الجديد برس – تقارير
كلما جلس الرئيس دونالد ترامب وراء مكتبه وحمل القلم ليوقع به أمرا تنفيذيا جديدا تهبط القلوب في صدور المدافعين عن حقوق الانسان تخوفا من الجديد الذي سيأتي به
الأمر الجديد الجاري توقيعه فكل أمر تنفيذي وقعه منذ جلس على مقعد الرئاسة كان يثير ضجة وجدلا في المجتمع الأميركي وفي العالم بدءا من توقيعه الأمر القاضي بتجميد العمل بقانون أوباما كير الذي رحب به لدى تنفيذه ملايين الأميركيين واذا به يلغيه بجرة قلم كما وقع الأمر القاضي ببناء جدار فاصل على امتداد الحدود الأميركية مع المكسيك وهو حر في توقيع قرار كهذا لكنه ليس حرا في اجبار المكسيك على تسديد كلفة البناء.
ولدى رفض المكسيك تحمل كلفة بناء الجدار أو تحمل حتى جزءا من كلفته اضطر للاعلان بأنه سوف يستوفي كلفة الجدار من ضرائب تفرض على البضائع المستوردة من المكسيك. واضافة الى هذين القرارين وقرارات أخرى جاء أخيرا القرار الأكثر اثارة للضجة وهو قرار حظر السفر الى الولايات المتحدة الذي فرض على سبع دول اسلامية هي سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال والسودان وايران بل واعتبار تأشيرات الدخول الصادرة قبل المنع لاغية ومثلها وثائق “الجرين كارد” التي تأذن للبعض بالاقامة تمهيدا لحصولها على الجنسية…هذه أيضا لاغية.
وأثار القرار ضجة كبرى لأنه لا يفرض حظرا مستقبليا، بل حظرا بأثر رجعي يلغي مفاعيل تأشيرات صدرت فعلا، كما يلغي بطاقات جرين كارد فاعلة وقطعت شوطا في هذا المضمار. ولكن الأهم من ذلك، أن أوامره التنفيذية المتسارعة تلك، تؤكد جديته في كل ما طرحه في حملته الانتخابية واعتقد البعض أنها مجرد طروحات لغايات انتخابية وتبين الآن أنه جاد بها جميعها مما ينذر أيضا، بعد أن نفذ توجهه الحذر نحو المسلمين أن يلحقه بطرد ملايين المقيمين اقامة غير شرعية في الولايات المتحدة وغالبيتهم من الاسبان أي المكسيكيين ومن دول أميركا اللاتينية وأن يتشدد في اضطهاد حتى المقيمين منهم اقامات شرعية وربما لاحقا في التوجه نحو تمييز الأبيض الأميركي على الأجناس والاثنيات الأخرى (فهذا التوجه قد لمس بين سطور حملته الانتخابية) مما قد يؤدي تدريجيا الى انبعاث حركات كوكلاكس كلان “KKK” التي طالما اضطهدت السود بل والكاثوليك أيضا.
لكن الأخطر في قراره الخاص بحظر دخول الولايات المتحدة على مسلمين من ست دول عربية اضافة الى ايران أنه لم يستند الى أسس صحيحة ومبررات جدية فهو كما يقول ترامب ويدعي قد فعل ذلك كي يبعد خطر الارهاب عن بلاده باعتبار أن هؤلاء المسلمين من تلك الدول هم ارهابيون بطبيعتهم ولكنه عندما فعل ذلك واتخذ هذه الخطوة الجبارة المبتعدة تماما عن كل المفاهيم الانسانية ومبادىء حقوق الانسان ومنها حق اللجوء اذا تعرضت حياة الانسان للخطر لم يفعل ذلك بعد دراسة متأنية واستنادا الى أدلة مدروسة ومضمونة.
فعلى أرض الواقع مثلا لم يقم الصوماليون الممثلون بشباب الصومال بأي عملية إرهابية في الولايات المتحدة (غير واحدة) اذ اقتصرت هجماتهم في الداخل الصومالي وفي بعض دول الجوار أحيانا ككينيا مثلا. أما في الولايات المتحدة، فلم تسجل العمليات الموصوفة بالارهابية الا حادثة واحدة نفذها في 18 أيلول 2016، رجل من أصل صومالي يرتدي ملابس رجل امن، هاجم سوقا تجاريا مزدحما في حي سانت كلاود في مدينة مينوسوتا الأميركية. وقام بطعن تسعة من رواد السوق التجاري. وقال شهود العيان أنه كان يسأل من يهاجمه ان كان مسلما أم لا، قبل أن يستخدم سلاحه الأبيض في طعنه. فهل هذه الحادثة الفريدة بل اليتيمة من نوعها التي ارتكبها صومالي خلال الأعوام الأربعة التي ظهر فيها الارهاب للعالم تبرر فرض حظر على دخول كل الصوماليين الى الولايات المتحدة؟
وكما الأمر بالنسبة للصومال هناك إيران فالواقعة الوحيدة التي نفذ فيها عمل ارهابي مواطنون من أصل ايراني تمثلت في ذاك الهجوم المسلح الذي نفذه في الثاني من كانون أول 2015 ، الزوجان من أصل ايراني “رزوان فاروق” وزوجته “تاشفين ماليك”، عندما هاجما بسلاح رشاش مركزا طبيا في مدينة بيرناردينو بولاية كاليفورنيا، وتسبب الهجوم بمقتل أربعة عشر شخصا. فهذه هي الواقعة الوحيدة التي نفذها، في مدى أربعة أعوام من انتشار الارهاب، مواطنان من اصل ايراني، وبطبيعة الحال لا تبرر أبدا فرض حظر على كل الايرانيين، (خصوصا وأن البعض يشكك بكونهما ايرانيين بل باكستانيين) ما لم يكن الغرض من وراء فرض الحظر على ايران هو التعويض عن عجزه عن احباط اتفاق دولي وقعه الرئيس أوباما، أراد ترامب الغاءه، ولكنه لم يفلح بعد في ايجاد المبررات المقنعة أميركيا ودوليا لخطوة كهذه. والمقصود بذلك الاتفاق النووي الذي وقعته مع ايران دول خمسة زائد واحد فالتاريح الحديث لم يسجل أعمالا ارهابية نفذها ايرانيون أو أميركيون من أصل ايراني كالزوجان رزوان فاروق وتاشفين مالك السابق ذكرهما خصوصا اذا رجح ان المهاجمين كانا باكستانيين وليسا ايرانيين علما أن باكستان الاسلامية أيضا، لم يشملها منع سفر رعاياها الى أميركا.
الأمر ذاته ينطبق على السوريين والعراقيين والليبيين والسودانيين اذ أن عمليات الارهاب منذ أربعة أعوام والى الآن لم تسجل عمليات ما ولو واحدة نفذها مواطنون من هذه الدول الأربع وأنا اتحدى الرئيس ترامب أو مساعديه بأن يسموا عمليات كهذه ارتكبها سوريون عراقيون أو ليبيون أو سودانيون خلال الأعوام الأربعة الماضية أي منذ ظهر الارهاب بظهور داعش.
والواقع انني اناقش هذا الأمر بثقة تامة لأن موضوع العمليات الارهابية التي ينفذها ذئاب منفردة متعاطفة مع “الدولة اللاإسلامية” في دول العالم بما فيها الولايات المتحدة كانت موضوع دراسة مكثفة لي اضطرتني للبحث والتنقيب طويلا في عدة مراجع تمهيدا لاصدار كتاب لي حمل عنوان “الذئاب المنفردة – وجه آخر للدولة الاسلامية”. فقد تابعت وقائع كهذه لا في الولايات المتحدة فحسب بل في دول العالم كلها. وتضمن كتابي الذي انتهيت من صياغته مع اليوم الأخير من الشهر العاشر من عام 2016 جدولا تفصيليا بكل العمليات الارهابية التي نفذت في الدول الأوروبية في كندا استراليا، وفي الولايات المتحدة خلال الأعوام 2013 – 2016. ولم يتضمن ذاك الجدول غير عملية بيرناردينو التي وصف منفذاها بأنهما ايرانيين (مع ظهور شكوك حول جنسيتهما)، وعملية واحدة نفذها أميركي من أصل صومالي، مما لا يبرر اطلاقا ادراج هاتين الدولتين على قائمة المحظورين.
والغريب في الأمر أن هناك دول أخرى نفذ رعاياها عدة عمليات ارهابية في الولايات المتحدة وكانت نتائجها ضارة للأميركيين ومع ذلك لم يفرض حظر على رعاياها يمنع قدومهم للولايات المتحدة. ففي 24 أيلول 2016 هاجم مسلح أسواق سكاي التجارية قي مدينة بيرمنجتون بولاية واشنطن وتسبب بجرح تسعة أشخاص. وتبين لدى القاء القبض عليه أنه من أصل تركي اسمه “أركان جيتين” وعمره 20 عاما ولكن لم يشمل حظر السفر تركيا رغم هذه الواقعة ورغم كونها اسلامية وهو لم يشمل أيضا افغانستان التي نفذ بعض رعاياها عدة عمليات ارهابية بين الاعوام 2013 – 2016 ومع ذلك فان هذا الحظر لم يشمل الرعايا الأفغان ومن العمليات الضارة جدا التي نفذها افغانيون (أو من أصل أفغاني) في الولايات المتحدة بدءا من عام 2013 وانتهاء بالشهر العاشر عام 2016، عندما انتهيت من وضع كتابي:
* في الخامس عشر من نيسان 2013 نفذ الأخوان Tamerlan & Dzhokhar Tsarnaem عملية تفجير في مدينة بوسطن خلال سباق ماراثون في المدينة أدى لمقتل ثلاثة من المتسابقين وجرح 260 منهم.
* في الثاني عشر من حزيران 2016 أقدم عمر متين الأميركي المنحدر من أصل أفغاني على مهاجمة ناد ليلي في مدينة أورلاندو مستخدما رِشأِشأ، فقتل49 من رواد الملهى وجرح 53 .
* في 16 أيلول 2016 فجرت قنبلة وضعت في حاوية للنفايات في حديقة هايد بارك في نيوجيرسي وفي اليوم التالي فجرت قنبلة أخرى في أحد أحياء مانهاتن في نيويورك أدت الى جرح 29 شخصا جراح أحدهم كانت خطيرة واكتشفت لاحقا عبوة ناسفة اخرى أبطلت قبل ان تنفجر وكشف التحقيق أن منفذ عمليتي نيوجرسي ومانهاتن هو أحمد خان رحيمي أميركي من أصل أفغاني.
ولغايات الدقة كانت هناك بعض العمليات التي نفذها بعض المنتمين لدول شرق أوسطية، لكن لم يجر تحديد انتمائهم لدولة ما ومن هذه العمليات:
* في الثالث من أيار 2015، قام رجلان باطلاق النار على معرضCurtis Culwell Center في تكساس حيث كانت تعرض صور للنبي محمد (ص). وقتل المهاجمان ولكن لم يكشف النقاب عن هويتهما.
*في تموز 2015 أقدم محمد يوسف عبد العزيز على مهاجمة مركز اميركي للتجنيد والتدريب في تشاتانوغا في الولايات المتحدة لكن لم يكشف عن البلد الشرق اوسطي الذي انحدر منه محمد يوسف عبد العزيز.
* في الرابع من تشرين أول 2015 قام “فيصل محمد” بطعن أربعة أشخاص في جامعة كاليفورنيا قبل أن يتمكن رجال الأمن من قتله وكشف عن وجود ميول اسلامية لديه لكن لم يحدد البلد الشرق أوسطي الذي جاء منه.
والأهم من ذلك أن هناك العديد من العمليات الارهابية التي نفذها أميركيون لم ينحدروا من دولة اسلامية شرق أوسطية بل كانوا أميركيين بكل معنى الكلمة ومنهاعلى سبيل المثال لا الحصر:
* في الأول من تشرين أول 2013 ، أقدم الأميركي Paul Anthony ، على مهاجمة أمن الاستقبال في مطار لوس أنجيلوس مستخدما عدة أنواع من الأسلحة. وقتل رجل أمن وجرح عددا من المسافرين.
* في 13 نيسان 2014 ، قام الأميركي Frazier Glenn Miller القائد السابق لحزب البيض المطالب بتفريق البيض عن السود والمنادي بمعاداة السامية باطلاق النار على مركز اجتماعي لليهود في منطقة Overland Park في ولاية كنساس، فقتل ثلاثة منهم.
* في 23 تشرين أول 2014 أقدم Zale F Thomson عمره 32 عاما، وهو أميركي اعتنق الاسلام، بمهاجمة أربعة من رجال الشرطة في مدينة نيويورك مستخدما السيف في هجومه، فأصاب أحدهم في يده وآخر في عنقه. وقال “جون ميللر” المسؤول عن مكافحة الارهاب أن “تومسون” كان متعصبا للفكر الاسلامي.
* في السابع من كانون الثاني 2016 قام الأميركي Edward Archer بمهاجمة دورية للشرطة في ولاية بنسلفانيا ولدى التحقيق معه قال انه فعل ذلك باسم الاسلام لكون الولاية تنفذ قوانين تتعارض مع الاسلام والأرجح أنه قصد بذلك بيع الخمور.
بطبيعة الحال لم يشمل قرار ترامب أيضا رعايا المملكة السعودية التي شارك 18 من رعاياها في عمليات تدمير البرجين في نيويورك وفي قصف البنتاعون عام 2001 مما أودى بحياة ثلاثة الاف مواطن اميركي. وعزز الحق في ادانة ما نفذه سعوديون وادى الى هذه المذبحة صدور قانون جاستا الذي أقره مؤخرا الكونجرس الأميركي المسيطر عليه من قبل الجمهوريين واذن للمواطنين الأميركيين بمقاضاة السعودية على الأضرار المادية والمعنوية التي اصابتهم. وحاول الرئيس أوباما الحيلولة دون تنفيذ القرار لكن الكونجرس بثلثي أعضائه والمسيطر عليه جمهوريا أصر على تنفيذه ورفض – رفض الرئيس اوباما له ومع ذلك فها هو الرئيس ترامب يتجاهل ما الحقه مواطنون سعوديون من اذى فعلي وفاحش بالشعب الاميركي فلم يفرض حتى مجرد رقابة على تجولهم أثناء تواجدهم في الولايات المتحدة.
وبطبيعة الحال فان هذا أمر طبيعي تقتضيه المصلحة الاميركية اذ أن الرئيس ترامب الذي انذر وتوعد دول الخليج خلال حملته الانتخابية لم يلبث حتى تراجع عن موقفه الرافض لتقديم الحماية لهم بدون مقابل مجزي. ولعل تراجعه عن هذا الموقف هو التراجع الوحيد عما لوح وهدد به خلال حملته الانتخابية. فمصلحة الصناعة الأميركية وبالذات الصناعة العسكرية، ستكون مهددة لو تشبث بموقفه ذاك، خصوصا وأن حجم مشتريات السلاح لدول الخليج السنوي يقارب الأربعين مليار دولار. فتوقف السعودية ودول الخليج عن استيرادها من الولايات المتحدة، سيؤدي لتعطيل بعض أنواع الصناعة صناعة التسليح، التي تشكل دول الخليج سوقها الرئيسي مما سيؤدي لتزايد البطالة الامر الذي جعل محاربتها (أي البطالة) واحدا من أهم ما يسعى ترامب اليه.
والواقع أن الولايات المتحدة هي أقل الدول تضررا من قضايا اللاجئين والأعمال الارهابية وأكثرها تضررا هي فرنسا والمانيا وبلجيكا والدانمرك. وهذه الدول تحاول التعامل مع الأمر في نطاق القوانين الانسانية, وها هو الرئيس الفرنسي أولاند وكذلك المستشارة الألمانية ميركل، أكثر من أدان قرار ترامب هذا والواقع ان هذا القرار الترامبي مجرد غيض من فيض ونفحة من أهوال قد تهطل على الولايات المتحدة وعلى العالم.
فهذا الرئيس الجديد الذي لا يتوقف لدى افتقاره للخبرة السياسية يتمتع بطموح كبير لأن يصبح شيئا أكبر من مجرد رئيس أنه يتطلع لأن يكون زعيما وقائدا تاريخيا للولايات المتحدة تماما كجورج واشنطن وابراهام لينكولن. ولإدراك ذلك لا بد من قراءة خطابه في حفل تدشينه رئيسا أنا شخصيا توقفت طويلا أمام نقطتين: قوله أن أميركا أولا وثانيا أنني سأعيد السلطة لكم للشعب…انها السلطة التي سلبها منكم سياسيون في واشنطن. وسياسيو واشنطن هما السياسيون في الحزب الديمقراطي وفي الحزب الجمهوري اذ غالبا ما يكون احدهما في الموقع التنفيذي والآخر في الموقع التشريعي. كلماته هذه أوحت لي بأن هذا الرجل الطموح الذي عارض الحزب الجمهوري حزبه عارض ترشحيه… هذا الرجل قد يطيح قريبا بالحزبين وبالديمقراطية واتوقع له ان يؤسس الحركة الترامبية التي يريدها ان تبقى طويلا…. وطويلا جدا وآمل أن أكون مخطئا في تقييمي هذا.
ميشيل حنا الحاج – مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن.
عضو في اتحاد الكتاب والمفكرين الأردنيين.