الجديد برس : مقالات واراء
كتب / علي شرف المحطوري
شهد العام 1990 حدثين متناقضين مع التسليم باختلاف كل منهما –معطيات ومسببات ونتائج- أولهما رفض العالم قيام العراق بغزو الكويت في الـ2 من أغسطس، ولأن سوريا من ضمن الرافضين، فقد كوفئت بمد يدها على لبنان، وتدخل الجيش السوري حينذاك لإسقاط حكومة الجنرال ميشال عون في الـ13 من أكتوبر من ذات السنة.
ما يهمنا من ذلك هو كيف أن الجوار العربي غير سليم أبدا، وكيف أن القوي وحالما يشعر بزهو في القوة سرعان ما تفيض هيمنةً على الجوار.
وفي هذه المرحلة ومن خارج الدائرة العربية، نجد تركيا-أردوغان تسعى إلى استعادة الطربوش العثماني من خلال التمدد عسكريا في الأرض العربية نحو سوريا والعراق، وسياسيا نحو مصر من خلال ذراع الإخوان المسلمين.
وما سبق من تجارب وشواهد على مساوئها، وما أحدثت من تداعيات خطيرة طالت الشعوب المعنية مباشرة، واستطالت إلى كل العرب، إلا أن حالة الجوار بين “اليمن والسعودية” تمثل شيئا استثنائيا في أحداثها التأريخية منذ قيام المملكة وحرب عبدالعزيز_ الإمام يحيى في عقد الثلاثينات من القرن الماضي، وحتى هذه المرحلة الصدامية الدامية.
فما قبل عدوان الـ26 من مارس 2015 كان اليمن واقعا تحت عدوان ناعم متمثل في الزحف الوهابي المتوج سياسيا “بالمبادرة الخليجية” في 2011، وهنا اطمأنت المملكة إلى أن اليمن تم تسويره بشكل كامل كحديقة خلفية لا دولة فيه ولا كيان، والشعب فيه عبارة عن قطيع يُساق إلى صناديق الانتخابات لتنصيب من تراه الرياض مناسبا لدخول القصر الجمهوري لشغل وظيفة خدام خدام بيت الجرافي.
وذهبت المملكة في أحلامها إلى تقسيم اليمن أقاليم وتوزيعها بين مشيخات الخليج، على أن تأخذ كل مشيخة ما يناسبها، وهكذا يتفرق اليمن “قطع حلوى” لأمراء الجزيرة العربية.
وأما المملكة فتكون قد أتمت السيطرة على كامل الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر، وأصبحت يدها طويلة إلى بحر العرب، وما بينهما من جزر ومضيق المندب، وأكثر من ذلك أنها ضمنت “كتلة بشرية” مسممة بالوهابية التكفيرية، جاهزة لأن تقاتل بها بقية خصومها في العالم العربي لإدخاله بشكل كامل تحت عهدة الخادم في الرياض، ويعلن تتويج سلمان ملكا على كل العرب.
لم تسعد المملكة كثيرا، إذ سرعان ما انتفض الشعب اليمني، ومع 21 سبتمبر 2014، انهارت”الفرقة الأولى مدرع” كأكبر وأخطر معسكر “للقاعدة الوهابية السعودية التكفيرية لتنهار معها كل تلك الأحلام والأوهام الملكية.
لم تتقبل المملكة أن يُطاح بأوهامها بضربة واحدة، ولم تتمكن من استساغة شيء اسمه “إرادة الشعب اليمني”، فسعت إلى ما سعت إليه بغطاء أمريكي بريطاني، وقدمت نفسها وصيا على اليمن، وأن اليمنيين هم رعية “الملك” وليسوا أحرارا من مواطني دولة مستقلة، وبالتالي فأي خروج لهم عن “رأي الملك” فهو تمرد العبد على مولاه، ولا بد من تأديبه وتقريعه.
وهكذا شنت السعودية عدوانها السافر على اليمن، مقدمة مثالا فجا على أسوأ حالة جوار في العالم، حتى: “عودة العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها” جملةٌ لا تستقيم ولا مكان لها في أي مستقبل، لأن “سابق العهد” ليس إلا غزوا وهابيا وهيمنة وتسلطا، وجرائم اغتيال..الخ
نعم أسوأ حالة جوار، لأن الماضي سيء، والحاضر أسوأ ودامٍ، وأي سلام في المستقبل مرهونٌ فقط وفقط بإقرار العالم بأن العدوان القائم هو “صراع يمني سعودي” (كحد أدنى)، وكحد أقصى هو عدوان أمريكي بأداة سعودية على اليمن.
وأما أن يستمر العالم في تناول ما يجري في الجزيرة العربية على أنه “حرب أهلية ” بين اليمنيين فذلك مهزلة المهازل، واجبٌ على القوى المناوئة للعدوان أن تأخذ في اعتبارها أن تستميت نضالا وكفاحا، وتكون على مستوى واقع الصراع القائل بأن آل سعود هم الطرف المعني بأن يكون معهم التفاوض مباشرة أو عن طريق الأمم المتحدة، وذلك هو الحد الأدنى، حيث الأمريكي أصلا هو صاحب القرار السامي، وأما الانحدار بالتفاوض إلى “فاقدي الحل وعديمي القرار”، فيصدق عليه المثل: أين أذنك يا جحا!
وقد يقول قائل: ولكن ذلك سيطيل من أمد الحرب، والجواب: وهل السعودي يرغب في اليمن دولة خارج هيمنته، ونحن أيضا هل نقاتل لنقاتل؟ على مذهب (الفن للفن)، أو نقاتل لنفاوض للتفاوض، أو أننا في معركة وطنية وجودية إما يعود اليمن منها كريما صاحب قرار، أو رهينة للخارج بأسوأ من ذي قبل، ولتأخذ الحرب مداها ولتأكل ما أكلت، فذلك خيرٌ وأبقى من خروج السعودية من هذا العدوان كوسيط وشقيق تدخّل حين تدخل للحل بين اليمنيين!