الجديد برس
على جدران قاعة «مسرح المدينة»، صور فوتوغرافية، مرفقة بنصوص شخصية وانطباعية: اللجوء الفلسطيني والسوري بكل واقعيته وقساوته، عمالة الأطفال، قصص الحب والشيخوخة، والأمل… سلسلة قضايا أرّخها 74 شاباً/ة من أعمار تراوح بين 14 و18 عاماً، من أربع جنسيات: لبنانية، عراقية، فلسطينية، وسورية.
التقت هذه العناصر العمرية والثقافية مع بعضها طوال عام، لتنتج معرضاً فوتوغرافياً ومشروعاً بعنوان «صورة وحكاية». المعرض الذي افتتحه «دار المصور» أخيراً، هو نتاج مشترك بين جمعية «مهرجان الصورة – ذاكرة»، و«اليونسيف»، يهدف إلى إشراك هذه الشرائح، لا سيما المهمشة، التي عاشت واقع التهجير والصراعات الطائفية في بلادها، من أجل بناء جسور مع الآخر.
في يوم الافتتاح، عُرض فيلم قصير (إخراج جنان داغر) يعرّف بأبرز المراحل التي مرّ بها هؤلاء المتدربون/ات، من التصوير الفوتوغرافي إلى تعلّم كتابة الخبر، وصولاً الى اكتساب مهارات النشر على صفحات التواصل الاجتماعي. حوى فيلم شهادات سريعة للمشاركين/ات، الذي أعربوا عن فرحتهم بامتلاك مهنة اليوم، ومساحة للتعبير عن محيطهم وما يدور في خاطرهم. إلى جانب هذه السعادة بامتلاك الكاميرا، خرجت آراء قد تكون كافية، لتشكّل أرضية مشتركة بين الجنسيات العربية المختلفة التي صُنعت في ما بينها حواجز وأحكاماً مسبقة، لا سيما في المجتمع اللبناني. لم يستطع هؤلاء إلا تصوير زوايا قاسية، يعانيها النازحون السوريون والفلسطينيون في لبنان، معيشية كانت أو اقتصادية. مرّر المتدربون/ات، عبر عدساتهم، صرخة في وجه من يلزم طفلاً أو شاباً هزيلاً بالعمل الشاق. مثلاً، قامت سارة قهوجي (17 عاماً) الآتية من منطقة الأشرفية بزيارة مخيم شاتيلا. هناك، احتكت عن قرب بواقع اللاجئين/ات الفلسطينيين المحاصرين بأشرطة الموت (الكهرباء)، الذين يعيشون منذ سنوات ظروفاً لا إنسانية. إلى جانب قهوجي، شهادة من شابتين لبنانيتين تشكوان من الضخ الهائل للعنصرية ضد السوري في مدرستهما إلى درجة «أننا نصير عنصريين بلا وعي بسبب تكرار عبارة: سوريا كلها صارت بلبنان» وفق ما قالتا.
يختصر مشروع «صورة وحكاية»، الذي أتى بعد مشاريع عدة مشابهة من «لحظة1» الى «ما بعد اللحظة»، و«لحظة 2»، وغيرها، الدمامل المرضية التي تتخبط فيها المجتمعات، ويمهد لكسر الهواجس الاجتماعية، والانفتاح على الآخر المختلف، الذي يعاني بعضه من أزمات تفرزها الحرب والاستقطاب الدعائي للجماعات الإرهابية.
رئيس جمعية «مهرجان الصورة-ذاكرة» المصوّر رمزي حيدر، يعطي أولوية الى التفاعل الإنساني الذي أفرزه هذا المشروع، إذ تحول المتدربون/ات الى أصدقاء، ونشأت في ما بينهم علاقات وطيدة، استمرت حتى بعد انتهاء المشروع. في مقابلة مع «الأخبار»، يصب حيدر اهتمامه على هذه الشرائح الشبابية، ليضحوا مستقبلاً «صحافيين»، بالمعنى الحديث للكلمة: يملكون كاميرا، ويعرفون كيفية كتابة قصة قصيرة مرفقة بالصورة، ونشرها على المنصات الافتراضية. إذاً هي عملية متكاملة تدمج العلاقة الإنسانية، بالتمكين الفردي والجماعي لهؤلاء الذين يحملون قضايا حياتية وإنسانية، ويخرجون واقعهم القاسي الى الملأ، ليختبروا التفاعل مع الآخر، ويكونوا في منأى عن صراعات بلادهم، وتأثيرها المباشر عليهم، لا سيما على صعيد استقطاب الجماعات الإرهابية لهذه الفئة العمرية. يأمل المصور المخضرم أن يصار الى تعميم هذه الأهداف، وتشبيك الجمعيات الأهلية وطلاب المدارس وحتى الجامعات مع أبطال هذا المشروع، لتكوين مجتمع يقبل الآخر، ويرفض بشكل قاطع أن تمرر حفلات العنصرية والكراهية ضد الآخر أكان في الداخل اللبناني أم في سائر المجتمعات العربية.
المصدر : الأخبار