المقالات

حكومة نوفمبر .. حكومة “تقط” المسمار

الجديد برس : رأي 

عابد المهذري – صحفي يمني
بين التفاؤل الداخلي والإنزعاج الخارجي .. حضرت النكتة اليمنية كتعبير وطني لم يجد اليمنيين غير الزبج والضحك وسيلة أخرى تعبر عن فرحتهم الغامرة بإعلان تشكيلة حكومة الإنقاذ الوطني مساء الإثنين الإستثنائي 28 نوفمبر .. فيما حضر القهر في صفوف عملاء الخونة أعداء اليمن اتباع تحالف العدوان .
مخاض عسير ودرب صعب ومسالك متشعبة المراحل ومتعرجلة المسار .. سلكتها القيادة اليمنية بإتجاه المحطة الأخيرة : الحكومة .. احتاجت من الوقت عامين كاملين ومن الجهد الشاق لرأب الصدع وتذليل المشاق ؛ مالا طاقة لغير رجال الله بتحمله وحدهم في مواجهة جبابرة العالم المتربصين شرا وضغينة .. حربا ومؤامرات .. بهذا اليمن العظيم والشعب اليمني لأعظم في الكون .
حدث تاريخي أقل ما يمكن أن يوصف به انجاز حكومة نوفمبر .. كأول حكومة يمنية خالصة .. صنعها اليمنيون من تربة البلاد بسيادة وطنية كاملة الولاء والانتماء لليمن .. دونما تأثير غربي ولا توجيه أجنبي ولا تدخل خليجي ولا شيئ مما درجت عليه العادة من املاءات وسياسات وحسابات لازمت في الماضي كل الحكومات التي سبق تشكيلها وكانت الأصابع الأجنبية والخليجية والخارجية والغربية والإقليمية حاضرة في تفاصيلها ؛ إلا هذه الحكومة .. حكومة الحرب والإنقاذ .. حكومة التحدي والصمود .. حكومة الشعث الغبر .. حكومة نوفمبر 2016 .. حكومة الانصار والمؤتمر .. حكومة الجيش واللجان الشعبية .. حكومة اللجنة الثورية العليا والمجلس السياسي الأعلى .. حكومة السيد والزعيم .. حكومة الصماد وبن حبتور .. حكومة الجنوب والشمال .. صعدة وشبوة .. ساحل تهامة وصحراء مأرب .. حكومة صنعاء وعدن .. حرف سفيان ومكيراس وعسيلان .. حكومة حاشد وبكيل ومذحج وخولان وشرعب وخبان .. حكومة القبائل والبدو والأكاديميين والمثقفين والنخبة السياسية .. حكومة الهاشميين والمشائخ وشيوخ الدين ورجال الاعمال والعسكريين والنسوان والعلماء والمستضعفين .. حكومة الجميع من شتى التيارات والمذاهب والاحزاب والقوى والشرائح والمدارس والأيديولوجيات .. حكومة الكهول الطاعنين في السن والشبان صغار الأعمار .. أهل الخبرات المتراكمة واصحاب التجارب الجديدة .. الشخصيات المعروفة وكبار المشاهير والوجوه المغمورة القادمة للمناصب الحكومية الرفيعة لأول مرة .. حكومة من لا حكومة له .. من تقطعت بهم السبل نتيجة الحصار .. ومن سدت ابواب الأمل في وجوههم بسبب العدوان .. حكومة الثوار والاحرار .. الشهداء والجرحى .. القابعون تحت قصف مئات الأباتشي والإف ستعش .. الرافضون للإستسلام والركوع والخضوع والإستسلام والإذعان والإنصياع .. حكومة الأبطال الحفاة الذين سحقوا أعتى وأحدث الأسلحة الأمريكية .. المغاوير الأباة الرافضين للهيمنة السعودية .. حكومة الشعب المعطاء الذي كسر قاعدة الشعوب وأرسى في الدنيا قاعدة طارئة اسمها الصبر والنفس الطويل .
لقد أصبح لليمن حكومة .. الأمر ليس خبرا عاديا في ظل ما نعيشه من ظروف حالية .. حكومة رغم أنف الأعداء .. رغما عن تحالف الخلايجة والصهاينة .. حكومة لا تهتم بالبروبجندا التسويقية ولا تشحت الإعترافات الدولية .. حكومة وكفى .
لا بنك لدينا ولا مرتبات ولا سيولة نقدية ولا بنية تحتية متعافية ولا إقتصاد ولا منفذ بحري او بري ولا مطار ولا موارد مالية .. لكن معنا حكومة نراهن عليها في تجاوز المحنة وانعاش الواقع المعاش وإعادة التنفس والدورة الدموية الى شرايين الحياة في بلادنا التي أراد العدو توقفها وموتها ومنع النبض في قلوب ابنائها فاستحال عليه النجاح في غاياته بفضل إرادة يمانية فولاذية استعصى ضعفها واستحال تفتت عزائمها وبات هزيمتها ثامن المستحيلات .
صار لليمن حكومة .. ومازالت الحرب تحيط بنا من كل جانب .. لا يزال القصف الجوي مكثفنا على محافظاتنا ومدننا وقرانا .. ولا زال العدو يحشد قواته في مختلف الإتجاهات والجهات .. من البحر والحدود والجنوب طامعا في احتلال خارطتنا بالغزو العسكري .. وراغبا في سحقنا بالموت جوعا .. وطامحا في كسر كرامتنا وهتك شرفنا وتدنيس طهر بلاد الايمان والحكمة بجحافل أنجاس هذا العصر المتجمعون من عشرات الجيوش وهجين عصابات الإرتزاق وشركات البلاك ووتر .. ولكن هيهات لهم ذلك .. مادام والجهوزية للقتال جيلا بعد جيل الى يوم القيامة مشتعلة بعنفوان جامح في جوانح ملايين اليمنين .
حكومة نوفمبر برئاسة بن حبتور ووزرائه الأربعين .. يقفون اليوم في مفترق طرق شائك وعويص .. إن كتب لهم الاستمرار والبقاء لسنوات قادمة كان بها والشعب خير نصير لهم اذا انتصروا للحظة الفارقة واستوعبوا معطيات التطلعات والاحتياجات المصيرية وكان بمستواها عمليا .. وإن اعترى المشوار تداعيات ومستجدات قريبة فيكفيهم فخرا نية المحاولة وبلورة الخطوة الأولى .. واذا ما حققوا النجاح وترجموا بالفعل القدرة على قلب الطاولة فسيكونوا صناع الاعجاز الناصع على صفحات التاريخ .. بينما لو تحولوا الى عبئ اضافي على كاهل الوطن وعجزوا عن اداء ابسط ما يمكن واستمرؤا السلبية وتورطوا في الفساد .. فليبشروا بإنتفاضة شعبية هائجة تقتلعهم وترميهم الى هامش النسيان وتستبدلهم بقومغيرهم وحكومة أخرى .. بثورة عابرة أسهل من شربة ماء على مجتمع ثائر يعيش أجواء النفير والتعبئة العامة والنكف على مدار الوقت .
حكومة نوفمبر .. احتضنتها ابتسامات اليمنيين من أول ساعة لإعلانها .. استقبلناها بالمرح والضحك والبهجة والآلاف من النكت البريئة العفوية الدالة على قدر وفير من الحب والتقدير .. حكومة اعتراها من الجدل والخلاف والترقب والعراقيل الكثير .. لتخرج أخيرا فتغيض اعداؤنا وتقض مضاجع العملاء الخونة باعة الأوطان وتثير عواصف درود افعال ضج برعيدها ووعيدها فضاء المنطقة ولم تهتز فينا شعرة غير نظرات تفاؤل ترمش في عيون مبللة بدموع بهجة الإنتصار المثير للفخر .
نريدها حكومة قوية .. ثابتة ومتماسكة .. متراصة البيان صلبة الأركان .. ذات بأس شديد في مواجهة العدوان تجسد معنى ودلولات امثولة شعبية ترمز الى “دولة تقط المسمار” كإختصار يلخص آمال اليمنيين وطموحاتهم ويعكس ملامح مستقبل يبحثون عنه في زمن الحرب .. مستقبل ينبجس من تحت ركام أنقاض الدمار .. مستقبل يولد من فوهة المدفع لينبت سنبلة .. مستقبل ينبعث كطائر فينيق من وسط أدخنة الحرائق .. مستقبل يرسم بمشاف البندقية لوحة ابداعية .. مستقبل تنمو فيه على قبر كل شهيد نخلة ويزغرد على كل بيت ومبنى وطريق مهدم ألف عصفور وفراشة وحمامة .. مستقبل يصيغ بدماء الضحايا اسمى صور العزة ويرقى لحجم التضحيات .. مستقبل لا يفرط بالمكتسبات والسيادة والكفاح والبطولات .. مستقبل نصر تصنعه رصاصة السلم .. وتزرع قذائف الحرب حدائق المحبة .. بحكومة نوفمبر أو بحكومة غيرها أو بدون حكومة وبشعب ووطن لن تأفل شمسه أو يضيع مجده .