الجديد برس
على مراحل يعمل «داعش» في سبيل السيطرة على كامل مدينة دير الزور. نجح التنظيم أمس في فصل المدينة عن مطارها العسكري، ليحاول بعدها قضم المزيد من النقاط، بغية تقطيع أوصال المدينة قبل الإطباق على كل بقعة منفردة. في المقابل، لا يزال الجيش السوري يعمل بإصرار كبير على منع المجزرة الكبرى في المدينة المحاصرة. مصادره تروي أنّ مخطط «داعش» لن يمرّ بسهولة، وأن إرادة القتال والصمود موجودة، وستتبيّن نتائجها قريباً. في انتظار «المحصّلة»، تتحيّن واشنطن فرصة إخلاء الشرق السوري من وجود الجيش، لتأخذ على «عاتقها» بمشاركة أذرعها السورية البريّة في قضم جزء حيوي جديد من سوريا كما فعلت سابقاً في ريف محافظة الحسكة وعلى الحدود العراقية المشتركة.
أيام رعب جديدة تعيشها مدينة دير الزور. عشرات آلاف المدنيين يسمعون نيران الاشتباكات، شاعرين بالخطر الداهم على آخر مناطق وجودهم. ورغم اعتياد الأحياء المحاصرة هجمات ضخمة من قبل «داعش»، يبدو هجوم التنظيم الحالي أخطرها في السياق السياسي والميداني التي تعيشه البلاد.
4 أيام من المعارك المتواصلة، حشد فيها «داعش» عدداً كبيراً من قواته ونخبته، أفضت إلى نجاحه في خرق عدة مواقع للجيش السوري غرب مطار دير الزور، ما أدّى إلى فصل المدينة عن المطار العسكري. وجاء ذلك بعد وصول عناصر التنظيم، في هجومهم فجر أمس، إلى منطقة المقابر في حيّ العمّال، وإلى سريّة جنيد و«مكابس البلوك»، وصولاً إلى نقاط مطلة على شارع البورسعيد، وبالتالي قطع ما يعرف بالطريق العسكري بين المطار والمدينة.
وقطع هذا الطريق سيتيح للتنظيم تقسيم مناطق سيطرة الجيش السوري إلى قسمين: شرقي، ويضم المطار وقرية الجفرة وحيّ هرابش؛ وغربي يضم باقي الأحياء الواقعة تحت سيطرة الجيش، وصولاً إلى «اللواء 137» جنوباً، وتلة الرواد غرباً.
المخطط بدأ منذ استهداف طائرات «التحالف» الدير في 17 أيلول
ويسعى مسلحو التنظيم بهجماتهم المتواصلة للوصول إلى محيط دوّار البانوراما والمدينة الرياضية، لفصل «اللواء 137» عن المدينة، ما يمنع المروحيات من الهبوط، ما يؤدّي إلى إطباق حصار كامل على المدينة، ومنع وصول أي إمداد جوي إليها، علماً بأن المروحيات لا تزال تهبط في نقاط آمنة في محيطها.
وتؤكد المصادر الميدانية أنّ التنظيم استقدم تعزيزات كبيرة إلى دير الزور، من ريفي الرقة وحمص، بالإضافة إلى كتائب «الانغماسيين» (بعضهم من المنسحبين من مدينة الموصل العراقية)، لخلق عمق استراتيجي في البادية السورية. فالسيطرة على مدينة دير الزور بشكل كامل، يتيح لـ«داعش» إمساك حركة التنقل والسيطرة لنقاط واسعة في الصحراء السورية، من ريف السويداء جنوباً إلى تدمر والرقة ودير الزور وعلى طول الحدود العراقية.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أنّ هذا المخطط بدأ عملياً منذ 17 أيلول الماضي، عندما استهدفت طائرات «التحالف الأميركي» مواقع الجيش السوري في تلال الثردة، ما أدّى إلى انسحاب الجيش من مرتفعات الثردة الثلاثة، وانكشاف المطار أمام مفخخات «داعش» و«انغماسييه»، الذين هاجموه خلال الأيام الثلاثة الماضية بشكل عنيف، في استكمال لخطة إضعاف الجيش في المدينة، وذلك بعد فشل كل المحاولات السابقة.
وبالتالي فقد قُسِّم الجهد العسكري على مراحل بدأت في سلب الجيش منطقة جغرافية حيوية كانت تحمي المطار، هي تلال الثردة، إضافةً إلى خسارة 82 مقاتلاً ممن خبروا قدرات التنظيم الهجومية، وكانوا سبباً في صد كل هجماته السابقة.
وكما يبدو واضحاً أن لـ«التحالف» مصلحة كبيرة في سيطرة «داعش» على كامل دير الزور. فوجود قواعد عسكرية للجيش السوري في دير الزور، يعطّل خططه التي يهدف من خلالها إلى بسط هيمنته على كامل منطقة الشرق السوري بمحافظاته الثلاث الحسكة ودير الزور والرقة، وبالتالي إضعاف الدولة السورية، باعتبار هذه المحافظات الخزان والثقل النفطي والاقتصادي والزراعي للبلاد. لذلك، مجرّد نجاح التنظيم بإنهاء وجود الجيش في دير الزور، سيعمد «التحالف» إلى تحريك قواته الموجودة في منطقة المالحة على المثلث الجغرافي بين الحسكة ــ ديرالزور ــ الرقة، لقطع الطريق بين دير الزور والرقة، وتنفيذ عمليات عسكرية باتجاه دير الزور، اعتماداً على «قوات النخبة السورية» التابعة لرئيس «الائتلاف السوري» السابق أحمد الجربا، بالإضافة إلى «مجلس دير الزور العسكري» المتحالفين مع «قوات سوريا الديموقراطية»، الذراع البريّة للأميركيين في سوريا، ما سيوسّع ويؤمّن لواشنطن منطقة نفوذ خالصة في الشرق السوري تكون ورقة سياسية وعسكرية في المستقبل القريب.
مصدرٌ في قيادة العمليات العسكرية في دير الزور أكّد في تصريح لـ«الأخبار» أن «ما يعدّ لدير الزور مكشوف، وأن قوات الجيش تخوض معارك لاستعادة السيطرة على المواقع التي تسلّل إليها الإرهابيون، وإعادة فتح الطريق بين المطار والمدينة، بالتعاون مع سلاحي الجو السوري والروسي»، مضيفاً أن «الجيش لا يزال يملك المبادرة الهجومية، وسيعمل على قلب المعادلة الميدانية لمصلحته». ولفت إلى أن «أكثر من 200 مسلحي داعش قتلوا منذ بداية الهجمات، التي استنزف فيها التنظيم عدداً كبيراً من مقاتليه». وفي وقت متأخر من مساء أمس، كثّف سلاحا الجو الروسي والسوري من استهدافاتهما لمواقع وخطوط إمداد التنظيم في كافة محاور المدينة وريفها، لتأمين غطاء ناري يتيح للجيش استعادة المبادرة، وإعادة فتح الطريق بين المطار والمدينة.
في اتصال مع واحد من القادة العسكريين في الدير فجر أمس، لخّص الساعات الأخيرة بكلمات قليلة: «تحسّن تدخّل الطيران كثيراً وخفّت الهجمات… لا يزال الوضع صعب نوعاً ما. مع طلوع الضوّ بتصير الصورة أوضح».