الجديد برس : رأي
عباس السيد – كاتب يمني
في الرابع من يناير 1964م أطلقت قوات الاحتلال البريطاني في الجنوب عملية عسكرية في منطقة ردفان أسمتها” كسارة البندق Nut craker” وحشدت لها الآلاف من الجنود البريطانيين والعشرات من الطائرات المقاتلة والقاذفة من طراز “هونتر وشاكلتون”.
وكان البريطانيون يعتبرون أن حربهم في ردفان تجرى بناء على طلب “الحكومة الاتحادية” وتأكيد سلطتها ومنع توسع “التمرد القبلي”.. أي أنها “دعم للشرعية”.
ولإضفاء الصبغة المحلية على معارك ردفان تم اشراك ثلاث كتائب من “الجيش الاتحادي” مدعومة بعدد من المدرعات والمدفعية البريطانية.
عملية “كسارة البندق” التي كان محدداً لها بضعة أسابيع استمرت ستة أشهر واضطر البريطانيون للاستعانة بعدد من الفرق العسكرية المتخصصة التي استدعيت من مستعمراتها في آسيا وأفريقيا لمواجهة الصمود البطولي الذي سطرته قبائل ردفان بإمكاناتها البدائية مقابل آلة الحرب الضخمة للامبراطورية الأعظم في العالم.
وبحسب إحصاء القوات الجوية البريطانية بلغ عدد الصواريخ التي أطلقتها طائرات هونتر وشاكلتون على ردفان خلال الشهر السادس من المعركة 1742 صاروخاً فيما بلغ عدد القذائف من عيار 30 مليمتراً 84.302 قذيفة كما بلغ إجمالي القنابل الضوئية التي القيت فوق ردفان خلال العملية 2648 قنبلة واستمرت محاصرة السكان حتى أواخر 1964م.
ما أشبه الليلة بالبارحة وما أصدق هذا المثل عندما نتأمل المعركة المفروضة على بلادنا منذ أبريل 2015م والتي بدأت بعملية “عاصفة الحزم” وبذريعة دعم الشرعية أيضا.
ومن سخرية الأقدار أن عبده منصور هادي كان في الستينيات جزءاً من شرعية الحكومة الاتحادية التي منحت الذرائع للاحتلال البريطاني لتنفيذ مخططاته في الجنوب وهو الآن رئيس لـ”الشرعية” التي تمنح قوى الاستعمار نفس الذرائع لتحقيق نفس الأهداف.
بعد شهر من انطلاق عملية “كسارة البندق” على ردفان، استؤنفت العملية تحت اسم آخر هو “كاب بادج cap padge” وهو اسم رمزي أطلقه الاحتلال على أعلى جبل في ردفان المعروف باسم “جبل حورية” ويرتفع 1800 متر عن سطح البحر وبعد شهر من “عاصفة الحزم” استؤنفت العملية تحت اسم “إعادة الأمل” أصبح الوصول إلى قمة جبل حورية هو الهدف النهائي للاحتلال لتعويض فشله في تحقيق أهدافه الحقيقية وتحولت الهمة العسكرية إلى ما يشبه مغامرة رياضية لتسلق الجبال وخلق انتصار يغطي إعلامياً الاخفاقات التي منيت بها قواته في أودية وجبال ردفان وخصوصاً بعد مقتل عدد من الضباط والجنود البريطانيين وعرض رؤوس اثنين منهما في شوارع مدينة تعز.
96 طائرة من طراز هونتر شاركلتون وعشرات المروحيات من نوع “بلفيدر” شاركت في المعركة ومنح الطيارون صلاحيات واسعة في ضرب الأهداف على الأرض والتي شملت الحصون والقلاع والمباني والأملاك التابعة لزعماء القبائل وأنصارهم والمباني التي تشتعل فيها مواقد الطبخ أو فوانيس الإضاءة وكل شيء متحرك في المنطقة بما في ذلك قطعان المواشي.
لم يكن شمال اليمن غائباً عن تلك المعركة ووفقاً لتقارير المخابرات البريطانية التي استعرضت قبل انطلاق العملية كان المقدم أحمد الكبسي قائد لواء إب متهما بتقديم الدعم للثوار في ردفان.
وفي محاولة لتخفيفه الضغط عن ثوار ردفان تزايد الدعم الشمالي للثوار في مدينة عدن التي شهدت عمليات مقاومة أقضت مضاجع الاحتلال وفي الثامن والعشرين من مارس 1964م شنت ثمان طائرات للاحتلال هجوماً انتقامياً على قلعة حريب غرب مارب.
المعركة مستمرة
في مقال بعنوان: “تعقب الذئاب الحمر في ردفان” عام 2002م سجل “ديفيد ليدجر” أحد الضباط البريطانيين الذين كانوا ضمن قوات الاحتلال في الجنوب ذكرياته عن الحرب في ردفان “وقال: “ولأن ظروف القتال لا تختلف الآن عما كانت عليه في الستينيات فقد أُرسلت كل الدروس المستخلصة للمستشارين الأميركيين العاملين حالياً في تلك الأراضي الجدباء.
وأضاف ليدجر في مقاله : “إلى الرجال في أرض الواقع لقد كانت الدروس في عدن واضحة كالمعتاد ومن غير الإرادة السياسية والجماهير المتعاطفة والمعلومات الاستخبارية الدقيقة وبدون فهم عميق للعدو وقوات كافية يكون من الصعب التنبؤ بالنتائج النهائية بسهولة.
انتهت عمليتا كسارة البندق في منتصف يونيو 1964م بتسلق قوات “الشرعية” التابعة لحكومة الاتحاد جبل حورية ومعها عناصر من قوات الاحتلال تحت غطاء جوي مكثف.
فيما لا تزال عملية عاصفة الحزم وإعادة الأمل مستمرة ولا يستبعد أن تنتهي بمغامرة أخرى لتسلق أحد الجبال اليمنية وخلق انتصار معنوي يغطي إخفاقاتهم المستمرة.