الجديد برس : رأي
منى صفوان – رأي اليوم
اعلنت “دولة الامارات” موقفها واجندتها في اليمن في وقت مبكر، توسعها في الساحل الغربي، افصح علانية عن اهدافها العسكرية، ومؤخرا جاءت عملية “الرُمح الذهبي” دليل قوتها على الارض، وفاعليتها في تحريك حلفاء الداخل، مقابل هذا يظهر طرف محلي “حزب الاصلاح” يحالفها علانية، ويرفض مشروعها سرا.
خرجت الامارات من ثكنتها الجنوبية وأظهرت خارطة عملية “الرُمح الذهبي” تقدمها على المدن الساحلية الغربية، والتي تسيطر عليها مليشيا الحوثي منذ انقلابها منذ اكثر من عامين، خاصة باب المندب وميناء المخا.
العملية جاءت بقيادة امارتية للمقاومة الجنوبية، والتي تقوم لاول مرة بعمليات عسكرية خارج حدود الخارطة الجنوبية، وباقصاء متعمد لحلفاء الداخل من المقاومة الشمالية، والتي تتركز في “تعز″ ويشكل حزب الاصلاح الاسلامي قوامها الغليظ.
هذا الاقصاء الاماراتي للاصلاح، قوبل من جهة الاصلاح “بتجاهل اعلامي” لعملية الرمح الذهبي، ولكن لم تنس الامارت وهي تحارب الحوثيين، ان تشن هجوما على الاصلاحيين “الاخوان المسلمين في اليمن”.
ففي وسط غبار العملية العسكرية للسيطرة على الساحل الغربي لليمن، شن الاعلام الامارتي هجوما جديدا على حزب الاصلاح الاسلامي، لوح فيه مجددا بالادلة التي تثبت تورطهم بدعم داعش في اليمن.
هذه المرة ثلاث تهم رئيسية وجهتها “الامارات” لخصمها اليمني: “الابتزاز السياسي والمالي في ملف تحرير تعز، دعم داعش والقاعدة في الجنوب، وعدم جديته في التحالف ضد الحوثيين في الشمال، بل والذهاب للقول انهم يحاربون في صفوف الحوثيين”.
هذا الاتهام الاخير اثار جدلا وسخطا واسعا، وسط غبار العملية العسكرية التي تشنها الامارات حاليا، وأكدت الامارات انها تملك ما يؤكد وجود مقاتلين من حزب الاصلاح في صفوف الحوثيين.
القتال مع الحوثيين
الاتهام الاماراتي للاصلاح بالقتال مع الحوثيين كما نفهمه، لا يعني القتال المباشر بين صفوف الحوثي، او تحت قيادته العسكرية الميدانية، ولكنه اتهام يعني بلغة عسكرية “القتال بنفس الخط الذي ينتهجه الحوثيون” اي ضد مصالح التحالف، او الامارات وتوسعها العسكري – البري.
هذا ما يمكن فهمه من الاتهام، وهو تضارب المصالح العسكرية للامارات من جهة، و كشريك اساسي في التحالف العربي، بالحرب على الحوثيين في اليمن ، وحزب الاصلاح من جهة اخرى ، كحزب يمني يقاتل ايضا ضد الحوثين.
فبرغم اشتراك “الامارات” و”الاصلاح” في هدف واحد وهو سحب بساط السيطرة العسكرية من تحت اقدام مليشيا الحوثي، في المناطق الشمالية، الا ان اجندة الامارات الواضحة جدا، لايستسيغها الاصلاح ، ان لم يكن يعمل ضدها سرا.
وهي اجندة تتلخص “بفصل” المناطق الساحلية الغربية والجنوبية ، واخضاعها لسيطرتها، ودعم الجماعات الجنوبية ، وهذا واضح من تركيزها العسكري على عدن كميناء، ومدينة، منذ اكثر من عام، وحاليا العملية التي هدفها السيطرة على المدن الساحلية الغربية .
في وقت يرى فيه حزب الاصلاح ، ان هذا يعد دعما مباشرا للمقاومة والفصائل الجنوبية، والتي يتهمها الاصلاح بمحاولة ” الانفصال” واعلان دولة جنوبية. وهذا محور صراع قديم بين الاصلاح والجنوبين، حيث يجد الاصلاح ان هذا يقلص من تواجده وتاثيره في الجنوب، بعد أن عزز من تواجده عسكريا وسياسيا، منذ السيطرة على الجنوب بعد حرب 1994 بالتحالف مع “علي عبد الله صالح” وقتها، وهو ما يراه الجنوبيون حتى اليوم ” احتلالا شماليا”.
التصعيد الاماراتي الاخير ضد حزب الاصلاح، يؤكد ان عُقدة الجنوب هي من تحرك الاصلاح ضد تحركات الامارات، وتراه الامارات موجها ضدها مباشرة. “برغم انهما يقاتلان في جبهة واحدة” وهنا يُثار التوقيت، توقيت الهجوم الصحفي ضد الاصلاح باتهامهم المباشر انهم يحاربون مع الحوثيين في صعده.
فالمناطق التي تسعى الامارت للسيطرة عليها “بريا” وهي تحت سيطرة الحوثيين حاليا، تقع على تخوم صعده، في الشريط الساحلي الغربي، وهي تعطي بذلك السطوة العسكرية للمقاومة الجنوبية ، وهو ما يعد ضربة للاصلاح، حيث تخرج هذه المناطق من سيطرة خصمه الشمالي “الحوثي” الى سيطرة خصمه الجنوبي “المقاومة الجنوبية”.
هنا كان رد الاصلاح هادئا ملتزما بمحاولة تخفيف الصراع مع الامارات، وقد حاول فهم اسباب هذا الهجوم المتواصل منذ اكثر من عام، واقر بشكل غير رسمي ان عليه مراجعة “ايديلوجيته” وارسال تطمينات سياسية للامارات، بانه لم يعد ذلك الحزب المتطرف، والذي يدعم الارهاب، حتى وان قال تاريخه عكس ذلك، ولكن يبدو ان الامارات لا تحتاج هذه التطمينات.
غير ان الامر لا يتصل فقط بعلاقته بالجماعات الاسلامية المتطرفة، وهي خصم الامارات الاكبر، بل بكون هذه الجماعات هي الخطر الحقيقي على اي سلطة في الجنوب، كونها خارج المعادلة السياسية.
فان تم تسوية الامر مستقبلا مع الحوثيين سياسيا، فان هذا لايشمل جماعات القاعدة، والتي يتهم الاصلاح من قبل الامارات بدعمها.
لقمة سائغة
الاتهامات الاماراتية والهجمات الاعلامية على “الاصلاح” يمكنها ان تستمر، ولا يمكن توقع رد اصلاحي مفحم للامارات ، يثبت عدم تورطه بدعم “داعش” في اليمن، فالاصلاح لم ينتهج طريقة الرد “العلني” على الهجمات الاعلامية الاماراتية، ودائما كان رده ينتهج مبدأ التهدئه، محاولا التقرب لتقريب وجهات النظر، وهي خطوات قُرنت بخيبة ثقيلة.
حتى ان الردود المبهمة من قبل قياداته، وهي تصريحات غير رسمية، لاتأتي مشبعة تماما للحالة التي يعيشها الاصلاح، الذي يشعر بتهديد سياسي حقيقي، وانه يمكن ان يكون لقمة سائغة.
فرئيس الهيئة العليا للاصلاح “محمد اليدومي” لم يُعرف عنه اي تصريح يرد به على التهم، وكذلك اي من قيادات الاصلاح، المقيمة حاليا خارج اليمن “الدوحة واسطنبول” ، وهنا تُعرض وجهة نظر الاصلاح التي يكررها “اليدومي” بلغة مبهمة تفتقد للصراحة والجرءة في الطرح ، وتتخلص “نظريته” بوجود الطابور الخامس، الذي يتحرك على المستوى الاعلامي والقرار السياسي.
عزل تعز
الاصلاح يروج لفكرة ان هناك من يريد ضرب علاقته بالتحالف، في وقت مازلت علاقته بالتحالف مبهمة، فالامارات ترى من جهتها انه ينفذ اجندة “اخوانية” في اليمن، بدعم قطري – تركي، حيث لا تتواجد قطر بشكل صريح في اليمن، وبذلك يُصنف الحزب اليمني في صراع المحاور الاقيلمية ، في محور تعتبره الامارات خصمها الاساسي “الاخوان المسلمين” ولذلك قد لا تُرجح ان تتفق معه في اليمن.
هذا الخلاف الاماراتي – الاصلاحي، يمتد الان ليخرج من ثكنته الجنوبية، الى السواحل الاستراتيجية الغربية على البحر الاحمر وباب المندب، مما يعني فعليا عزل “تعز″ وداخلها الاصلاح او مقاومة الشمال، وفرض السيطرة الجنوبية- العسكرية على المنافذ البحرية الشمالية.
وحصر الاصلاحيين في “تعز″ دون منفذ مائي، وفقا لخارطة التوسع والصراع، يثير الغضب والحنق الاصلاحي، ويؤكد ان الخوف الاماراتي منهم يدعوها لاقصائهم ميدانيا، وتقليص نفوذهم وقوتهم، فكيف يمكن توقع مستقبل هذا الصراع الخفي بين الحلفاء، خاصة وان منطقة باب المندب الاستراتيجية ليست محل نقاش من قبل الامارات التي تنشط عسكريا في هذه المنطقة، وتُثبت يوميا تواجدها العسكري في الدول المجاورة لباب المندب.