الجديد برس : رأي
أحمد الحسني – كاتب يمني
النخب التي يفترض أن تكون هي قائدة الفعل الجماهيري ومحركه لا تستطيع مجتمعة أن تؤدي في هذا المضمار دور شيخ الضمان في إحدى القبائل، وحين تسأل لماذا؟ يرد أحدهم بتعالٍ قائلاً: إن سيكولوجية الأنا الجمعية في البناء السوسيولوجي القائم على برجماتية العلاقات الأنثروبولوجية التي تتحكم الشوفينية في محدداتها الميثولوجية ذات الإرث الدوغمائي أدت إلى تسيد الديماغوجية.. إلخ، مثل هذا الكلام الدبق.
لا يا سيدي ليس كوم المصطلحات التي سردتها هو السبب وإنما هو البرج العاجي الذي عزلت النخب فيه نفسها عن الجماهير، وهالة القدسية التي تحيط بها نفسها مطالبة بالتعامل معها كفئة مصطفاة والغياب التام عن قضايا الناس إلا بالقدر الذي يسمح للمثقف بسرد مصطلحاته والنظر من فوق نظارته الطبية باحتقار إلى الشعب، وبما يحتاج الخطيب إليه في تأجيج المشاعر الدينية ضد خصوم حزبه وجمع التبرعات لجمعياته أو ما يخدم به الإعلامي ممولي قناته أو صحيفته.
إنها استعراض الشاعرية التي تنتقص مقدسات الناس والعمل الأدبي الباحث عن التميز في فض بكارة وهمية داخل حمام المسجد واللوحة التكعيبية التي يريد صاحبها أن يتمسح الناس بغليونه المقيت لأجلها في باب اليمن.
إنه المقال البذيء والخبر الكاذب في الوسيلة الإعلامية لابتزاز الناس والتشهير بهم.
إنه اهتمام الناشط بختان أنثى في بيت الفقيه وتجاهل الأوبئة والجوع الذي يقتل أبناء تهامة من ميدي إلى باب المندب، والضجيج من توقيف صحفي لساعات والسكوت عن مئات السجناء من المواطنين الذين يحتاجون للدفاع عنهم والاهتمام بأوضاع المؤسسات الإصلاحية والسجون التي يقبعون فيها.
وليس أخيراً، إنه الوطن الذي يطحن العدوانُ الهمجيُّ شماله ويحتل جنوبه، والإرهاب والحصار والناس الذين يقدمون فلذات أكبادهم بكل سخاء للدفاع عنه، وحضرتك مشغول فقط بعصيفرة وباب موسى وخطورة المد الصفوي وابن العلقمي ومعركة جالديران، ومئات القتلى والجرحى في القاعة الكبرى، وتساؤل خالد الرويشان البغيض “يا إلهي هل أستطيع الليلة أن أنام”.
عدم احترام الناس للنخب ليس سببه جهل الشعب وغباء الشعب، فلا يوجد شعب غبي والجهل في شعب لعنة على نخبه ومثقفيه وإعلامه وعلمائه.
الشعب ليس غبياً، ولكنه يعي جيداً أن النخبوية تعني أن تعرف أكثر وتضحي في سبيل الناس وخدمتهم أكثر، تهذيبك في مخاطبة الناس ومداراتهم وتوعيتهم أكبر، أي أنك مفيد أكثر من غيرك واحترامك لنفسك وللآخرين واستعدادك للإنصاف من نفسك أكثر.
أما إيمان الفجور على المنابر وطنطنة الغُنّات في المحاريب وسرد المصطلحات في المحاضرات والبذاءة والتضليل في وسائل الإعلام فلا تصنع تميزاً بقدر ما تجعل منك عاهة على المجتمع وتعرضك للصفع عند أول شجار.
النخبوية معرفة حقيقية وورع وسلوك مهذب وصبر وتضحية، وليست فقط رواية لكافكا أو كازانتزاكيس.
*نشر في صحيفة اليمن اليوم