه التهمة الأخيرة، الوسيلة الأسرع والأنسب لجميع الحالات الرافضة المستعصية على التطويع والتركيع.
اكتسب الكيان السعودي مساحة جغرافية أوسع، من حيث مجال الاشتغال والتطبيق والممارسة، نظراً للصبغة الدينية التي اتخذها قناعا لترويج مشاريعه التخريبية الهدامة في المنطقة، من ناحية، ولتشويه صوره الدين الإسلامي الحنيف، من ناحية ثانية، ومسخ جوهره القائم على المحبة والتسامح والقيم والمبادئ السامية، من خلال الترويج للمذهب الوهابي، بوصفه النموذج المثالي لخلاصة مذاهب السنة، وبذلك نجحت اشتغالات الفكر الوهابي في إنتاج الكثير من صور التبعية والاستلاب، والعقم الفكري وعقلية القطيع، ذات الصبغة الأصولية المتشددة، والنزعة الإرهابية المتطرفة، المتمثلة في القاعدة وداعش وغيرهما، حيث يقوم الكيان السعودي برعاية تلك الجماعات المتطرفة، على كافة المستويات والأصعدة، مقابل دخولها في صراعات وفتن وحروب داخلية، تخدم المشاريع الاستعمارية الصهيونية، وتقدم الإسلام بوصفه النموذج الأعلى للتطرف والإرهاب وثقافة المحو، الأمر الذي يؤدي الى قلة الإقبال على هذا الدين، ويؤكد عدم صلاحيته لتحقيق نجاح وسعادة الفرد والمجتمع.
ذلك ما تقدمه الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، وهو ما يقدمه الكيان السعودي – بصورة مباشرة – في اليمن، إذ لم يألُ جهدا ولم يدخر وسيلة في قتل وحرب وحصار هذا الشعب على كافة المستويات،ونظرا لهزائمه المتكررة والمتلاحقة وفشل مشاريع منافقيه وعملائه، يلجأ دائما الى تغطية هزائمه، بارتكاب المزيد من المجازر الوحشية والمذابح الجماعية بحق المدنيين الأبرياء، مستهدفاً الأسواق والمدارس والمساجد والطرقات والمستشفيات وتجمعات الأفراح والأتراح، وكل ما يشكل تجمعا بشريا مدنيا، بهدف إشاعة الرعب والذعر والخوف في النفوس، والوصول بذلك الى إعلان الشعب اليمني الاستسلام والخضوع لمملكة الشر والإرهاب – داعش الكبرى – السعودية.
لم تكن مجزرة الصالة الكبرى التي ارتكبها طيران العدوان السعوامريكي، بحق المدنيين في مناسبة العزاء، الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فما زال في جعبة ذلك الكيان الشيطاني الطارئ على المجتمع والدين الإسلامي، الكثير من الجرائم والمذابح التي سيقترفها إرضاء لنظيرة الصهيوني، ومحاولة لكسر الصمود الأسطوري لهذا المحور المقاوم، ورغم أن نظام ال سعود يلفظ أنفاسه الأخيرة ويمضي في سقوطه بشكل متسارع، إلا أن ذلك لن يثنينا عن مواصلة التعجيل في نهايته المحتومة، وتكثيف الضربات الصاروخية على مواقع استراتيجية وحيوية في العمق السعودي.
علينا ان نستمر فيما بدأناه من النضال والصمود والتلاحم، وعدم الركون الى اي حليف خارجي، او التعويل على مواقف الخارج، او انتظار الامم المتحدة ومجلس الأمن، أو غيرها من المؤسسات الدولية التي تسيطر عليها في مجملها امريكا وإسرائيل، ويمولها النفط الخليجي، وليست تلك الهيئات الدولية غير دول الاستعمار القديم، حاولت تحسين صورتها وتقديم مشاريعها الاستعمارية التسلطية، من خلال تلك المسميات البراقة والشعارات الأنيقة، بينما المحتوى الاستعماري مازال هو ذاته بطبيعته الأصلية، وما يزعجهم بالنسبة لليمن هو رفضه وصايتهم وهيمنتهم، وسعيه الدائم الى التمرد عليهم وتعريتهم وكشف خططهم وتآمراتهم، وبما ان اليمن تسعى لنيل هذا الاستحقاق الكبير من الحرية والسيادة والاستقلال، فإنها قد دفعت وتدفع وستدفع ثمنا باهظا لبلوغ تلك الغاية السامية، والنصر حليفنا بفضل الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.