الجديد برس : رأي
يموت الأطفال أمام أعيننا فنروح نُقلّب في أقنية التلفزة عن أشياء لا تموت. يصعبُ أن نرّد هذا الموت الوفير إلى نظام الطبيعة التي تتخلّص من فضلاتها. الأصّح أن نبحث في التشوّه الإنساني/ الكوني، في المكر الخفيّ الذي يلّف العالم بسرّيته.
ماذا يريد موت الأطفال أن يقول؟ الأطفال الذين هم الوجه الحقيقي لنداوة الغابات، الوجه البريء، الوجه الحلم وزلزال الوجوه الحلمية وسلام الأيام.
يميل البوذا إلى أن يتحرّر العالم من عقيدة التناسخ ليدخل في مطلق النيرفانا. الأطفال الذين ماتوا، ماتوا وقضوا وانتهى أمرهم.
أيضاً الشباب والشيوخ والنساء. بيد أن روحي تترّيث أمام إصطياد الأطفال على أسرّتهم، في أحضان أمّهاتهم، في الملاجىء وأماكن اللعب وخلف الحيطان وفي دروبهم إلى مدارسهم. أليسوا أحلاماً غير قابلة للتناسخ؟ أليسوا أجمل قصائد رثاء ابتكرها شعراء على الإطلاق؟على الأطفال في ميتاتهم المُستحدثة عربياً، أن يهيموا في دورة ولادات جديدة، وميتات جديدة، كما لو عصر ” فيدا هندي” ثانية، هو في الأصل لب الشرق نفسه.عندنا الأطفال يموتون كل يوم، ويفوق عددهم عدد النجوم. كل طفل يسقط هو عندي مادّة نشيج لا يكفّ. فوح طفولته يفقد عناصره الأرضية الفانية، ليشكّل أصل رائحة الأرق الذي يحرمني النوم. روح طفل، مجرّد نعت للطاقة التي تُلهب كل مخلوقات السماء والأرض.إننا نُحبّ الحياة، نحبّها لأطفالنا في اليمن والعراق وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر وسائر العالم، نحبّها وتليق بهم، ولكننا بفعل عادة كئيبة نقبل موتهم أمام أعيننا مؤمنين أن أرواحهم الغضّة في الأعالي تحمل معها مشاعر الحب والتسامح.في العصور السحيقة كان الفيثاغوريون مثلاً ، يؤمنون بأن أرواح الأشرار ينبغي أن تظلّ أسيرة أبدان من ذوات الأربع! ما رأيك أيها القاتل الذي تقتل الأطفال؟ الهلاك يتربّص بك في وجه، قدر، طفل، حكمت عليه بالموت.لا بدّ أن علامة الهلاك محفورة وبائنة على وجهك، في جحوظ عينيك وارتعاشة يدك، ولعلها في خيوط العنكبوت على رقبتك، أو هي رقبتك المزرّقة ذاتها.الشوارع في هذا البلد وذاك تعبق بالموت. الطفل الميت لم يعد يخّص أحداً، أصابعه المفرودة كوريقات نبات حسّاس تحت الشمس. يده تأخذ قسطاً من الراحة.رأسهُ مُدّعم بذراعه، وروعة الوضع تنفذ إلى روحي. لقد دفع الثمن الباهظ الذي استحقته الوحشية، وإذا مات فالحب من أماته.لا أتوقّف عن الذهول حيال رؤية طفل مقتول. أبداً لستُ قادرة على كتابة ما يكفي.إن كتبت فعباراتي شديدة التلعثم ولا تُساعد على الإطلاق، وأيّ شيء تعلّمته من رؤية طفل مقتول، لم أكتسبه بالنظر، بل بالاستماع إلى جريان الدم في أوردته الرقيقة تُعلّم البشرية لغة جديدة. الحقيقة أنني أعبّ المشهد عبر رائحة تفوح من ثديييّ، والأمر برّمته في منتهى الغرابة.موت الأطفال لايعدو أن يكون أسطورة جميلة ورمزية. موتهم ينقذ حياة الأزهار، ينقذ حرية الطيور العالية، يوسّع السماء ويُصافح الطبيعة.
ذات مرّة، توّصل طفل عربي قتيل إلى ولوج الحلقة الخامسة من بلاد الروح. الحلقة الأخيرة. ورأى هناك سيّداً قاتلاً، تمثالاً بالأحرى لسيّد عربي قاتل، تمثال من العاج الأسود الخالص ليست تُضيئه حزمة الأشعة الملوّنة. تمثال أسود غير قرمزي عند الأطراف، ولا أزرق برتقالي في الوسط، ولا زهري في منطقة الوجه، وكلها ألوان تسقط على باقي التماثيل المصطفّة بفروقات طفيفة. لماذا لونك الأسود يا سيّدي؟ سأل الطفل الميت/ المقتول تمثال السيّد القاتل.
كل تمثال من التماثيل فوق في الأعالي تصطبغ بألوانها على هدى ذنوبها. التمثال الزهري قضى بفعل فساده، والأزرق خان بلاده، والبرتقالي أباد شعبه. الأسود لون قاتل الأطفال.
إذا ما صدّقنا الذنب المُفضي إلى اللون الأسود، وقعنا مع الطفل القتيل على معرفة جوهرية لم يقترب من فهمها أغلب أهل الأرض.
منذ سنوات ، نعيش مهرجان الأطفال الذين ُيقتلون. مهرجان الأطفال القتلى، وعيد وحدة الأرواح المهيضة. إن ترجمة الألم بالحزن أمر سطحي. تذكّر هذا جيّداً أيها السيّد القاتل، فأنت حين تزهق طفلاً، تكون تُدين للكون، عناصره وبشره، بالألم الكامل .
الأمسيات أمام الشاشات طويلة ومضنية. الأطفال يتساقطون مُلوّثة أجسادهم بالدم. ولعلّ الشمس غربت وبزغت مرات عديدة في أمسية واحدة طويلة، ذلك أن نوعاً من ثبات التحديق جعل الصوَر تهرم، تنهزم بصفاء مؤلم. كل أنّة تخرج من صدورهم تمّد في اللحظات، ولا أنّة تهرب من أذنيّ، لا أنّة تفلت من صدري.إن الشياطين خاصة، تريد أن تضبطك منهاراً إزاء حفل قتل الأطفال. مَن قتل هذا الصغير؟ لوزة ناعمة الملمس من أسال دمها، دثّرها بالموت، لفّ خيوطه حولها، غزل شرنقة التراب وأسكنهُ فيها.أنا حيال جرحه الطويل في الرأس، ألتّفُ وأنحّلُ دائرياً وفي كل اتجاه. جثتهُ احتلتّني كلنّي، احتلّت قلبي وأدمته. في المشرحة سحبوا الجسد الصغير المتيبّس وانكشف لي موته بعنف وانتشرت لوعتي كانتشار فجر حول مذود مهجور. لوعة تدفّقت على الجثة لفتى في السابعة، أصغر أو أكبر، لها شكل وقوام لوزة بيضاء مُسكرة.وسوف يمرّ مشهد آخر مشابه، ومشهد آخر مشابه وكل شيء فييّ يصغي بانتباه.إنني أنصت، إنني أسجّل، يمكن للأطفال أن تتمايل فوق الأكّف ، أن تهزّ رِجلاً أو يداً، لكنه التمايل المخادع للكاميرا المرتجّة وأبداً لن يكون بوسعها اللعب بعد، الحياة بعد. لن تقذف كرة ولن تتنزّه في حقل. كلا. ليس بعد. أقول موتهم في أقّل عدد من الكلمات، كلمات عن الكفَن الأبيض الملطّخ بالدم، المعقودة أطرافه لتمسك تنّفس الزهرة فيه. أقلّ عدد من الكلمات عن ثقوب الرأس، والصدر والأطراف ثم هو الكلام قد خلص، وترك لنا أن نسأل أسئلة الجحيم هذه!!!
يميل البوذا إلى أن يتحرّر العالم من عقيدة التناسخ ليدخل في مطلق النيرفانا. الأطفال الذين ماتوا، ماتوا وقضوا وانتهى أمرهم.
أيضاً الشباب والشيوخ والنساء. بيد أن روحي تترّيث أمام إصطياد الأطفال على أسرّتهم، في أحضان أمّهاتهم، في الملاجىء وأماكن اللعب وخلف الحيطان وفي دروبهم إلى مدارسهم. أليسوا أحلاماً غير قابلة للتناسخ؟ أليسوا أجمل قصائد رثاء ابتكرها شعراء على الإطلاق؟على الأطفال في ميتاتهم المُستحدثة عربياً، أن يهيموا في دورة ولادات جديدة، وميتات جديدة، كما لو عصر ” فيدا هندي” ثانية، هو في الأصل لب الشرق نفسه.عندنا الأطفال يموتون كل يوم، ويفوق عددهم عدد النجوم. كل طفل يسقط هو عندي مادّة نشيج لا يكفّ. فوح طفولته يفقد عناصره الأرضية الفانية، ليشكّل أصل رائحة الأرق الذي يحرمني النوم. روح طفل، مجرّد نعت للطاقة التي تُلهب كل مخلوقات السماء والأرض.إننا نُحبّ الحياة، نحبّها لأطفالنا في اليمن والعراق وفلسطين وسوريا ولبنان ومصر وسائر العالم، نحبّها وتليق بهم، ولكننا بفعل عادة كئيبة نقبل موتهم أمام أعيننا مؤمنين أن أرواحهم الغضّة في الأعالي تحمل معها مشاعر الحب والتسامح.في العصور السحيقة كان الفيثاغوريون مثلاً ، يؤمنون بأن أرواح الأشرار ينبغي أن تظلّ أسيرة أبدان من ذوات الأربع! ما رأيك أيها القاتل الذي تقتل الأطفال؟ الهلاك يتربّص بك في وجه، قدر، طفل، حكمت عليه بالموت.لا بدّ أن علامة الهلاك محفورة وبائنة على وجهك، في جحوظ عينيك وارتعاشة يدك، ولعلها في خيوط العنكبوت على رقبتك، أو هي رقبتك المزرّقة ذاتها.الشوارع في هذا البلد وذاك تعبق بالموت. الطفل الميت لم يعد يخّص أحداً، أصابعه المفرودة كوريقات نبات حسّاس تحت الشمس. يده تأخذ قسطاً من الراحة.رأسهُ مُدّعم بذراعه، وروعة الوضع تنفذ إلى روحي. لقد دفع الثمن الباهظ الذي استحقته الوحشية، وإذا مات فالحب من أماته.لا أتوقّف عن الذهول حيال رؤية طفل مقتول. أبداً لستُ قادرة على كتابة ما يكفي.إن كتبت فعباراتي شديدة التلعثم ولا تُساعد على الإطلاق، وأيّ شيء تعلّمته من رؤية طفل مقتول، لم أكتسبه بالنظر، بل بالاستماع إلى جريان الدم في أوردته الرقيقة تُعلّم البشرية لغة جديدة. الحقيقة أنني أعبّ المشهد عبر رائحة تفوح من ثديييّ، والأمر برّمته في منتهى الغرابة.موت الأطفال لايعدو أن يكون أسطورة جميلة ورمزية. موتهم ينقذ حياة الأزهار، ينقذ حرية الطيور العالية، يوسّع السماء ويُصافح الطبيعة.
ذات مرّة، توّصل طفل عربي قتيل إلى ولوج الحلقة الخامسة من بلاد الروح. الحلقة الأخيرة. ورأى هناك سيّداً قاتلاً، تمثالاً بالأحرى لسيّد عربي قاتل، تمثال من العاج الأسود الخالص ليست تُضيئه حزمة الأشعة الملوّنة. تمثال أسود غير قرمزي عند الأطراف، ولا أزرق برتقالي في الوسط، ولا زهري في منطقة الوجه، وكلها ألوان تسقط على باقي التماثيل المصطفّة بفروقات طفيفة. لماذا لونك الأسود يا سيّدي؟ سأل الطفل الميت/ المقتول تمثال السيّد القاتل.
كل تمثال من التماثيل فوق في الأعالي تصطبغ بألوانها على هدى ذنوبها. التمثال الزهري قضى بفعل فساده، والأزرق خان بلاده، والبرتقالي أباد شعبه. الأسود لون قاتل الأطفال.
إذا ما صدّقنا الذنب المُفضي إلى اللون الأسود، وقعنا مع الطفل القتيل على معرفة جوهرية لم يقترب من فهمها أغلب أهل الأرض.
منذ سنوات ، نعيش مهرجان الأطفال الذين ُيقتلون. مهرجان الأطفال القتلى، وعيد وحدة الأرواح المهيضة. إن ترجمة الألم بالحزن أمر سطحي. تذكّر هذا جيّداً أيها السيّد القاتل، فأنت حين تزهق طفلاً، تكون تُدين للكون، عناصره وبشره، بالألم الكامل .
الأمسيات أمام الشاشات طويلة ومضنية. الأطفال يتساقطون مُلوّثة أجسادهم بالدم. ولعلّ الشمس غربت وبزغت مرات عديدة في أمسية واحدة طويلة، ذلك أن نوعاً من ثبات التحديق جعل الصوَر تهرم، تنهزم بصفاء مؤلم. كل أنّة تخرج من صدورهم تمّد في اللحظات، ولا أنّة تهرب من أذنيّ، لا أنّة تفلت من صدري.إن الشياطين خاصة، تريد أن تضبطك منهاراً إزاء حفل قتل الأطفال. مَن قتل هذا الصغير؟ لوزة ناعمة الملمس من أسال دمها، دثّرها بالموت، لفّ خيوطه حولها، غزل شرنقة التراب وأسكنهُ فيها.أنا حيال جرحه الطويل في الرأس، ألتّفُ وأنحّلُ دائرياً وفي كل اتجاه. جثتهُ احتلتّني كلنّي، احتلّت قلبي وأدمته. في المشرحة سحبوا الجسد الصغير المتيبّس وانكشف لي موته بعنف وانتشرت لوعتي كانتشار فجر حول مذود مهجور. لوعة تدفّقت على الجثة لفتى في السابعة، أصغر أو أكبر، لها شكل وقوام لوزة بيضاء مُسكرة.وسوف يمرّ مشهد آخر مشابه، ومشهد آخر مشابه وكل شيء فييّ يصغي بانتباه.إنني أنصت، إنني أسجّل، يمكن للأطفال أن تتمايل فوق الأكّف ، أن تهزّ رِجلاً أو يداً، لكنه التمايل المخادع للكاميرا المرتجّة وأبداً لن يكون بوسعها اللعب بعد، الحياة بعد. لن تقذف كرة ولن تتنزّه في حقل. كلا. ليس بعد. أقول موتهم في أقّل عدد من الكلمات، كلمات عن الكفَن الأبيض الملطّخ بالدم، المعقودة أطرافه لتمسك تنّفس الزهرة فيه. أقلّ عدد من الكلمات عن ثقوب الرأس، والصدر والأطراف ثم هو الكلام قد خلص، وترك لنا أن نسأل أسئلة الجحيم هذه!!!
المصدر : الميادين نت