الجديد برس : رأي
*انتقال إلى مرحلة تثبيت دور إقليمي شرق أوسطي.
*دعم الإرهاب للإمساك بخيوطه التفاوضية هي استراتيجية أوباما التي انتقلت إلى الحكومة الإسرائيلية.
*إيران العدو الرئيسي ــ من يتحالف معها عدو لإسرائيل ومن يختلف معها حليف لإسرائيل.
*ابتلاع الأرض الفلسطينية وشطب القضية وخلق حالة إنسانية خطيرة عبر التهجير القسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين من كافة أنحاء فلسطين.
منذ أن تسلّمت إسرائيل سرب طائرات ال 35 F لتكون أول دولة تستخدم هذه الطائرة المتفوقة (حتى قبل سلاح الجو الأميركي)، شرعت الحكومة الإسرائيلية في تطبيق استراتيجيتها المعدلة في الشرق الأوسط. والتعديل الذي أدخلته لجنة متخصصة سياسية عسكرية (ضمت رئيس الأركان ومدير المخابرات ورئيس لجنة التخطيط الاستراتيجية في وزارة الخارجية وخبراء آخرين)، جاء انطلاقاً من التطورات غير المتوفقة في المعارك الدائرة على أرض سوريا والعراق (حلب والموصل).
فقد استندت إسرائيل في استراتيجيتها السابقة إلى المعلومات الأكيدة التي شكلت أساساً للاستراتيجية الأميركية (الإسرائيلية) في المنطقة وهي أن دعم داعش وفصائل الإرهاب سيشكل عاملاً يتم إرضاخ بشار الأسد من خلاله وإخضاع سوريا للهيمنة الأميركية والاعتراف بإسرائيل والتخلي عن القضية الفلسطينية. ومع خروج الإدارة الأميركية القديمة (أوباما) من البيت الأبيض متأثرة بجراح خطيرة ألحقت بها في سوريا والعراق، مجرجرة نفسها جراء فشلها الذريع (هي وحلفاؤها) في تحقيق الأهداف التي رسمتها (الهيمنة على سوريا) وتوجيه ضربة قاضية للنفوذ الإيراني ودور حزب الله, تشعر الحكومة الإسرائيلية بإحباط شديد, خاصة منذ أن فاز ترامب. ليس لأن ترامب لا يدعم إسرائيل كلياً ودون تحفظ، بل لأن للرئيس ترامب وجهة نظر، مفادها، أنّ من يريد أن يحارب داعش والإرهاب عليه أن يدعم الحكومة السورية وأن يتفق مع روسيا حول ذلك.
بدأت إسرائيل تعديل استراتيجيتها منذ أن استعاد الجيش السوري حلب
وأمام هذا سارعت الحكومة الإسرائيلية للعب دور أفعل في دعم داعش والإرهابيين ولم تُخفِ ذلك، بل أعلنه ليبرمان وزير الأمن الذي زلّ لسانه (ربما) عندما قال: “إن شرطنا لوقف الحرب الدائرة في سوريا هو رحيل بشار الأسد”. وتلاقى في موقفه هذا مع “المعارضة” المسلحة والإرهابيين وتركيا التي ما زالت متمسكة بذلك. والهدف الإسرائيلي واضح: تنحية الأسد، هو مدخل لاعتراف سوريا بإسرائيل والتخلي عن قضية فلسطين وقطع الروابط مع إيران.
وقررت الحكومة الإسرائيلية الإسراع بالحلول مكان الإدارة الأميركية القديمة، ورافق ذلك وتزامن معه ما بدأ يُنشر علناً في الولايات المتحدة وهو دور أميركا في دعم داعش وتمدّده. (وكان الحشد الشعبي في العراق والحكومة السورية وروسيا قد أعلنت أكثر من مرة أن غارات الأميركيين لا تستهدف داعش، بل القوات السورية والعراقية ومواقع الجيشين).
التعديل الذي أدخل على الاستراتيجية لا يمسّ الموقف، فقد كان وما زال دعم القوى الساعية لتدمير سوريا ووحدة أراضيها ووحدة شعبها وجيشها. جاء التعديل كمّاً ونوعاً فالقرار الذي اتُخذ له شقان:
الشق الأول: زيادة الدعم بالسلاح والذخائر والصواريخ والطائرات المسيرة.
الشق الثاني: المشاركة الفعلية في ضرب الجيش السوري وحلفائه على الأرض السورية.
ومحاولة فتح جبهة غير متوقعة لتشتيت قوى الجيش السوري وتوزيعها وهي جبهة جنوب سوريا، بالتحالف مع الأطراف العربية المعنية وبالتعاون مع بريطانيا التي وافقت على لعب هذا الدور وأرسلت قوات خاصة إلى جنوب سوريا والى مناطق حدودية عراقية ــ سورية ــ أردنية (بُحث هذا الموضوع بين العبادي والملقي في اللقاء الطارئ بينهما).
وقبضت بريطانيا ثمن ذلك بتوقيع عقود بمليارات الدولارات لتزويد السلاح والذخائر (المحرّمة دولياً) للسعودية والخليج، وبتأجير سفن حربية لهذه الدول لاستخدامها في حرب اليمن. وما التصعيد الذي يشهده اليمن إلا نتيجة وصول أولى دفعات هذه الأسلحة والذخائر المحرمة دولياً واستخدامها لضرب الشعب اليمني.
تسعى إسرائيل لأن تكون من الأطراف المقررة في مستقبل الشرق الأوسط، ولذلك تدخل هذه المغامرة العسكرية السياسية لتكون طرفاً يمسك بخيوط الإرهابيين كما تفعل تركيا الآن وكما كانت تفعل إدارة أوباما. ذلك أن حكومة إسرائيل تتحدث كما يتحدث أردوغان عن ضرورة تعديل الحدود بين دول الشرق الأوسط. وذلك يعني بالنسبة إلى إسرائيل ضمّ الجولان والضفة الغربية وطرد الفلسطينيين وإقامة دول اليهود على أرض فلسطين بأكملها. وستحتدم المعركة، فإيران ليست معزولة وليست ضعيفة. فقد تراجع ترامب وطلب من أحد مستشاريه أن يعلن أنه سيلتزم بالاتفاق النووي لكنه سيراقب تصرفات إيران. ولإيران حليف روسي وآخر صيني لا يجرى الحديث عنه كثيراً، لكن تصعيد الأزمة بين الصين وترامب حول بحر الصين يجعل علاقة إيران والصين أكثر ميلاً إلى التقارب السريع.
بدأت إسرائيل في تنفيذ تعديلاتها على استراتيجيتها منذ أن حرّر الجيش العربي السوري حلب. وقامت بإرسال مساعدات عسكرية لتجمع النصرة في ريف حلب الغربي واتصلت بقيادات إرهابية في إدلب، وأوصلت ذخائر إلى مجموعات إرهابية عبر القنيطرة وعبر حلفائها هناك إلى ريف دمشق، وذلك بهدف إثارة معارك في ريف دمشق وبدء هجوم دموي على حلب.
لكن جهدها العملي الأكبر منصبّ على مناطق جنوب سوريا، القنيطرة ودرعا والسويداء، ولا يمكن أن تعتبر الغارة التي استخدمت فيها إسرائيل “اف 35” على مطار المزة إلا تصعيداً في دخولها هذه المغامرة الدموية.
لن يخيف هذا التعديل أحداً خاصة الجيش العربي السوري الذي تدعمه روسيا وإيران وحزب الله. لكن هذه الاستراتيجية تتطلب رداً ويجب ألّا تُترك لتأخذ مداها، لأن حكومة إسرائيل ترى “بغضّ النظر عن النتائج في سوريا، أنّ الأرباح على أرض إسرائيل مضمونة وستجنى من دون أن يعترض أحد”.
هذا من ناحية، لكن للأمر ناحية أخرى مهمة هي رؤية الاصطدام الأكيد بين استراتيجية إسرائيل هذه والاستراتيجية الروسية الجديدة في الشرق الأوسط، فإذا كان الرئيس بوتين يرغب بعلاقات احترام متبادل مع واشنطن وإذا كان ترامب يرغب بإيجاد حلّ سياسي في سوريا ويريد ضرب داعش فعلياً، فإن هذا سيعني تضارب استراتيجية نتنياهو مع استراتيجية بوتين.
وهذا الأمر يجب ألا يُترك للتعاطي معه بعد أن يقع، بل لا بد من التخطيط لمواجهته قبل أن يقع. وهذا يتطلب من موسكو ألا تضيع الوقت أو الفرص. فقد عادت روسيا بقوة إلى الشرق الأوسط عبر مواقفها المبدئية الرافضة للاستعمار والإرهاب واستغلال الشعوب. وبدعمها سوريا، فتحت لها أبواب الشرق الأوسط بعد أن أخرجها منه ريغان ومن تلاه. ولا شك أن روسيا تعلم أن مفتاح السياسة في الشرق الأوسط هو موضوع فلسطين.
هذا من زاوية القوى التقدمية وقوى التحرر والديمقراطية ومناهضة العنصرية والإمبريالية والصهيونية. لكن الوجه الآخر أو الزاوية الأخرى لقضية فلسطين هي إسرائيل. فإذا اعتبر أن المبادئ التي ذكرنا لا تزيد في حساب “القبان” هذه الأيام، فإنّ اهتمام الإمبريالية بإسرائيل ودعمها لها وتسليحها ومساعدتها اقتصادياً والسكوت على جرائمها يجعل إسرائيل وحشاً لا ينضبط لمدربيه أو صانعيه، وقد يتصرف بما يجلب الدمار والخراب على نطاق واسع.
في التاسع والعشرين من أيار 1988 تم الاتفاق بين ريغان وغورباتشيف على حل الدولتين، ومنذ ذلك التاريخ تقوم إسرائيل بالاستيلاء على الأرض الفلسطينية وتهويد فلسطين وتسعى لسلب كل الأرض بما فيها أرض الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
استراتيجية موسكو يجب أن تستفيد من الفرصة السانحة، ليبيا ومصر واليمن والعراق. إن لدى موسكو فرصة لا تعوض في إعادة التوازن في الشرق الأوسط بحيث لا يكون الشرق الأوسط ضحية تحكم دولة واحدة إمبريالية التوجه والأهداف كالولايات المتحدة. فمصر تمر بمرحلة انتقالية صعبة وتخضع لضغوط لتركيعها وإبقائها ضمن المعسكر الراضخ للإمبرياليين وأعوانهم. وهي بحاجة إلى دعم روسيا على صعيدي محاربة الإرهاب والبناء الاقتصادي، وكون ليبيا جارة مصر هي الأخرى بحاجة إلى دعم موسكو للتصدي للإرهاب وتجنيب سيطرة الإمبرياليين على ثرواتها، فإن روسيا قادرة على إقامة حلف كبير تستثمر فيه روسيا علاقاتها بمصر وليبيا لمحاربة الإرهاب وللتعاون الاقتصادي الذي يراعي حقوق الشعوب ويخدم مصالح روسيا وشعوب المنطقة دون نهب واستغلال. وهذا سيوسع دائرة الحلف المتصدي للإرهاب والتواق للتقدم والبناء والاستقلال الاقتصادي.
أما العراق فإن العراقيين يعلمون أن الولايات المتحدة التي تساعدهم باسم التحالف من جهة ترسل مزيداً من القوات إلى العراق، لكنها تقوم في الوقت ذاته بدعم داعش لكي تبقى قبضتها متمسكة بالعراق وثرواته، وتشكل روسيا حبل نجاة للعراق لا بد من مدّه له حتى يمسك به.
لكن الذي سيبرز كثيراً على ضوء رفع وتيرة التآمر الصهيوني هو الموضوع الإسرائيلي… وهذا يستدعي التخطيط وعدم الاكتفاء بدعوة عباس ونتنياهو إلى موسكو!
* نقلا عن جريدة الاخبار